كوستاريكا… حديقة أميركا الوسطى

من بدايات متواضعة في نهاية الثمانينات بأقل من ثلث مليون سائح، حققت كوستاريكا التي تقع في أميركا الوسطى ويعني اسمها «الساحل الثري» عدد سياح بلغ 2.66 مليون سائح في عام 2015. ويأتي مليون سائح من هؤلاء من الولايات المتحدة التي تقع في المركز الأول لتصدير السياح إلى كوستاريكا تليها نيكاراغوا بنحو نصف مليون سائح ثم كندا بعدد 175 ألف سائح. وتمثل الدول اللاتينية المجاورة معظم بقية السياح الوافدين إلى كوستاريكا مثل بنما والمكسيك والسلفادور وغواتيمالا وكولومبيا وهندوراس. ومن أوروبا يأتي السياح من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا. ولا تأتي دول المنطقة العربية ضمن الدول المصدرة للسياحة إلى كوستاريكا مما يعني أن السائح العربي سوف يكون فريدا في منطقة سياحية جديدة تماما.

 




 

وتحصل كوستاريكا على نحو ربع عدد السياح القادمين إلى دول أميركا الوسطى، ويقبل عليها السياح لعنايتها بالسياحة البيئية وتوفير أكبر مساحة نسبية من البلاد للمحميات الطبيعية. وهي دولة صغيرة الحجم (0.03 في المائة من المساحة الأرضية في العالم) ولكن ربع البلاد مخصص للمحميات الطبيعية والحدائق النباتية. وبها نسبة خمسة في المائة من الأحياء والنباتات في العالم.

وتزور نسبة 54 في المائة من السياح المحميات الطبيعية. وتركز شركات السياحة العاملة في البلاد على النواحي البيئية، وأشاد مجلس السياحة العالمي بشركات طيران وفنادق ومنتجعات في كوستاريكا تعنى بالجوانب البيئية.

ومنذ منتصف التسعينات استعارت كوستاريكا برنامج «الراية الزرقاء» الأوروبي الذي يعنى بتشجيع نظافة الشواطئ ومياه البحر ويرصد نوعيتها بغرض تصنيفها. وفي أول تقييم لشواطئ كوستاريكا حصلت عشرة شواطئ على الراية الزرقاء لنظافتها وصلاحيتها للسياحة البيئية. وارتفع هذا الرقم في عام 2008 إلى 59 شاطئا ثم إلى 61 شاطئا في عام 2009. من هذه الشواطئ السياحية حصل اثنان منها على الدرجة النهائية وهي 5 نجوم، وهما شاطئ «بلايا بلانكا» في بونتا ليونا، و«بلايا لانغوستا» في سانتا كروز.

من ناحية أخرى، تعتمد كوستاريكا على التقييم المحلي للخدمات السياحية كافة وفقا لمعايير متفق عليها يبلغ عددها 108 معايير. وتأخذ هذه المعايير في الاعتبار اهتمام الخدمات السياحية بالبيئة من حيث إعادة تدوير الموارد وخفض استهلاك الطاقة والمياه ومعالجة النفايات. وتشمل الجهود أيضا المحافظة على الغابات الاستوائية وتوسيع رقعتها.

وفي عامي 2011 و2012 انضمت كوستاريكا إلى قائمة أفضل عشر دول نامية للسياحة البيئية، وفقا لدراسة أجرتها مطبوعة متخصصة في «السياحة الأخلاقية» تقوم بتقييم جهود المحافظة على البيئة في الدول النامية حول العالم. ويعتمد التقييم على جهود الحفاظ على البيئة وحمايتها والتكافل الاجتماعي للمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى جانب حقوق الإنسان.

وتعد معظم عوامل الجذب السياحي في كوستاريكا متعلقة بالبيئة والطبيعة. وتشمل البرامج السياحية عناصر المغامرة والاستمتاع بالشمس والرمال ومياه البحر، وهي تشمل نسبة 55 في المائة من السياح. وهناك نسبة كبيرة أخرى تذهب لمشاهدة الطيور والحيوانات في بيئتها الطبيعية. وتتنوع النشاطات الأخرى بين زيارة مواقع البراكين في الجزيرة إلى رحلات المشي في المحميات الطبيعية والإبحار في زوارق في الأنهار أو على السواحل والسباحة والغوص، ثم زيارة المتاحف وقاعات الفنون والمسارح. وتمثل سياحة الحوافز للشركات نسبة سبعة في المائة من إجمالي السياحة في كوستاريكا.

