من الصحافة الإسرائيلية: “اتفاق مع الجولاني حول مناطق لا تقترب منها قواته | زيارة إلى الجولان السوري”

الجولان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

أول ما يلفت انتباهك عند التجول في الجولان السوري هو الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية. على عكس غزة، حيث سُوّيت العديد من المباني بالأرض – السقف ملاصق للقبو – هنا لا تزال الأبنية قائمة، لكنها مثقبة كالمصفاة بسبب القذائف والصواريخ. في بعضها يمكن رؤية المواقع التي أقامها المدنيون أثناء قتالهم ضد جيش بشار الأسد.

الزراعة دُمّرت بالكامل، باستثناء بعض الأغنام والماعز والرعاة الذين يتنقلون بين الصخور البازلتية الضخمة. كما أن البيوت القليلة المتبقية بالكاد تصلح لسكن الإنسان، لكنك عندما تتوقف بجانبها، يخرج الأطفال أولاً، ثم النساء، وأخيراً رب الأسرة، وهم يلوحون بأيديهم للسلام. يقول المقدم “و” الجالس بجانبي في الجيب: “لم أحضر شيئاً لأعطيهم إياه”.

نحن نسافر في مركبة وحيدة داخل الأراضي السورية. أحياناً يتسلل القلق من أن يكون هذا الهدوء خداعاً، لكنه ليس كذلك. شيئاً فشيئاً، وبفضل عمليات متكاملة – عسكرية وهندسية ودبلوماسية – ينجح الجيش الإسرائيلي في فرض نوع من “التطبيع” في الجولان السوري.

هذا التطبيع مبني على العقيدة الجديدة لحماية الحدود التي صاغها الجيش الإسرائيلي بعد كارثة 7 أكتوبر 2023 في غلاف غزة. جوهرها: حماية التجمعات السكنية لا تبدأ من خط الحدود، سواء في غزة أو لبنان أو الجولان. أي عدو – حالي أو مستقبلي – سيصطدم أولاً بجنود الجيش الإسرائيلي وبأجهزة استخباراته المتقدمة، ثم يواجه حواجز أرضية وأشجاراً، وبعدها فقط يصل إلى خطوط الدفاع داخل الحدود، القريبة من التجمعات السكنية.

الجولان السوري، خصوصاً في منطقة القنيطرة التي زرتها في الأيام الأخيرة، لا يبدو مهدداً، لكن القادة في المنطقة يذكرون مراراً “البيك-أب” (الشاحنات الصغيرة) التي استخدمها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) للسيطرة على دمشق خلال عشرة أيام فقط، وكيف سيطر بها داعش على مناطق واسعة من الشرق الأوسط.

أي مركبة في يد الجهاديين ويمكنها التحرك بسرعة تفوق 30 كم/ساعة تعتبر تهديداً. لذا، فإن المواقع المتقدمة التي أقامها الجيش الإسرائيلي في ما يُعرف الآن بـ”منطقة الأمان” هدفها كشف هذه المركبات، خاصة إذا كان ركابها مسلحين، ويتم تحذيرهم أولاً بإطلاق نار تحذيري، وإذا لزم الأمر تُستهدف بالنار المباشرة.

لكن في الواقع، هذه المواقع المتقدمة ليست خط الدفاع الأول. فوفقاً للعقيدة الجديدة، يجب أن يُكتشف أي عدو على بعد أكثر من عشرة كيلومترات من هذه المواقع عبر أجهزة الاستخبارات، ليُستهدف بواسطة طائرات بدون طيار، وطائرات ومروحيات هجومية، والمدفعية إذا تطلّب الأمر.

الجيش الإسرائيلي اليوم يحتفظ بعشرة مواقع تمتد من جبل الشيخ شمالاً وحتى مثلث الحدود الأردنية–السورية–الإسرائيلية جنوباً، وتحديداً في منطقة الحمة. اثنان منها في جبل الشيخ وثمانية في هضبة الجولان السورية، على بُعد 4 إلى 7 كيلومترات من الأراضي الإسرائيلية. هذه ليست مواقع تقليدية كما قبل 7 أكتوبر، بل قواعد عسكرية محصنة بحجم قرى سياحية، وتستوعب قوة بحجم سرية أو أكثر، بما في ذلك دبابات ومدفعية. لكنها ليست للراحة، بل منشآت معدّة للبقاء الطويل في ظروف صعبة، صيفاً وشتاءً، وقادرة على خوض المعركة بكفاءة.

بعكس المواقع التي وُصفت زوراً بأنها “مواقع” في غزة قبل المجزرة، والتي لم تكن سوى نقاط إقامة، استثمر الجيش الإسرائيلي هنا كثيراً في التحصينات، منها سواتر ترابية عالية وحواجز “هيسكو” (صناديق حديدية على شكل مكعبات مليئة بالرمل والحصى). داخل المواقع توجد أحدث التقنيات العسكرية والمدنية المطلوبة للبقاء الطويل. القادة يسمّونها “بيتا” (الخبز المفرود)، كما كنا نسمي المواقع السورية عندما كنا نراها من الجانب الإسرائيلي، لكن “البيتا” الإسرائيلية أكبر وأحدث بكثير من السورية.

