«كلاشينكوف».. الإنسان والسلاح

على رغم انهيار الاتحاد السوفياتي الذي من أجله اخترع ميخائيل كلاشينكوف قبل ستة عقود أداته الحربية «كلاشينكوف» للدفاع عن وطنه في مواجهة الغزو النازي، إلا أنها لا تزال آخذة في الازدهار، حتى وصل هذا السلاح إلى جيله الخامس في العام 2011.

وعلى رغم أنه لم يحصل على أية أموال من بيع ملايين البنادق التي تحمل اسمه، تُطرح الكثير من الأسئلة، أهمها، لمَ لا يزال كلاشينكوف يصنع آلة القتل الأكثر انتشاراً في العالم؟، ومن يستخدمها الآن؟، وهل ندم على قتلاه الذين فاقوا ضحايا القنبلة الذرية؟ ووسط كل هذا الدمار الذي خلفته آلته هل كان يدق قلبه بالحب؟

تناقضت أقوال كلاشينكوف حول ندمه على اختراعه سلاح «كلاشينكوف»، ولكن غلب عليها عدم الندم، فكان آخر ما قاله في في عيد ميلاده الـ90 وقبل أن يحتفل بالجيل الخامس من هذا السلاح: «أؤكد لكم شيئاً، لو كان بإمكاني أن أعيد حياتي فلن أعيشها بشكل آخر»، ويقول أيضاً: «لا يهمني كم عدد الذين يستخدمون الأسلحة التي صمّمتها حول العالم، ولكنني في الوقت نفسه مسرور لأن سلاحي منتشر في المعمورة»، مفتخراً بأن «جيوش أكثر من 50 دولة ستستمر في استخدام سلاح كلاشينكوف حتى عام 2025».

معتبراً في محاضرة ألقاها بمركز الشيخ زايد للتنسيق والمتابعة في أبو ظبي عام 2003 أن «اللوم في استخدام الأسلحة لقتل البشر لا يقع على عاتقي، وإنما يتحمله السياسيون الذين يتخذون قرارات استخدام الأسلحة في الصراعات والحروب»، وألقى في تارة أخرى باللوم على ظروف الحرب التي جعلته مخترع سلاح، إذ قال: «لو لم تنشب حروب لكنت صممت آلات زراعية أو مدنية بدلاً من الأسلحة».

وفي عام 2007 قال لـ«الحياة» وهو يتجول في معرض للأسلحة: «حان الوقت لنتوقف عن تصميم أسلحة جديدة وتصنيعها».

في إحدى المرات ذكر كلاشينكوف: «عُرض عليّ الإسلام في السعودية لأتوب عن خطاياي، قال لي أحد الأشخاص هل أنت شيوعي ملحد؟، فأجبته: لا أنا روم أرثوذكس أتبع الكنيسة الروسية». كلاشينكوف تحدث بهذا وهو يشير إلى كتابه الثاني «من عتبة منزل غريب إلى بوابات الكرملين» الذي تشير مقدمته بوضوح عن تهربه من دعوة للتوبة وإشهار إسلامه، وجهها إليه ضابط سعودي كان استقبله لدى زيارته السعودية، إلا أنه تهرّب منها بلباقة، ويضيف: «كان عرض إشهار توبتي وإسلامي جدياً».

كان يكرر دائماً أن سلاحه للدفاع عن الأوطان، اعترف كلاشينكوف بعدم حق إسرائيل في اغتصاب الأراضي الفلسطينية، قال ذلك وهو يبدي اعتزازه بأن العرب يحملون سلاحه: «أريد أن أوجه أجمل التحيات إلى شعب فلسطين، صنعت أسلحتي لحماية وطني الأم، وسعادتي أن أرى غيري يستخدمها ليس للهجوم ولكن للدفاع عن وطنه كما في فلسطين».

كلاشينكوف الدكتور في العلوم التقنية والذي يحمل ألقاباً كثيرة منذ بدأ حياته رقيباً في الجيش، منها رئيس اتحاد مصنّعي السلاح الروسي، وكبير مصمّمي الأسلحة الصغيرة، والمستشار لدى هيئة «روسوبورن إكسبورت» الحكومية لتصدير الأسلحة، يتجول في معرض الدفاع الدولي «آيدكس 2001» في أبوظبي والذي يزوره بانتظام منذ افتتاحه عام 1993، على ياقة سترته وسام صغير يتقلّده منذ العام 1997 حينما احتفلت روسيا بالعيد الـ50 لاختراعه الشهير، يطلع على الأسلحة المصنّعة والتي تبقى قريبة من قلبه وعقله، وكأنه لا يستطيع انتزاع نفسه من عالم صنع الأسلحة. قال مبتسماً ويداه ترتجفان لكن أفكاره متسقة «هي حبي وحياتي منذ أن ترمّلت».

سألوه، هل أنت عاشق؟، أجابهم «كل شخص يحتاج إلى رفيقة درب»، يُضيف: «هي شابة، اسمها فايينا، روسية من أصل تتري وتتقن الكثير من المفردات العربية، وعمرها 48»، يسأله أحدهم، كم عمرك؟ يذكر المترجم السؤال قريباً من إذنه، يجيبه بابتسامة «81 عاماً».

الرجل الذي اخترع 150سلاحاً في حياته قال سابقاً: «حلمي أن أُنهي كتابي الرابع وأن أستعرض فيه كيفية تطوير العلوم في حياة المجتمع. حان الوقت لأدوّن كتاباً أخيراً أحضّ فيه الصغار على تعلّم احترام كبار السن ووطنهم الأم».

تحسر ميخائيل كلاشينكوف عندما رأى سلاحه في أيدي مقاتلي تنظيم «القاعدة»، إذ يظهر «الكلاشينكوف» موضوعاً دائماً إلى جانب بن لادن خلال بياناته المرئية، فعبّر عن أسفه قائلاً: «كلما نظرت إلى التلفزيون ورأيت أن السلاح يشكل الخيار الأفضل للإرهابيين من أمثال زعيم القاعدة أسامة بن لادن، ورجال العصابات، أتعجب كيف وقع في أيديهم!»، وزاد: «لم أرتكب خطأ إخراج استخدام السلاح عن دائرة السيطرة في العالم، بعدما كان الأكثر اعتماداً في المواجهات». أما الآن فيقع «كلاشينكوف» بن لادن حسب تقرير قناة «إن بي سي» في متحف «وكالة الإستخبارات الأميركية» وذلك بعدما حصلت عليه خلال الهجوم الذي تم تصفيته به في عام 2011.

تشير بعض الإحصاءات إلى أن هذه البندقية ربما قتلت أكثر مما فعلت القنابل الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناغازاكي مجتمعة، بل ربما حصدت من الأرواح أكثر مما فعلت عملياً أسلحة الدمار الشامل. وكشف رئيس المصنع فلاديمير جروديتسكي بأن نحو بليون بندقية أُنتجت في أنحاء العالم تستخدم أجزاء من أسلحة «كلاشينكوف» أو تستند إلى التصميم ذاته، لافتاً إلى أن 21 في المئة فقط منها صنعت في روسيا. وطبقاً لمراكز الإنتاج في إيزفيسك فإن 75 مليون قطعة من مختلف أنواع «الكلاشينكوف» تم إنتاجها منذ اختراع هذا السلاح.

+ -
.