مناعتنا النفسية حصننا المنيع \ ابراهيم الولي

بقلم ابراهيم الولي *

مثلما هنالك في الجسم مناعة جسدية أيضاً للنفس الإنسانية توجد مناعة، ففي كثير من الأحيان نتساءل كيف تعرض شخص ما لموقف أو حدث بسيط لكنه دخل في مضاعفات وأعراض نفسية عميقة ومركّبة، بينما نرى شخصًا آخر ظروفه المحيطية ونشأته صعبة جداً وتعرض لأنواع كثيرة من الضغوط والأزمات لكنه استطاع الخروج منها بدون أضرار كبيرة واستطاع أن يكمل مسيرته الحياتية بشكل اعتيادي.
ونرى شخصًا نجح في صموده أمام 100 محاولة فاشلة ومحبطة، وشخصًا انهارت قواه من أول أو ثاني محاولة. وبعودتنا إلى المقولة الشعبية لدينا التي تُأكد ذلك: (الضربة إلّي مابتقتلك بتقوّيك)؛ هنا يتمّ الحديث عن المرونة النفسية في ظل الأزمات والصلابة والثبات في مواجهتها.
نعم هنالك اختلافات جينية ووراثية بين بني البشر تحدد لهم مدى مناعتهم النفسية ودرجتها وحساسيتهم وردود أفعالهم اتجاه الأزمات والضغوطات، لكن الحقيقة بالفعل هي أن مقدرة التصدي والتأقلم والانسياب لا تعود لعوامل جينية– وراثية فقط، بل هنالك عوامل بيئية، محيطية، تربوية، إدراكية، ذاتية كثيرة وجمّة تساهم في بناء ذلك الحصن النفسي الرفيع المنيع ومنها:
1 – العلاقات الإنسانية البنّاءة:
نحن -بني البشر- لم نولد لكي نعيش في فقاعة وقوقعة وفي ذات الوقت أن نكون أقوياء، بل ولدنا لنعيش داخل أُطر اجتماعية وإنسانية يسود فيها طابع الحب، التقبل، الطمأنينة، المساندة، والعطاء. وكل ما سبق يعتبر من أهم العوامل التي تساهم في بناء المناعة النفسية.
2- المرونة الذهنية:
الأسير: ليس أسير الجسد… بل هو أسير المعتقد… الفكر التشاؤمي أسير الأفكار المسبقة… وأسير المخاوف التي لا تفارقه قيودها طيلة حياته …
إن مفهوم الصلابة الذهنية ووجود بديل واحد فقط يضع الإنسان ضمن نطاق حيز ضيق؛ فالمرونة في التّفكير تساعدنا على التهيّؤ والتعامل بشكل جيّد وأفضل لغير المعروف وغير المتوقّع، ووجود خيارات متعددة تساعدنا على الانسياب وتوسيع نطاق التفكير والتركيز.

