مقدمات جنيف 3 وتوابعه

كما كان واضحا ان جنيف 2 لن يكون سوى بداية اعلانية لتوابع مستقبلية، فإن جنيف 3 لن يكون أيضا سوى محطة اخرى في سياق مفاوضات متعددة الاطراف والأغراض، بمعزل عن ما هو معلن بشأن خصوصية الأزمة السورية ومآلات مشاريع حلولها. وبصرف النظر عن التوصيفات التي اطلقت لجهة منسوب النجاحات والفشل في الثاني، فان الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن الثاني قد وضع اطراف الازمة المباشرين امام استحقاق لا بد منه وهو اللقاء اولا، بعيدا عن الافكار والمواقف المسبقة لجهة الالغاء أو الاقصاء لأي طرف من الاطراف.

وإذا كان جنيف 2 انطلق على مضض سياسي مقرون بتحدٍ امني عسكري للأطراف السورية، فإن ما جرى منذ انتهاء جولة التفاوض لا تبشر بمتغيرات فارقة في موازين القوى الداخلية وبطبيعة الأمر الاقليمية من خلال بعض ملفات الازمة السورية المتفرعة، ما يعني ان جنيف 3 لن ينطلق من جديد محدد، سوى التمحور حول نقاط جنيف 1، والعودة إلى المربع الاول حول الحكومة الانتقالية واسعة الصلاحيات لا وجود وازن للنظام فيها، في مقابل طروح محاربة الارهاب. وفي ظل هذين المتناقضين ليس واضحا كيف يمكن للراعي الدولي العربي الأخضر الابراهيمي ان يوازن دفة التفاوض ويجتهد في تدوير الزوايا المطلبية الاستراتيجية لكل الاطراف. ما يعني ان ثمة مسائل من الصعب ان تجد لها طريقا للحل في اللقاء القادم.

ومن الواضح ان بيئة اي تسوية مفترضة يمكن الاتفاق عليها لاحقا هي بالضرورة نتاج توافق مصالح اطراف اقليمية ودولية متداخلة، وبالتالي ان البحث في كنه هذه الجولة يستدعي النظر بما يجري في الخطوط الخلفية للمفاوضين. في الشأن الدولي الاميركي الروسي ثمة توافق مضمر ومعلن حول بعض القضايا، اولها ان اي بيئة حل للقضايا الأساسية في المنطقة والتي من المفترض ان تراعي مصالح اطراف اقليميين ينبغي ان تؤخذ بعين الاعتبار، فمن جهة يعتبر اتفاق الاطار بين ايران والغرب نقطة ارتكاز في التعاطي مع مسائل المنطقة الأساسية والفرعية، وهي خاضعة الآن لشد وجذب كبيرين من الصعب حسم ملامحها قبل تموز القادم، وبالتالي ثمة مزيد من الوقت ليس لجنيف 3 وإنما الرابع والخامس وهكذا. كما ان الملف الكيمائي السوري الذي تدرج بمرونة واضحة في البداية، لكنه يشهد الآن عثرات واضحة استدعت رفع اللهجة الدولية ومن بينها الاميركية الإسرائيلية.

وبموازاة ذلك ثمة اذرع فرعية للأزمة القائمة تمتد على مساحة المنطقة من العراق إلى لبنان والعديد من المواقع ذات التأثير الضئيل ربما، لكنها مرتبطة بشكل أو بآخر في سياق الضغوط على جدول التفاوض القادم. وعلى الرغم من محاولة كل الاطراف الاقليميين اعادة خلط اوراقها والتلميح بنسج خيوط جديدة لها دلالاتها كما حصل بين ايران وتركيا مؤخرا، علاوة على الهجمة الاقتصادية والمالية الاستثمارية الاوروبية على ايران، جميعها توحي بشكل أو بآخر إعادة النظر في بعض صيغ وأوجه التفاوض التي يمكن ان تعزز فرضية على حساب فرضيات أخرى.

وعلى الرغم من محاولة الاطراف السورية تكريس وقائع امنية عسكرية في محاولة لتحسين اوضاعها التي ستكون غير وازنة في المحصلة النهائية، يبدو ان لعبة تقطيع الوقت هي السائدة والتي اقتنعت بها الاطراف المباشرة وغير المباشرة في عملية التفاوض، بهدف اتاحة الوقت لنشوء ظروف اخرى في الأشهر القادمة تعيد تنظيم اوضاعها مجددا.

وفي ظل ذلك الوضع المعقد سياسيا، يبدو ان بيئة الارهاب المنتشرة في غير بلد عربي قد وجدت طريقها للتموضع والانتشار بأشكال وأساليب مذهلة، مستفيدة من الاستفادات المتبادلة لنتائجها الكارثية. فالإرهاب ابتلع معظم النظم العربية ومجتمعاتها بحيث باتت العمليات الارهابية وسيلة فضلى للتعبير عن الرفض لبعض المشاريع والرؤى السياسية، وباتت أداة مثلى للضغوط الممارسة ضد اي طرف يعارضها. وبالتالي كيف سيكون مآل بند كيفية محاربة الارهاب في جنيف 3، وهل بالتالي سيحجب البنود الأخرى المواجهة؟ ثمة الكثير من المعطيات والوقائع التي تشي بأن افق جنيف 3 سيتمدد في غير اتجاه بانتظار غربلة وفرز مصالح القوى النافذة في المنطقة وليست بالضرورة روسية وأميركية فقط!

____________________________

* د. خليل حسين:  استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

+ -
.