مع اقتراب الموعد المفترض لانعقاد مفاوضات جنيف بين الحكم والمعارضة في سوريا، بعد أسبوع، أبدى مسؤولون روس تشدداً في موقفهم الخاص بتشكيلة وفد المعارضة، إذ تخلّوا عن جعله «مختلطاً» مع الوفد المنبثق من مؤتمر الرياض الأخير، وباتوا يصرون على وفدين «متساويين» يضم أحدهما شخصيات ترشحها موسكو. ويأتي هذا التشدد السياسي في ضوء حديث خبراء ومسؤولين عن أن القوات الحكومية السورية بدأت تحقق تقدماً ميدانياً، وإن كان بطيئاً، نتيجة الدعم العسكري الروسي، لا سيما في ريفي محافطتي حلب واللاذقية. وأبلغ مسؤول في دولة داعمة للمعارضة شخصية سورية أن «روسيا تحقق نتائج على الأرض… وهدفها المقبل هو حصار حلب وعزلها عن تركيا… والحديث عن الحل السياسي هو لشراء الوقت قبل فرض الحل الروسي».
في غضون ذلك، حقق تنظيم «داعش» اختراقاً أمس في مدينة دير الزور شرق سورية واستطاع التسلل إلى أحياء خاضعة لسيطرة الحكومة وقتل عشرات الجنود، في ضربة جاءت بعد يوم واحد من إلقاء مساعدات بالمظلات فوق الأحياء التي تسيطر عليها الحمومة والتي يحاصرها «داعش» منذ أكثر من سنة. وأكدت الأمم المتحدة، أمس، أن لديها تقارير عن وفاة ما بين 15 و20 شخصاً نتيجة «مجاعة» تعاني منها مناطق الحكومة في دير الزور، لكنها قالت إن هذه التقارير لم يتم التحقق منها. وكانت الاتهامات السابقة بمعظمها تركّز على مسؤولية النظام عن تجويع معارضيه من خلال حصار بلداتهم، مثلماً حصل في مضايا بريف دمشق.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، السبت، أن 35 عنصراً من القوات الحكومية والمسلحين الموالين لها قُتلوا في هجوم شنه «داعش» على جبهات عدة في مدينة دير الزور ومحيطها، مشيراً إلى أن عناصر التنظيم تسللوا إلى شمال شرقي المدينة واستولوا على حي البغيلية، وأصبحوا يسيطرون حالياً على حوالى 60 في المئة من المدينة.
أما في شمال سورية، فقد أورد المرصد أن ما لا يقل عن 16 عنصراً من «داعش» قُتلوا خلال «هجوم مضاد» نفّذه التنظيم على مواقع للقوات الحكومية في منطقة حميمة قرب مطار كويرس العسكري بريف حلب الشرقي. وقال المرصد إن القتلى سقطوا بين جنوب مدينة الباب وشمال مطار كويرس بعدما كان الجيش الحكومي قد نجح في الأيام الأخيرة في السيطرة على سلسلة قرى وبلدات صغيرة قرب الباب التي تبعد نحو ثلاثين كيلومتراً عن الحدود التركية.
وتبدو محافظة حلب في العموم على وشك خوض حرب أكثر شراسة. إذ قال قائد ميداني في الجيش السوري لوكالة «فرانس برس» إن محافظة حلب ستشهد «أكبر عملية عسكرية في سورية منذ أن بدأت الحرب»، موضحاً أن الجيش يقاتل حالياً على «سبع جبهات مفتوحة في وقت واحد». ونقلت الوكالة عن مصدر أمني مطلع على العمليات العسكرية في محيط مدينة حلب: «يهدف الجيش من خلال عملياته إلى توسيع دائرة الأمان حول المدينة في شكل رئيسي، وفصل مسلحي الريف وإمدادهم عن مسلحي المدينة»، مشيراً إلى أن الجيش السوري «نجح بشل فعالية الطريق الدولي حلب – دمشق، وحرم المسلحين من استخدامه كطريق إمداد لهم في ريف حلب».
سياسياً، نُقل عن مسؤول قريب من موسكو إنها تسعى إلى «فرض رؤيتها للحل السياسي على جميع الأطراف بعدما بات ٩٩ في المئة من خيوط اللعبة في أيديها»، وقال: «هي تريد تطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤ وفق تفسيرها، وهو تشكيل حكومة وحدة – انتقالية تمهّد لدستور جديد يؤدي إلى انتخابات جديدة. الدستور الجديد، الذي لن تكون للنظام كلمة كبرى فيه، سيكون مفتاح الحل وسيحدد طبيعة النظام السياسي الجديد، رئاسياً أم برلمانياً أم مختلطاً، وما اذا كان الرئيس سينتخب في البرلمان أو في شكل مباشر».
وألقى الموقف الروسي بثقله على المشاورات الجارية مع الجانب الأميركي والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لتشكيل وفد المعارضة، إذ برز خلاف بين واشنطن وحلفائها الذين يقولون إن الهيئة التفاوضية العليا المنبثقة من مؤتمر الرياض «ممثل وحيد للمعارضة»، وبين موسكو التي قدّمت قائمة من ١٥ اسماً كي تكون ضمن وفد المعارضة. وتبلّغ أحد المعارضين من مسؤول روسي أمس: «لن نقبل بأقل من تمثيل متساو للوفدين بصلاحيات واحدة» وإن موسكو «لم تعد تقبل تشكيلاً مختلطاً لوفد المعارضة من قائمتي الرياض وموسكو».
وكان دي ميستورا اقترح حلاً وسطاً يقوم على أن يجلس كل من وفد الحكومة ووفدي المعارضة في غرف منفصلة ثم يقوم فريقه بالانتقال بين الغرف من دون حصول لقاءات مباشرة، فيما لمح معارضون إلى ضرورة أن تكون «طاولة ثلاثية الأضلاع»، ضلع للحكومة وضلعان لوفدي المعارضة. ويتوقع أن يبت وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف خلال لقائهما في زوريخ الأربعاء المقبل في مصير مؤتمر جنيف وتمثيل المعارضة.