  1. تحديد وتخطيط أهداف حياتية واضحة وذات معنى:
    ” بدون أهداف ستعيش حياتك متنقلاً من مشكلة إلى أخرى بدلاً من التنقل من فرصة إلى أخرى“، فهدف الحياة هو العيش مع هدف واضح يجند الطاقات الذاتية ويساهم في توسيع دائرة الضوء الداخلي، ويسلط الضوء والتركيز على الإنسان ذاته لا على الآخرين، وبذلك يقوم الإنسان بصنع نمط حياتي بنكهته الخاصة الأصلية لا المبنية على التقليد.
  2. فن ضبط المشاعر وإدارتها:
    كي نقود نحن السيارة لا أن تقودنا هي، يتطلب منا فن التروي وإدارة المشاعر وضبطها، والتعبير عنها بالشكل والوقت الصحيحين، بلا تسرّع ولا اندفاع، “فلحظة صبر وتروي تنقذ من ألف لحظة ندم”.
  3. التفكير الإيجابي الواقعي:
    ” ويرى الشوك في الورود ويعمى أن يرى فوقها الندى إكليلا”
    في اللحظات الضاغطة والأزمات تحدث عملية تضييق وتقليص وتركيز النظر من الصورة الشاملة والكاملة والواسعة بتفاصيلها إلى الحدث ذاته، الأمر الذي يتطلب منا في بعض الأحيان أن نبتعد عن الحدث كي نراه عن قرب وبشكل موضوعي، أي المساهمة في نقل النظر والإدراك والتفكير من الزهرة الذابلة إلى الحديقة الغناء الجميلة. بمعنى آخر أن لا تسيطر السوداوية على تفكيرنا، بل أن ننظر إلى الكثير الكثير من النعم والإيجابيات التي وهبنا إياها الله، لا القليل القليل مما حرمنا إياه بواقعية وموضوعية شديدة.
  4. الارتكاز على منظومة قيم ومعتقدات:
    منظومة المعتقدات والقيم هي الحقيبة الدّاخليّة الّتي تساعد على الثّبات، وهي الدّعائم الّتي نتمسّك بها في اللحظات الصعبة وهي جذور الشجرة المتشبثة في الأرض وقت الرياح والأعاصير والازمات .
  5. الخبرات والتجارب السابقة:
    لكل شخص رصيد ومخزون وقوى داخلية وتجارب وخبرات سابقة تظهر وقت الأزمة والحاجة. ففي تعاملنا مع المجهول والمخفيّ من المهم الاعتماد على تجاربنا وخبراتنا السابقة والتّعامل بحسبها في تجاوز الأزمات.
  6. الاعتناء بالذات والتصالح معها:
    “ما في ورد بيطلب مي الورد بيبقى سكوت.. إذا ما سقيتو شوي شوي عالسكت بيموت”
    الرعاية والعناية بالمواهب، والميول، والتوجهات تؤدي إلى وجود ربيع داخلي زاخر بالألوان ينعكس في كيفية نظرتنا وإدراكنا وتعاملنا مع الأمور والأشخاص والأشياء، وتعزز وجود تصور ذاتي ونهج حياتي إيجابي ممتع.
    فما أجمل أن يعيش الفرد في حالة من الوئام والسلم الداخلي، فمن هنا تتجلى السعادة الحقيقية. فمن الصعب ان تكون في حالة من الاغتراب مع ذاتك والمصالحة والمسالمة مع الآخرين. فمنك تبدأ العتمة ومنك يبدأ النور. ولكي يكون بمقدورك أن تضيء طريق الآخرين عليك التمتع بضوء داخلي تستمده من وفاقك مع ذاتك. فمنك العمل ومنك الأمل.
    من هنا نرى أن المناعة النفسية والروافد التي تساهم في تشييد طبقاتها وبنيانها ليست مجرد جينات وراثية ولا تربية ولا حتى ظروف محيطية فقط ، بل هي طريقة اختيار وقرار داخلي يجب علينا أن نتخذه بروح العمل ونبض الأمل ، فمن رحم الألم يولد الأمل، ومن حلكة الظلام يبزغ الفجر الباسم ومن قسوة الشتاء يُزهر الربيع النابض.
    على امل أن تنتهي هذه الازمة على خير بوافر من الصحة والسعادة للجميع.

* إبراهيم جميل الولي: مستشار تربوي في إعدادية مجدل شمس

تعليقات

  1. ولا اجمل
    ابراهيم الغالي غنى بكل كلمه بتقولا….

    انشالله بتضل بخير وبصحه انت وكل احبابك

  2. أخي ابراهيم سلم الله ملافظك في الحقيقة ليس بالغريب على رجل مثلك أن يتحف أبناء مجتمعه بمثل هذه النصائح والأرشادات القيمة فأنت يدون أدنى شك أهل لذلك وخبرتك الواسعة في هذا المجال تشهد لك . كثر الله من أمثالك وكفاك مع محبيك شر المرض .

التعليقات مغلقة.

+ -
.