أثناء السير، يمكن ملاحظة مواقع الجيش السوري السابقة وفهم سبب انهياره عندما خرج الجولاني وجهاديوه من إدلب جنوباً. تلك المواقع لا تصلح لسكن البشر، كما أنها لم توفر حماية حقيقية من صواريخ الـRPG أو قذائف الهاون.

أمام مواقع الجيش الإسرائيلي، يوجد أول خط من التلال – مرتفعة مثل تلك في الجولان الإسرائيلي – تتيح الرصد وإطلاق النار نحو الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. بفضل جهود الجيش والدبلوماسية العسكرية، تم التوصل إلى تفاهم مع الجانب الآخر حول مناطق منع الاحتكاك وعدم اقتراب القوات المعادية من مواقع الجيش الإسرائيلي.

عند التقدم من شرق الجولان السوري غرباً، خلف المواقع العسكرية مباشرة، يوجد الحاجز الجديد الذي أقيم على “الخط البنفسجي” – خط الحدود الدولي. الحاجز السابق، وما زال قائماً، كان يتكون من سياج حديدي وخندق مضاد للدبابات. أما الحاجز الجديد فهو مصمم لإبطاء حركة أي مركبة ومنع هجوم مفاجئ على القرى الإسرائيلية والدرزية في الجولان.

هذا الحاجز مصمم لإبطاء حتى الجيوش الحديثة ودباباتها. يتكون من صخور بازلتية ضخمة، يليه خندق عمقه ستة أمتار، ثم سواتر ترابية عالية على الجهة الأخرى.

بدأ المشروع بمبادرة من فرقة “بشان”، وحصل على جميع التصاريح، بما في ذلك السياسية. في المناطق السهلة يتم تنفيذ 150 متراً يومياً، أما في المناطق الصخرية – وهي الغالبة في الجولان – فالوتيرة 25 متراً يومياً. يقول المقدم “و”، مهندس الفرقة: “أنجزنا حوالي 23 كيلومتراً من الحاجز، وتبقى لنا 35 كيلومتراً سننهيها في وقت معقول”. ويضيف: “جزء من العمل ينفذه مقاولو مدنيون، والجزء الآخر معدات هندسية تابعة للجيش. التكلفة ليست عالية، لأننا لا نستخدم الخرسانة. هذا الحاجز يجبر الجميع على استخدام المحاور الرئيسة، ما يسهل الرصد والحماية”.

أبرز المستفيدين من بناء الحاجز هم الدروز في الجولان، حيث يملك كثير منهم معدات ثقيلة ويشاركون في تنفيذ الأعمال. لوحظ نشاط اقتصادي واضح في قراهم داخل الجولان الإسرائيلي، ويبدو أن المشروع يساهم في تحسين أوضاعهم. ووفقاً لتجربتي أثناء حرب الاستنزاف على قناة السويس، من المحتمل أن يصبح كثير من أبناء الطائفة أثرياء جداً بفضل هذه المشاريع.

عموماً، هناك تحوّل في موقف الدروز تجاه إسرائيل. في الثمانينيات، فشلت إسرائيل في إجبارهم على الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ما أدى إلى احتجاجات عنيفة. لكن مجزرة 7 أكتوبر، وصاروخ حزب الله الذي قتل 12 طفلاً في ملعب كرة قدم في مجدل شمس الصيف الماضي، غيّرا المعادلة. يقول ضابط كبير إن كثيراً من الدروز لا يكتفون اليوم بطلب بطاقات الهوية، بل يطالبون بالخدمة في الجيش، لأن الجنسية والخدمة العسكرية تمنح فرصاً أفضل للحصول على عقود أعمال مع المؤسسة الأمنية، وبالتالي تحسين وضعهم الاقتصادي.

حتى على الجانب السوري تغيّر موقف بعض الدروز. في قرية حضر، القريبة من الحدود، والتي كانت تنشط فيها عناصر موالية لحزب الله، تغيّر الوضع. وبحسب التقاليد الدرزية القديمة في الولاء للحاكم، يقولون هناك إنهم توقفوا عن مهاجمة إسرائيل بمجرد خروج حزب الله من الجولان.

المنطقة الوحيدة التي ما تزال تمثل تحدياً هي جنوب الجولان السوري، بين مثلث الحدود وحتى طريق دمشق-درعا. هناك تعيش قبائل بدوية سنية، بعضها جهادي ويعمل تحت مظلة داعش. حدثت بعض الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي، لكن بعد مقتل جهاديين في كمائن، هدأ الوضع هناك أيضاً.

في عموم الجولان السوري، يتجنب الجيش الإسرائيلي الاحتكاك المباشر مع السكان المحليين، لكنه يمنع المسلحين من الاقتراب من “خط التلال الثاني” على بُعد 10 إلى 15 كم من الحدود.

تدير إسرائيل في منطقة القنيطرة مستشفيين ميدانيين لعلاج الجرحى المحليين. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي ينجح تدريجياً في خلق واقع جديد في الجولان، قائم على المواقع العسكرية والحاجز الجديد، الذي يحمل اسمًا له دلالاته: “الشرق الجديد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.