يجري الجيش الإسرائيلي اعتباراً من اليوم الثلاثاء تدريبا عسكريا واسع النطاق، يستمر لمدة 11 يوماً، يحاكي حرباً مع حزب الله اللبناني، في أضخم مناورات من نوعها منذ قرابة 20 عاما، بمشاركة آلاف العسكريين من الجيش النظامي وجنود في الاحتياط، إضافة إلى طائرات وسفن وغواصات، كما تشارك في المناورة عدة فرق عسكرية ونحو 30 لواءاً وطائرات سلاح الجو. وستختبر المناورات تكنولوجيات جديدة مثل شاحنات بدون سائقين أو طوافات بدون طيارين لتنفيذ عمليات إخلاء من مشافٍ عسكرية وميادين قتالية. وتحمل المناورة اسم “نور هدغان” في إشارة الى اسم رئيس الموساد السابق “مئير دَغان” الذي كان قائد الفيلق الشمالي، بحسب ما أعلنت عنه مصادر عسكرية إسرائيلية.
وتجري المناورات تحت إشراف وزير الأمن والكابينيت الأمني ولجنتي الأمن والخارجية في الكنيست، حيث تضع كل لبنان على خارطة الاهداف الاسرئيلية، عبر ضربات عسكرية قاتلة وليست رادعة، كما كانت النظرية العسكرية الاسرائيلية في المواجهات السابقة، وتشمل سيناريوهات لتدمير البنى التحتية والمنشأت الحيوية اللبنانية، في حال أقدم حزب اللة على شن أي هجوم على إسرائيل، أو اللجوء إلى أي عملية تسلل محتملة “للاراضي الاسرائيلية الشمالية”.
ومن ضمن السيناريوهات دخول مقاتلي حزب الله إلى المنطقة الشمالية، براً او بحراً، واحتلال شاطى وبلدة “شافي تسيون”، وتعني (عائدو صهيون) في مدينة نهاريا المحاذية لمدينة رأس الناقورة، ثم المتابعة إلى منطقة جسر بنات يعقوب على الحدود السورية الفسطينية ويقومون بمهاجمة مستوطنة “غادوت”.
وبدأت إسرائيل استعداداتها لهذه المناورات قبل عام ونصف العام، علماً بأن آخر مناورات عسكرية بهذه الضخامة تعود إلى عام 1998، عندما أجرى الجيش الإسرائيلي محاكاة لحرب مع سوريا.
ومع أن المناورة العسكرية الاسرائيلية تأتي ضمن السياق المهني العسكري، وترجمة لإحدى مراحل خطط رفع مستوى الجاهزية والاستعداد، إلا أنه يغلب عليها التوظيف السياسي، وهو ما أبرزته وسائل الإعلام الإسرئيلية، التي حرصت على اعتبار المناورة مرحلة جديدة في النظرية العسكرية الاسرائيلية، وهي الانتقال إلى الحسم العسكري في أي مواجهة محتملة مع حزب الله. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في أيار الماضي عن بدء بناء “بلدة” للتدريبات العسكرية، في الجولان السوري المحتل، تحاكي شكل القرى والبلدات اللبنانية، وذلك لاستخدامها في التدريب العسكري والقتال في داخل المدن والبلدات اللبنانية المسكونة.
وقال المعلق العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل، أن حزب الله يعلم باستعدادات الجيش للمناورة، ومن المتوقع أنه سيحاول بكل ما يستطيع حل ألغاز خطط الجيش واكتشاف قدراته، مضيفاً أن “إسرائيل تريد استغلال المناورة من أجل توجيه رسالة ردع لحزب الله”.
وقال موقع “يديعوت أحرونوت” أن هناك في الجيش الإسرائيلي مَن يصف حزب الله بأنه “الجيش الاقوى في الشرق الاوسط بعد الجيش الاسرائيلي”، موضحاً أن «حزب الله قادر على إدارة معركة على مستوى لواء، مع استخدام الطائرات المسيّرة الهجومية، وجمع المعلومات الناجعة عبر الدمج مع الأنفاق والكهوف الهجومية، وتفعيل نيران مدفعية، إلى جانب استخدام الدبابات وكذلك تجميع قوات مدربة بسرعة، بحجم 4000 مقاتل خلال فترة زمنية قصيرة في منطقة عمليات، كما فعل في إحدى عملياته الأخيرة ضد داعش، حيث تحول الحزب بحسب التقديرات الاسرائيلية إلى جيش أكثر احترافاً وقوة وخبرة على المستويين العملياتي والتكتيكي.
تجدر الإشارة إلى أن عدد مقاتلي حزب الله اللبناني بحسب المواقع العسكرية الاجنبية يقدر بـ 20 الف مقاتل، ويصل جنود الاحتياط إلى 70 ألف مقاتل، في حين اعتبر معهد أبحاث الامن القومي في تل أبيب، المؤسسة البحثية الأولى المتخصصة بالشأن الاستراتيجي في إسرائيل، أن التعاظم العسكري لحزب الله ليس من خلال تعداد القدرة وأنواعها ومراتبها وحسب، بل أيضا بما يرتبط بالبنية التنظيمية والتشغيلية لهذه القدرة، مع بحث في النظرية القتالية التي تحولت من نظرية تفعيل قوة لمنظمة حرب عصابات، إلى نظرية قتالية لكيان مؤسساتي يشبه الجيوش النظامية، بما يشمل استراتيجيا نقل المعركة إلى أرض العدو.
