منذ بدايته، دار الكوكب الأزرق باستمرار في جوار الشمس، وهي نجمتنا الأم. في المقابل، تبلور بصورة تدريجية وبطيئة الوعي البشري بأن لذلك الجوار وجهاً آخر. ليست الشمس مجرد مصدر للحياة، لكنها ربما تكون أيضاً مصدراً ضخماً للمشاكل بالنسبة إلى الأرض وبيئتها. وزادت قوة الوعي بالأخطار الناتجة من جوار الشمس، بأثر من حساسيّة الأجهزة الإلكترونيّة الواسعة الانتشار لغزو الجسيمات المشحونة كهربائياً التي تنقذف إلى الأرض مع رياح الشمس.
ويرى كثير من علماء الفلك أن ظاهرة عواصف الشمس تلك تمثّل مشكلة كبيرة، خصوصاً أنها تشمل الكرة الأرضيّة كلها.
وتذكيراً، تفصل الأرض عن الشمس مسافة 150 مليون كليومتر. ونُظُر إلى تلك المسافة تقليدياً باعتبارها المسافة الآمنة بالنسبة لاستمراريّة الحياة على الأرض. ومع بزوغ عصر الفضاء، والتوسّع في غزوه، وانتشار الأقمار الاصطناعيّة في مساراته، لم تعد هذه المسافة بعيدة ولا آمنة!
وأظهر رصد الغلاف الجوي والفضاء بواسطة المركبات والمجسّات ومسابر الفضاء وأعمال الرصد الجوي المتنوّعة، أن الأرض متموضعة في الغلاف الجوي الخارجي للشمس، ما يجعلها تتلقى يومياً صفعات من رياح الشمس، مع ما تحمله من سيول الجسميات المُكهربة العالية الطاقة.
«ارتباط» فلكي
بصورة واضحة، يرتبط هذان الجُرمان الفضائيّان (الشمس والأرض) فعلياً بخيوط مغناطيسية قويّة. وفي عصر الفضاء، لم يعد ممكناً دراسة حدود الجاذبية المغناطيسية للأرض من دون التعمّق في دراسة جاذبية الشمس ومغناطيسيتها ورياحها. وبصورة ممنهجة، درج الباحثون العلميون في السنوات الأخيرة على استعمال مفردة «هليوفيـــزكس» Heliophysics (ترجمتها «فيزياء الشمس») للإشارة إلى العلم الذي يدرس المعطيات العلميّة الناتجة من تلك المنظومة الفلكيّة المزدوجة: الشمس وتابعتها الأرض.
وفي هذا السياق، يُذكر أن وكالة «ناسا» أنشأت قسماً متخصصاً بفيزياء الشمس، في مقرها الرئيسي في واشنطن، قبل سنوات طويلة. وفي نفسٍ مُشابه، أعلنت الأمم المتحدة العام 2007 «سنة عالميّة لفيزياء الشمس» International Heliophysics Year، آملةً بتحقيق تقدّم أساسي في ذلك الحقل العلمي.
معروف أن توقّع ذروة النشاط الشمسي أمر في غاية الصعوبة. ويشبه في بعض وجوهه، توقّعات الطقس على الأرض. وتزيد في صعوبته ضرورة رصد التركيب الذري الناجم عن الانفجارات النوويّة التي تحصل باستمرار في الفرن الشمسي وتعطيه طاقته وحرارته. وكذلك يجب دراسة العلاقة بين تلك الأشياء والفورات المغناطيسية التي تتكرر، مثل انفجارات البراكين، على سطح الشمس. ويشكّل رصد نشاط الشمس وتوقّع ذروته، نصف المشكلة. ويتجسّد النصف الآخر في طريقة استجابة الأرض لذلك النشاط، بمعنى كيفية استجابة الحقل المغناطيسي للأرض، وتالياً تأثير هذا التفاعل على الغلاف الجوي. وباتت تلك الاستجابة الشغل الأبرز للعلماء المتخصصين في فيزياء الشمس في وكالة «ناسا»، إذ يجهد هؤلاء لفهم هذه الأمور مستعينين بأقوى الحواسيب في مختبراتهم. ويعتقد بعضهم أن توقع مناخ الفضاء المحيط بالأرض لا يزال متأخراً علمياً بقرابة 50 عاماً عن علوم توقع المناخ على سطح الأرض وغلافها الجوي القريب («تروبوسفير»).