وفي عام 2012 حصلت سبعة منتجعات في البلاد على جوائز من مطبوعة السياحة الراقية «كوندي ناست» بعد أن اختارها قراء المطبوعة ضمن الأفضل في أميركا الوسطى. واختارت المطبوعة أيضا فندقين في كوستاريكا كأفضل فنادق أميركا الوسطى وهما فندق غرانو دو أورو في سان خوزيه، وفندق فيلا كاليتاس في بونتاريناس.

وتحتفل كوستاريكا بسبعة معالم سياحية فيها تطلق عليها عجائب كوستاريكا السبع الطبيعية، وكان أهل البلاد قد قاموا بالتصويت عليها واختيارها في عام 2007، وهي بالترتيب:

* جزيرة كوكوس: وهي محمية طبيعية بالكامل بالقرب من سواحل كوستاريكا على جانب المحيط الهادي بمساحة تبلغ 550 كم مربع. وهي محاطة بمياه عميقة تشتهر بين هواة الغوص بأنواع الأسماك والأحياء البحرية التي تعيش فيها. وهي جزيرة تعد من التراث الإنساني وفقا لمنظمة اليونيسكو. وتعد سواحل الجزيرة ضمن أفضل عشرة مواقع غوص في العالم. ويسمح لأعداد قليلة من السياح بزيارة الجزيرة والرحيل في اليوم نفسه ولا يقيم في الجزيرة سوى حراس الطبيعة فيها.

* بركان أرينال: وهو بركان نشط في شمال غربي البلاد على مقربة 90 كيلومترا من مدينة سان خوزيه، وهو يرتفع بطول 1633 مترا بفوهة يبلغ قطرها 140 مترا. وهو صغير السن بمقياس عمر البراكين، حيث لا يمتد تاريخه إلى أبعد من 7500 سنة. وبعد خمول دام مئات السنين انفجر البركان فجأة في عام 1968 ودمر بلدة قريبة اسمها تاباكون. وما زال البركان خاملا منذ عام 2010.

* جبل شيريبو: وهو أعلى جبل في كوستاريكا بطول 3820 مترا، وهو يدخل ضمن إطار محمية شيريبو الطبيعية ومشهور بثرائه الجغرافي وبيئاته المتنوعة. ومع ذلك لا تعرف قمة هذا الجبل تراكم الجليد عليها منذ قرن كامل على الأقل. وفي الأيام الصافية يمكن رؤية كل مناطق كوستاريكا من على قمة الجبل من المحيط الهادي إلى البحر الكاريبي. ويعاني الجبل من الحرائق الطبيعية كل عدة سنوات كان آخرها في عام 2012. ولا يمكن صعود هذا الجبل إلا بتصريح خاص ويمكن الوصول إلى القمة بعد صعود مسافة 19.5 كيلومتر.

* نهر سيليستا: وهو نهر عجيب يتميز باللون التركوازي. وتظهر بجوار النهر الكثير من الينابيع الساخنة، كما أنه يتضمن شلالا واحدا على الأقل. وهو يقع في وسط منطقة محمية طبيعية ويمكن الوصول إلى الشلال بعد المشي لمدة ساعة. ويعزى لون النهر إلى تفاعل عناصر طبيعية من نهرين مختلفين يغذيان منابع نهر سيليستا.

* محمية تورتوغويرو: وهي محمية طبيعية تقع بالقرب من الساحل الشمالي الشرقي للبلاد ولا يمكن الوصول إليها إلا بالطائرات أو عن طريق البحر. وهي منطقة ثرية بطبيعتها وبها كثير من البيئات الاستوائية من غابات ومستنقعات وبحيرات وشواطئ. وهي ثالث أكثر محمية زيارة من السياح على رغم موقعها النائي. وتوفر الشواطئ مواقع محمية للسلاحف البحرية لكي تضع بيضها في الرمال. وهي منطقة حارة ورطبة وممطرة معظم فترات العام. وتعمل القرى المجاورة في جهود المحافظة على البيئة الاستوائية المتنوعة التي تجذب إليها السياح عاما بعد عام.

