لا شك أن الكذب من الخصال السيئة التي يمكن أن تنشأ مع الطفل إذا لم يجرِ التعامل معها بحرص وحكمة وتقدير للمشكلة في حجمها الطبيعي، وفي الأغلب فإن معظم الأطفال يكذبون لسبب أو لآخر مثل أن ينجو الطفل من العقاب، خصوصا العقاب البدني في حالة المعاملة القاسية سواء في المنزل أو المدرسة، كما يمكن أن يكذب الطفل ليكتسب منفعة معينة سواء عينية مثل الحلوى أو ألعاب أو غيرها أو حتى لاكتساب تعاطف معنوي مثل أن يتظاهر بالمرض أو أسباب أخرى. ولكن في حالة استمرار الطفل في الكذب ودون مبرر قوي فإن ذلك يمثل علامة خطيرة يمكن أن تؤثر على سلوكه لاحقا وتجعله غير أمين.
* الصدق والأمانة ولمواجهة هذه الظاهرة يجب على الأبوين أن يعلوا من قيمة الصدق والأمانة والإصرار على ضرورة قول الحقيقة بغض النظر عن العواقب المترتبة عليها، وعلى سبيل المثال في حالة تلف أحد الأشياء بالمنزل يجب أن تجمع الأم أولادها وتخبرهم أنها تعلم أن من أتلف هذا الشيء فعل ذلك غير متعمد، وأنه في حالة اعترافه بالفعل فإن الأم تعفيه من العقاب، وذلك كي تشجع الأبناء على قول الصدق وعدم الكذب أو المراوغة. وفي حالة قول الصدق يجب أن تثني الأم على شجاعة الطفل في قول الصدق وعدم الكذب، وحتى في حالة تكرار الفعلة يجب أن تقوم الأم بوضع عقاب مخفف وبشكل تدريجي وتصر على أن أهم قيمة هي الصدق.
يجب أن يقدم الآباء النموذج الجيد لقول الصدق والالتزام طوال الوقت بقول الحقيقة، وعلى سبيل المثال في حالة أن يقوم الآباء بوعد الطفل باصطحابه إلى نزهة معينة أو تقديم مكافأة له في حالة تفوقه دراسيا ثم يحنث الآباء بهذا الوعد دون ذكر مبررات قوية، وليس ذلك فحسب بل يجري تكرار الوعود وتكرار الحنث بها ومن ثم يفقد الآباء مصداقيتهم لدى الطفل، وبطبيعة الحال فإن الآباء لا يعتبرون ذلك كذبا ولكنه يترك أثرا سيئا لدى الطفل، حيث لا يكون هناك نموذج يحتذى به في الصدق. وأيضا يمكن للآباء أن يحكوا عن تجربتهم الشخصية لقول الصدق، على سبيل المثال يمكن للأب أن يخبر أطفاله بأنه كان هناك بعض المواقف التي يمكن للكذب فيها أن يجنبه الكثير من المتاعب ولكنه اختار الصدق حتى ولو كان يعني المتاعب.
إلى جانب ذلك يجب أن يتحلى الآباء بالحكمة في توضيح الفارق بين قول الصدق وعدم اللياقة، وعلى سبيل المثال إن وصف زميلا له بالقبيح أو البدانة ليس من الصدق، بل من باب عدم اللياقة، وأنه ليس هناك تعارض بين أن يقول الطفل الحقيقة دون جرح لمشاعر الآخرين، وأيضا من المهم أن يعرف الآباء السبب وراء الكذب لأنه في حالة معرفة السبب يمكن تلافيه مستقبلا، بمعنى انه إذا كان السبب طمعا في الاهتمام يمكن للآباء أن يشعروا الطفل أنهم بالفعل يهتمون به في الصحة مثل المرض، وبالتالي لا داعي لتظاهره بالمرض.
والمعروف أنه في سن ما قبل الدراسة في الأغلب يكون كذب الأطفال خياليا، بمعنى أن يحكي الطفل عن زيارة للملاهي وأنه لعب ألعابا مختلفة، في هذا الحالة يوضح الآباء للطفل الفرق بين الأمنية والحقيقة، وأنه لم يذهب إلى تلك الأماكن ولكن سوف يقوم الآباء في المستقبل باصطحابه إلى الملاهي لتحقيق هذه الأمنية.
* معاقبة الكذب ومثلما يقوم الآباء بمكافأة الصدق يجب أن يقوموا بمعاقبة الكذب وعدم التعامل مع الأمر باستهانة، خصوصا في الأطفال الكبار، وعلى سبيل المثال في حالة تأكد الأب أو الأم أن ابنهم يكذب يمكن أن يقوموا بتوجيه إنذار إليه أن ما يقوله ليس حقيقيا وأنهم في انتظار سماع الرواية الحقيقية للحدث، وأنه إذا استمر في الكذب مرة أخرى فإنه سوف يجري عقابه. ويمكن أيضا أن يقوم الآباء بتكليفه بأعباء إضافية، وعلى سبيل المثال إذا كلف الآباء الطفل بالذهاب لشراء شيء ما وأخبرهم الطفل أنه ذهب ثم وجد المتجر مغلقا (وهو خلاف الحقيقة)، يمكن أن يذهب مرة ثانية، وأيضا يجري تكليفه بالذهاب إلى شراء شيء آخر.
يجب الوضع في الاعتبار أن الأم دائمة التعامل مع الطفل بنوع من المساءلة ووضع القيود المستمرة حول تصرفاته، مما يدفع الطفل دفعا إلى الكذب لتلافي غضبها وعقابها. وعلى سبيل المثال فإن الأم التي تطلب من طفلها أن يستذكر دروسه طوال الوقت وتمنعه من اللعب على الكومبيوتر وتعاقبه باستمرار في حالة وجوده على موقع للألعاب بدلا من مواقع الدراسة، فإن هذا الطفل بطبيعة الحال سوف يقوم باللعب في فترة غياب الأم. وعند سؤالها عما إذا كان لعب ألعاب على الكومبيوتر تكون الإجابة بالنفي. وفي هذه الحالة تكون تصرفات الأم وطريقة تعاملها هي السبب الرئيس في ذلك، ويجب على الأم أن تترك مساحة للحرية لأطفالها لتشعرهم أنهم يفعلون ما يريدون في إطار القواعد المنزلية دون خوف.
يجب على الآباء توضيح عواقب الكذب الأخلاقية للطفل وأن الكذب يمكن أن يتسبب في عدم تصديق الناس له حتى في اللحظات التي يقول فيها الصدق، ويجب أيضا على الآباء عدم نعت الطفل بالكذاب، خصوصا أمام الآخرين، لأنه أحيانا عند وصف الطفل بصفة معينة فإنه يبدأ في التصرف على هذا الأساس فعليا.