تدل الهالات السوداء التي تظهر تحت العين على السهر وقلة النوم، ولكن هل توجد أسباب أخرى تؤدي إلى ظهور الهالات السوداء؟ “بي بي سي فيوتشر” تحقق في الأمر.
إن مزايا خلو الوجه من الشعر نسبيا جلية للعيان، منها، على سبيل المثال، أن قلة الشعر تعني قلة المساحات التي يمكن أن تختبئ تحتها الطفيليات. وكلما زاد تعرّض الجلد للهواء، زادت فعالية العرق في أداء وظيفته لإبقاء جلدنا باردا.
ولكن في هذه الحالة سيكون جلدنا باديا للعيان. وعلى الرغم من أن هذا يمكّننا من التعبير عن مشاعرنا وانفعالاتنا للآخرين بسهولة، إلا أن له جانبا سلبيا، وهو أنه لن يخفى على أحد مظاهر التعب التي ستبدو واضحة على وجهك.
إن الجيوب التي تظهر تحت العين لا تصاحبها مشاكل صحية، على الأقل في معظم الحالات.
لكن الباحثة البرازيلية، فيرناندا مغاغنين فريتاج، أشارت في مقالة نشرت سنة 2007، في دورية “كوزمتك ديرماتولوجي”، إلى أنه على الرغم من أن الجيوب تحت العين “لا تخرج عن الإطار الفسيولوجي”، إلا أن الكثير من المرضى “قد يزعجهم ظهورها، وتثير لديهم بعض المخاوف، حتى لو كانوا يربطون وجود الهالات السوداء بتدني جودة حياتهم فحسب”.
ومن المهم سبر أغوار الأمراض الجلدية التي قد تسبب الألم العاطفي أو النفسي، حتى إن لم تكن تشكل تهديدا للصحة، كما هو متعارف عليه.
لا شك أن مصطلحي “الهالات السوداء” أو “الجيوب تحت العين” ليسا من بين مصطلحات الطب السريري، وقد يشيرا إلى نطاق عريض من الظواهر التي تؤدي إلى ظهور نفس الأعراض. والمصطلح السريري هو “فرط التصبغ حول العين”، ولأن هذه الحالة لم يعطيها الباحثون في مجال الأمراض الجلدية الأولوية على مر التاريخ، فلا نعرف عنها الكثير.
وكل ما نعرفة هو أن الجلد أسفل العين رقيق بشكل خاص، ولهذا فهو شفاف بشكل خاص أيضا، وهذا يجعل الأوعية الدموية تحت الجلد حول العين أكثر وضوحا، ومن ثم يبدو الجلد داكنا مقارنة بسائر الوجه.
تقول هايلي غولدباك، طبيبة الأمراض الجلدية المقيمة بجامعة كاليفورنيا، بلوس أنجيليس: “عندما يخبرني أحد أنه لديه جيوب تحت عينيه، أُفضل أن أراه وأجري الفحص اللازم له.”
وهذا لأن رقة الجلد قد تكون أحد الأسباب العديدة لظهور الهالات السوداء تلك، وتضيف غولدباك: “قد تعني الجيوب تحت العينين أن الشخص لديه بالفعل صبغة داكنة تحت عينينه، أو أن هذا أثر ظل الجفن على منطقة أسفل العين، أو بروز الأوردة الموجودة تحت الجلد في هذه المنطقة”.
ولكي تشخص الحالة بدقة وتستبعد الاحتمالات الأخرى، تقول غولدباك إنها تفضل مط الجلد تحت العين. وإذا ساء شكل الجيوب، فهذا يعني أن المشكلة تكمن في جملة الأوعية الدموية تحت الجيوب، ولكن إذا تحسن مظهرها فهذا يعني أن المشكلة ربما تكمن في ارتخاء الجلد أو رخاوته.
ويوجد بين الأنف والعينين والوجنتين قناة يسميها أطباء الأمراض الجلدية مجرى الدمع، لأنها توفر مسار خروج للدموع بعد أن تسيل من أعيننا. وتقول غولدباك مفسرة: “كلما تقدم بنا العمر، نفقد الدهون الموجودة تحت سطح الجلد”، مما يجعل مجرى الدمع يبدو أكثر اتساعا.
وهذا يشبه الخداع البصري، إذ أن اللون الداكن الواضح حول العين ينتج ببساطة عن انعكاس الضوء على سطح ملامح الوجه.
