هل عاد ملف التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية الى الواجهة في المحادثات التي تجريها موسكو مع زائريها؟ يبدو المشهد لافتاً عندما تستقبل روسيا في غضون ايام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ثم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، وبعده مباشرة نظيره الأردني ناصر جودة.
لم يمنع انهماك موسكو في الموضوع السوري من توجيه اشارات لافتة، بينها ان روسيا مستعدة للانخراط اكثر في ملف التسوية في الشرق الأوسط، من بوابة «العلاقات الجيدة المبنية على الثقة التي تربطها بالطرفين الإسرائيلي والفلسطيني»، كما قال وزير الخارجية سيرغي لافروف.
وبعيداً من التكهنات التي أثارها «الغزل» الروسي الزائد لتل أبيب، خصوصاً على خلفية التنسيق القائم في سورية، عكست اشارات متكررة رغبة روسية في استثمار تنامي دور موسكو في المنطقة، على رغم ان بعض التصريحات بدا متناقضاً وسرعان ما لجأت روسيا الى التخفيف من اهميته، مثل حديث لافروف عن قبول اسرائيل بالمبادرة العربية من دون شروط، وهو تصريح تداولته وسائل اعلام باعتباره «اختراقاً»، قبل ان يتم توضيح مضمونه من خلال الإشارة الى ان لافروف «لم يسمع شروطاً اسرائيلية خلال محادثات نتانياهو مع الرئيس فلاديمير بوتين».
وكون لافروف «لم يسمع» الشروط او المطالب الإسرائيلية بإدخال تعديلات على المبادرة لقبولها، قد يعني ذلك ان الموضوع «لم يطرح اصلاً للبحث بالتفصيل» خلال اللقاء، و»كان التركيز الأساسي على سورية»، كما اشار مصدر قريب من الكرملين. لكن الأهم من ذلك هو الإشارات المبهمة الى «رؤية» موسكو لسبل دفع عملية السلام في المنطقة، والقائمة على احياء اللجنة «الرباعية الدولية» بصفتها «الوسيط الوحيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، كما قال لافروف لاحقاً.
وأشار المالكي الى رغبة في أن تحتضن موسكو «مؤتمراً دولياً لدفع عملية السلام» باعتبارها «تستحق استضافة المؤتمر لأنها العاصمة الأولى التي تحدثت عن هذه الفكرة».
يبدو الموقف ملتبساً، فموسكو لا تتحدث علناً عن نيتها اطلاق مبادرات جديدة في شأن التسوية، وتحصر كل جهدها في «الحرب على الإرهاب» في سورية، لكنها لا تخفي في احاديث تجري خلف ابواب مغلقة مع بعض زوارها، ان لديها «افكاراً» تقوم بإنضاجها.
وتشير تسريبات الى ان «الأفكار» تتناول دعوة الى عقد «مدريد 2»، لكن «عندما تنضج الظروف لذلك».
بعبارة اخرى، فإن موسكو تقوم بإنضاج مبادرة، لكنها تبقيها حبيسة الأدراج حالياً بسبب الانشغال بسورية، ولأن الوضعيْن الإقليمي والدولي ليسا جاهزين لإطلاقها.
اذا صحت تلك التسريبات، يكون السؤال الرئيس المطروح: لماذا يتم تسريب تلك الأفكار في هذا التوقيت بالذات اذا كانت موسكو ليست مستعدة بعد للإعلان عن مبادرتها؟.
تعتبر اطراف روسية ان «المبادرة الفرنسية» لم تأت على هوى موسكو، لا لجهة الجوهر او التوقيت، فروسيا التي لم تبد حماسة لها، لا ترغب في دعم دور أوروبي بارز في الظروف الحالية، كما انها تسعى الى تخفيف الضغط على الحليف الإسرائيلي، وهذا يفسر حديث الروس المتكرر اخيراً عن المبادرة العربية وعن إحياء «الرباعية»، كما يفسر التسريبات عن الخطة الروسية الحبيسة في الإدراج.
ويقوم جوهر الخطة المؤجلة على الدعوة الى عقد مؤتمر دولي او «نصف دولي» يمثل غطاء لإعادة إطلاق المفاوضات المباشرة برعاية محدودة على غرار مؤتمر مدريد.
بهذه الطريقة تتجاوز موسكو عقدة الشرط الفلسطيني برفض العودة الى مفاوضات من دون توافر رعاية دولية، لكنها في الوقت ذاته تخفف الضغط على الإسرائيليين، فيما تمنح روسيا وزناً دولياً وإقليمياً إضافياً باعتبارها صاحبة المبادرة.
وتشير مصادر الى ان «إنضاج» المبادرة مرتبط بتطورات الموقف في سورية، وبالانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو يصب في اتجاه ان تكون الظروف مهيئة لطرح «رزمة من الأفكار الهادفة لتسوية الملفات الإقليمية» او على الأقل في حال لم تتوافر ظروف مناسبة لذلك، فإن ملف التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية يبقى ورقة مهمة لمواصلة تعزيز الدور الروسي في المنطقة في حال سارت الأمور في سورية على غير هوى الكرملين.