البحث الذي أعده رئيس برنامج الميزان العسكري في الشرق الاوسط “يفتاح شابير”، حدد غاياته من استعراض القدرات العسكرية لحزب الله، وهو محاولة توصيف هذا التهديد ومرتبته في سلم التهديدات الماثلة أمام إسرائيل، لكنه أكد، في المقابل، صعوبة تحديد هذه القدرة ربطا بنجاحات الحزب بصورة عامة، كمؤسسة عسكرية نظامية (جيش)، في الحفاظ على أسراره العسكرية وعلى حذره وأمن المعلومات لديه، بمعنى أن ما هو منشور عنه قليل جدا مقارنة بما لديه من قدرات.
ويشير البحث أن الحزب بعد التدخل في سوريا بات مغايراً لما كان عليه قبل ذلك، وخصوصاً لما كان عليه في حرب 2006. ويشير إلى أن الحزب غير معني بالقتال وفق أسلوب «آلة مبرمجة» تمتثل للأوامر وتتحرك وفقها بشكل مسبق. وهو يختلف عن كل جيوش الدول العربية التي تميل إلى الحفاظ على هيكلية هرمية صلبة، إذ أنه يثقف مقاتليه على اتخاذ المبادرة الميدانية، والتمتع بهامش حرية عمل بارز خلال القتال.
القتال في سوريا أفاد حزب الله في أكثر من اتجاه، وراكم على خبرته الطويلة المكتسبة في مواجهات سابقة مع إسرائيل. فمنذ بداية تدخله في سوريا، حرص على قيادة مهمات قتالية مع إسناد لوجستي من الجيش السوري، حتى في أعقاب التدخل العسكري الروسي. من جهة ثانية، طرأ تطور على قدرات الحزب التشغيلية الميدانية، من قيادة وحدات قتالية صغيرة إلى قيادة وحدات قتالية كبيرة، مع تنسيق قتالي مع سلاحي الجو والمدفعية. هذا يعني أنه بات يشبه الجيوش النظامية الحديثة. لكن ذلك لا يعني انه سيستخدم في الحرب المقبلة مع اسرائيل هذه النظرية ضمن هيكلية هرمية صلبة، وإنما وفق هيكلية مرنة.
وبالتالي، فإن إسرائيل ستضطر لمواجهة جيش منظّم ومدرّب ومصمّم، وستواجه الخبرة العملياتية التي اكتسبها في أطر تنفيذية قتالية كبرى، ومشاركة الحزب في القتال إلى جانب الجيش السوري وفيلق القدس الإيراني، وجنبا إلى جنب مع الجيش الروسي، وفّر له عتاداً وتجربة قتالية لم يكتسبها من قبل.
مع ذلك، قد لا يلزم حزب الله نفسه بأن يواجه الجيش الإسرائيلي وفق أسلوب سوريا، وسيعمد إلى الابتعاد عن المواجهات الجبهوية المدرعة، وسيفضل تفعيل منظومات الصواريخ واستخدام واسع لمنظومات ضد الدروع، أكبر باضعاف مما استخدمه في المواجهات السابقة، إلى جانب ذلك، فإنه قادر أيضا على تفعيل جزء من القدرات المتطورة الموجودة في حوزته، وبشكل خاص المنظومات الدفاعية المحمولة على الآليات، والطائرات من دون طيار لجمع المعلومات، وتنفيذ هجمات في عمق إسرائيل.
في خلاصة البحث، يؤكد معهد أبحاث الأمن القومي أن حزب الله قد لا يكون أكبر قوة عسكرية تهدد إسرائيل، ولكن من المؤكد أنه القوة العسكرية الأكثر تصميماً والأكثر مهنية، وأنه جيش من أفضل الجيوش في الشرق الأوسط، وهو جيش استخلص العبر من مواجهاته مع إسرائيل، وعمد إلى بناء القوة العسكرية بصورة مهنية، مع وسائل قتالية متطورة وقوة بشرية مدربة مشبعة بالحافزية، إلى جانب عقيدة قتالية مميزة.
سنوات من القتال في سوريا أثرت على حزب الله في اتجاهين متعاكسين. من ناحية، تعاظمت قدرته وتزود بسلاح لم يكن لديه سابقاً، كما هي حال المدرعات والدفاع الجوي، مع اكتساب خبرات تشغيلية، وباتت لديه أيضا خبرة في إدارة تنظيمية للمعارك كما هي حال الجيوش المحترفة، ومن جهة ثانية، توجد تداعيات سلبية على مقاتليه جرّاء حرب طويلة ليس ضد العدو الذي جرى اعدادهم لمواجهته، وتحديداً ضد مسلمين آخرين، الأمر الذي تسبب بأضرار بالغة (معنوية) للحزب في لبنان والعالم العربي. لكن، في حال المواجهة المستقبلية مع إسرائيل، سيعود حزب الله إلى ايديولوجيته وإلى أصوله وبيئته، تماماً كما عمل في الماضي، وسيعقب ذلك تأييد واسع في العالم العربي، كان يتمتع به قبل الحرب في سوريا، بإنه التهديد العسكري الأكثر خطورة لإسرائيل.