كما يستدل أطباء الأمراض الجلدية بلون الهالات تحت العين للتعرف على سبب ظهورها، وإن ظهرت فيها درجات اللون الأزرق أو الوردي أو البنفسجي، فهذا يدل على أن سبب التلون هو الأوعية الدموية.
أما إذا كانت الهالات بنية اللون، فإن هذا يدل على زيادة إفراز مادة الميلانين الصبغية في الجلد، ولعل هذا السبب هو الأكثر ندرة من بين أسباب ظهور الهالات السوداء.
ولكن غولدباك تقول إن السبب الأكثر شيوعا لظهور الهالات السوداء تحت العين يعود إلى تركيبة الجلد نفسه، وهو ببساطة أننا نفقد الدهون تحت الجلد كلما تقدم بنا العمر. وأضافت غولدباك أن هذا ما يجعل الناس الذين تظهر لديهم الجيوب تحت العين يبدون متعبين في أغلب الحالات.
ولكن كل هذه التفسيرات لا تبرر ظهور الانتفاخات المؤقتة نسبيا تحت العين، أو بالأحرى الجيوب التي تظهر في حالة عدم حصولك على قسط كاف من الراحة.
تقول غولدباك: “وثمة سبب آخر قد يؤدي إلى ظهور الجيوب تحت العين وهو الوذمة (أو التورم الناتج عن تجمع السوائل في أنسجة الجسم) أو الانتفاخ”. وفي بعض الأحيان، يكون الجلد تحت العين عند الاستيقاظ من النوم أكثر تورما من المعتاد.
وقد تؤدي وجبة مليئة بالأملاح إلى تورم العينين. فإذا ملأت بطنك بالبطاطس المقلية قبل النوم، قد تجد عند الاستيقاظ من النوم جيوبا تحت عينيك. ولكن في هذه الحالة قد لا يمت السبب الفسيولوجي لظهورها بأي صلة للإرهاق نفسه.
كما اقترح البعض أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية يزيد سوء حالة “فرط التصبغ حول العينين”، شأنه كشأن التوتر وشرب الكحول والتدخين، على الرغم من أن راشيمي ساركر، الباحثة في مجال الأمراض الجلدية، قد كتبت في مقالة نشرت في دورية “كلينيك أند أستيتيك ديرماتولوجي” سنة 2016، أن كل هذه المزاعم غير قائمة على أدلة علمية.
وتوجد أدلة عملية أكثر من الأدلة العلمية لدور الحساسية في ظهور الانتفاخات، على الأقل في حالة فرط التصبغ حول العين الموقت الذي يزول سريعا، إذ أن الحساسية قد تجعل المصابين بها يحكون أعينهم، أو يبكون، مما يؤدي إلى انتفاخ العينين.
ولأن انتفاخ العين والهالات السوداء مسألة عرضية للغاية، ولكثرة الأسباب الكامنة التي تؤدي لظهورها، ولأن أغلب أطباء الأمراض الجلدية يرونها مسألة تجميلية أو جمالية في المقام الأول، فلا يوجد ما يكفي من أبحاث علمية لنحصل منها على معلومات شافية حول أساليب العلاج المفيدة.
وقد أطلقت الشركات حملات لتسويق كريمات لتبييض الهالات السوداء وكذلك وسائل تقشير كيميائية، فضلا عن العلاج بالليزر. كما اشتُقت الأحماض من الفطريات، واستُخلصت المراهم والدهانات من أشجار الإجاص، بالإضافة إلى المواد التي تُحقن تحت الجلد لتعمل كمواد مالئة. كما توجد خيارات جراحية أيضا لعلاج تلك الهالات.
وقد حاول أحد الباحثين أن يحقن ثاني أكسيد الكربون تحت الجلد مرة أسبوعيا لنحو شهرين، وحقق نجاحا محدودا.
وبينما حاول بعض الباحثين استخدام مراهم تحتوي على فيتامين سي، فإن البعض الآخر لجأ إلى أساليب أخرى، ربما قد لا تساعد في العلاج، ولكنها أساليب ذكية على أية حال، منها استخدام الكريمات الواقية من الشمس وارتداء نظارات الشمس المطلية بمادة تقي من الأشعة فوق البنفسجية.
ولكن كما تقول ساركر: “حتى التحسن الطفيف أو المتوسط في المظهر سيؤدي إلى تحسن جودة حياة المريض”. وحتى يتوفر المزيد من الأدلة، أمامنا خيار آخر، وهو أن نتعلم كيف نحب هذه الخطوط الداكنة كونها سمات مميزة للوجه الأكثر حكمة.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.