* بركان بواس: وهو بركان نشط يبلغ طوله 2708 أمتار ويقع في وسط كوستاريكا. وثار هذا البركان 39 مرة منذ عام 1828 كان آخرها في عام 2009. ومع استمرار هطول الأمطار تكونت بحيرة على فوهة الجبل ذات مياه حامضية ولذلك فلا توجد فيها أحياء بحرية أو نباتات.

* محمية مونت فيردي: وهي محمية من أشهر مواقع الزيارة السياحية وبها تسهيلات سياحية جيدة ويزورها 70 ألف سائح سنويا. وتوجد بها سلسلة من الممرات التي تطل على مشاهد طبيعية. وهي موقع لأكبر تجمع لزهور الأوركيد في العالم ومن 500 فصيلة هناك 34 فصيلة أوركيد تم اكتشافها حديثا. وبالمحمية كثير من أنواع الزواحف وعشرات الأنواع من الطيور المهاجرة.

من الأنشطة السياحية الأخرى التي تجذب السياح إلى كوستاريكا التسوق لكثير من أنواع المشغولات اليدوية وزيارة المركز الوطني للفنون والثقافة في سان خوزيه والمتحف الوطني لكوستاريكا. ويفد إلى البلاد كثير من السياح الذين يريدون الاسترخاء على شواطئها الرملية الناعمة والسباحة في المياه الضحلة في رحلات استجمام على مدار العام.

وفي السنوات الأخيرة شجعت كوستاريكا السياحة الطبية إليها بالتعاون مع دول كاريبية أخرى مثل كوبا والمكسيك وكولومبيا والبرازيل. وتستقبل كوستاريكا سنويا نحو 50 ألف سائح لأغراض طبية ينفقون فيما بينهم 250 مليون دولار، ويأتي معظم هؤلاء من الولايات المتحدة وكندا. ويفضل الأميركيون كوستاريكا لقربها الجغرافي ونوعية الخدمات الطبية التي تقدمها ورخص تكلفتها بالمقارنة مع خدمات أميركية مماثلة.

وهناك نحو 20 مركزا طبيا سياحيا متخصصا وكثير من العيادات والمستشفيات الخاصة. وتشمل الخدمات الطبية عمليات التجميل والعناية بالأسنان بأسعار تقل عن مثيلها في أميركا بنسبة النصف. وتجذب كوستاريكا الأميركيين الذين لا يستفيدون من التأمين الصحي أو هؤلاء الذين لا يغطي التأمين الصحي حالاتهم. وتشمل الخدمات الطبية فحوصات الأشعة التي تكلف مائتي دولار في كوستاريكا مقابل تكلفة تصل إلى ألف دولار في أميركا. وفي معظم الأحوال يجمع السياح الأجانب بين الخدمات الطبية والسياحة في رحلة واحدة.

ولكن على الرغم من الجهود السياحية من الهيئات الحكومية والجماعات المدنية للحفاظ على البيئة، فإن زيادة النشاط السياحي في كوستاريكا أسفر عن بعض المشكلات الاجتماعية والبيئية. من هذه المشكلات لجوء أعداد كبيرة من السياح إلى شراء أراض وعقارات ساحلية تطل على البحر مباشرة لتحويلها إلى مساكن عطلات خاصة بهم. وأدى ذلك إلى تغيير في طبيعة الشواطئ وارتفاع الأسعار إلى درجة حرمت أهل كوستاريكا من أي فرصة لامتلاك عقار ساحلي. كما كان لانعدام التخطيط لهذه العقارات الجديدة آثار سلبية على المجتمعات المحلية.

من ناحية أخرى، رصدت هيئات البيئة كثيرا من المخالفات من الفنادق الجديدة التي أقيم بعضها على مقربة أقل من 50 مترا من الشاطئ في مخالفة للقانون أو أنشئت داخل محميات طبيعية بلا ترخيص أو أثرت سلبا على البيئة المحيطة مثل تحطيم الشعاب المرجانية أو ردم المستنقعات المحمية. ولذلك صدر قانون جديد يلزم المنشآت السياحية كافة بإجراء دراسة بيئية قبل الحصول على ترخيص بالبناء.

وما زالت كوستاريكا تحاول تحقيق التوازن الصعب بين زيادة النشاط السياحي المطلوب للبلاد وبين جهود المحافظة على البيئة الطبيعية التي تجذب السياح إلى البلاد في المقام الأول.

+ -
.