تعد النقط الكمية (quantum dots) سحر النانوتكنولوجي، وهي عبارة عن جسيمات شديدة الصغر يتراوح قطرها بين اثنين وعشرة نانومترات، مؤلفة من مئات إلى آلاف الذرات.
ويمكن صناعة هذه المواد شبه الموصلة من عنصر السيليكون أو الجرمانيوم أو كبريتات الكادميوم أو الزنك، وبسبب صغر حجمها فهي تقدم عرضاً فريداً من نوعه للخصائص الضوئية والكهربائية، أبرزها ظاهرة انبعاث الفوتونات المرئية للعين. ولون الضوء لا يعتمد على نوع المادة شبه الموصلة التي تصنع منها النقط، بل يعتمد على قطرها.
حفزت الصفات عالية الجودة الشركات التقنية العالمية للحصول على تناغم بين لون الضوء المنبعث وقطر النقط، فكلما كانت النقطة أصغر كانت طاقة الضوء أكبر، وبشكل يسمح بصنع نقط تصدر ألوان قوس قزح، مما يتيح إمكانية استخدامها حساسات بيولوجية (biosensors).
لهذا تعد النقط الكمية الجيل القادم للمصادر الضوئية بسبب كفاءتها العالية، كما تستخدم في صناعة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED)، بالإضافة إلى استخدامها لإصدار الضوء الأبيض في شاشات الحواسيب المحمولة، وهي واعدة جداً للاستعمال في الأجهزة الإلكترونية كشاشات الحاسوب.
وتعد النقط الكمية إحدى أشكال المواد النانوية الأكثر شهرة، وسميت بهذا الاسم لأن الإلكترونات فيها تكون محصورة في ثلاثة أبعاد (الطول والعرض والارتفاع)، وتكتسب هذه النقط الكمية خاصية فريدة في التعامل مع الضوء بفاعلية، مما يجعلها مرشحاً مثالياً لتكوين الخلايا الشمسية، وهي عبارة عن أجهزة تقوم بتحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كهربائية عن طريق الاستفادة من تفاعل الفوتونات مع الإلكترونات، حيث تمتص الفوتونات لتحرير الإلكترونات، مسببة سريان سيل من الإلكترونات، نسميه التيار الكهربائي.
إن هذا تماماً ما يحصل في الساعات وغيرها من الأجهزة التي تحوي ألواحاً شمسية أكثر كفاءة، ومن المعلوم أن الصناعة قد أطلقت الجيل الثالث من الخلايا الضوئية الشمسية المصنعة بتقنية النقط الكمية، ورغم أنها أكثر تكلفة من الخلايا الشمسية القائمة على السيليكون، فإنها أكثر دواماً وفاعلية، وتعد أحدث شيء في صناعة ألواح الطاقة الشمسية حالياً.
استخدامات عدة
وتجذب النقط الكمية أكبر قدر من الاهتمام لما لها من خصائص وسمات فريدة من نوعها، وهي ذات آمال واعدة في جميع أنواع التطبيقات، فقد تم تطوير مرشح رقيق صُنع من النقط الكمية يوضع على رأس مصباح مما يحوّل الضوء من أزرق إلى أحمر، ويجعله أكثر جاذبية.
كذلك تستخدم النقط -فضلا عن الأصباغ والتلوين- في امتصاص الضوء بلون لتعطي لوناً آخراً أكثر سطوعاً ولمعاناً، وفي الكاميرات الرقمية بتحويل الضوء القادم إلى أنماط من الإشارات الكهربائية أكثر فعالية وأصغر شحنة.
كما لا ننسى تطبيقاتها المميزة في شاشات التلفزيون، فهي تنتج ضوءا من أي لون نريد، مما يعني أن ألوان الشاشة ستكون أكثر واقعية عكس شاشات الكريستال السائلة (LCD)، كما تكون الشاشة أكثر كفاءة باستهلاك أقل للطاقة، وهذا مهم جدا في الهواتف النقالة، حيث إن عمر البطارية مهم جدا، إلى جانب أن صغر النقط الكمية في شاشات العرض يجعلها تعطي صوراً أكثر دقة بكثير من غيرها.
وفي مجال آخر، تصبح أجهزة الحاسوب أسرع وأصغر باستخدام النقط الكمية، حيث ستزداد قابلية تخزين ونقل المعلومات باستخدام الضوء عوضاً عن الإلكترونات، وهذه تسمى الحواسيب البصرية باستخدام النقط الكمية، وتخزن البتات (وحدة تخزين المعلومة) في هذه الحواسيب في الفوتونات وترتبط ببعضها بما يسمى “كيوبت” (qbits).
مستقبل واعد
كما لا يخفى أن الجانب الأكثر حيوية وتأثيرا من الناحية التطبيقية هو المجال البيولوجي والكيميائي لمعالجة الأمراض الخطيرة كالسرطان، حيث يمكن تصميم النقط الكمية بجعلها متراكمة في أجزاء محددة من الجسم لتقوم بإيصال الأدوية المضادة للسرطان. وميزتها الكبرى في أنه يمكن توجيهها إلى أعضاء محددة، كالكبد مثلاً، بدقة متناهية أفضل من الطرق التقليدية لإيصال الدواء للأعضاء المصابة مما يقلل الآثار الجانبية الضارة بالجسم.
وهنا تظهر أهمية النقط الكمية طبياً وبيولوجياً وحيوياً، ويفتح أمامها آفاقا تطبيقية كبيرة، سواء في البيولوجيا، أو علم الجينوم أو البروتينات، أو فحص المخدرات.
إن الطفرة التكنولوجية للنقط الكمية لا مثيل لها؛ فهي لا تعد إنجازا على الصعيد التقني فحسب، بل هي تطوير للحياة الإنسانية، وإحداث التغيير الثوري في جميع جوانب الاتصالات، والرعاية الصحية، واستكشاف الفضاء وغيرها من جوانب الحياة في مستقبل البشرية، ويتوقع الخبراء أن يدفع نمط النقط الكمية نحو إلغاء التكنولوجيا الحالية، وأن يجلب طريقة جديدة للحياة للبشرية.
في الواقع، إن الإمكانات الضخمة للنقط الكمية مكنت قطاع التقنية والتصنيع العالمي من التطور والرقي، فقد انتشر هذا العام تعبير “الصناعة 4.0″، الذي يعني الثورة الصناعية الرابعة، والتي تشير إلى أن الصناعات ستعتمد مستقبلا على الذكاء الصناعي لإنتاج السلع دون أن يتدخل فيها العنصر البشري إلا بصورة طفيفة، ومن المتوقع أن تصبح “الصناعة 4.0” محركا مهما لقيادة التنمية العالمية ورفع المستوى الصناعي العالمي.
_______________
*أستاذ جامعي وباحث علمي، عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات