ميونيخ: مدينة تتميز بلطف شعبها وحسن استقباله

"Munich Olympiapark" by Lukáš Hron - Own work (own photo). Licensed under CC BY-SA 3.0 via Wikimedia Commons - http://commons.wikimedia.org/wiki/File:Munich_Olympiapark.jpg#mediaviewer/File:Munich_Olympiapark.jpg
“Munich Olympiapark” by Lukáš Hron – Own work (own photo). Licensed under CC BY-SA 3.0 via Wikimedia Commons – http://commons.wikimedia.org/wiki/File:Munich_Olympiapark.jpg#mediaviewer/File:Munich_Olympiapark.jpg

ها هي الشمس قد ارتفعت في المشرق، وبدأت تمد حبالاً من نور سرعان ما كانت تختفي وراء تلك الغمامات الكثيفة التي كانت تتجمع بكثرة حول مسلك الطائرة المتجهة إلى الجنوب الألماني. إلى ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا التي ترقد في القسم الشمالي من جبال الألب كانت الرحلة. وكم شعرت إنني سأكون في جولة استكشافية جديدة في ميونيخ، عندما علا صوت الطيار معلناً الهبوط في مطار المدينة الدولي. فمهما حلقت الطائرة في الأعالي لا بد من العودة إلى الأرض. وها أنا على أرض مطار ميونيخ والسيارة تنتظرني عند درج الطائرة لتقلني مباشرة إلى جناح الـVIP. وهناك لمست لطف الشعب البافاري وحسن استقبالهم للقادمين إلى بلادهم. فالعطلة الجميلة قد تبدأ من مطار البلاد.

اليوم الأول

لم تمنع برودة الطقس ورذاذ المطر التي كانت تتهادى بين الحين والآخر شمس الصباح من بسط نورها المنير في سماء المدينة. الأجواء كانت تبشر بأن الشتاء ببرده وثلوجه قد بسط سيطرته على العاصمة البافارية. فحالة الجو هذه كان يخبرني عنها «ستاس» السائق من شركة «ميونيخ درايفيرز» Munich Drivers الذي نقلني من المطار إلى وسط المدينة القديم. وأخبرني أيضاً أنه خلال عمله في هذه الشركة تسنت له فرصة لقاء العديد من الشخصيات العالمية الذين نقلهم من وإلى المطار. تسارعت الأحاديث بيني وبين السائق الشاب الذي ودعته أمام فندق «بايريشرهوف» Hotel Bayerischer Hof لأدخل ذلك المكان الذي يناديني دائماً للإقامة في ربوعه.

في كل مرة أدخل ذلك الصرح التاريخي المشيد عام 1841 أكون في مكان اكتملت فيه معايير الفخامة والعراقة. فأكثر ما يجذب نظر النزلاء لحظة دخولهم «بايريشرهوف» هي قبته الزجاجية الضخمة التي يتسلل منها النور ليغدق بهوه الفسيح بالدفء والجمال. فكم من ملك وأمير ورئيس دولة وأسماء بارزة استمتعت بجمالية تلك القبة التي يطيب الجلوس في ظلالها ومراقبة الحياة وهي تدب في أحد أهم فنادق المدينة.

كل مظاهر الراحة والترف ارتسمت أمامي في جناحي الذي يحمل الرقم 759 حيث يتمايل الديكور البافاري بأبهى ملامحه. فالسقف مزين بالعوارض الخشبية، وقطع الأثاث الكلاسيكية المنتشرة فيه تنقل النزلاء إلى أجواء منازل الريف البافاري. وبين هذا وذاك يصل الضيف إلى شرفته التي تطل على مبانٍ أنيقة تعتمرها طرابيش القرميد.

تركت الفندق وعرجت عبر طرقات فسيحة قاصداً ساحة «مارين بلاتس» Marienplatz التي نحتت أنامل أمهر النحاتين الألمان لوحات دقت بالحجر على مبانيها العتيقة. هنا، يبتسم الماضي ويقف شامخاً فخوراً أمام آلاف السياح الذين يتوافدون إليها كل يوم وبالأخص بين الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة ظهراً، أو عند الساعة الخامسة عصراً. فخلال تلك الأوقات تكون العيون شاخصة والكاميرات جاهزة لتصوير تلك التماثيل الصغيرة التي تطل على الجماهير من أعلى برج دار البلدية الجديد «نويس راتهاوس» Neues Rathaus لتقدم رقصات فنية لدقائق قليلة على إيقاع نغمات موسيقية رقيقة تملأ الأجواء فرحاً وحبوراً.

يعلو وسط الساحة عمود طويل يربض في أعلاه تمثال ذهبي للسيدة العذراء شفيعة المدينة، وعند زواياه أربعة تماثيل صغيرة ترمز إلى المحن التي تغلبت عليها المدينة. فالحرب جسدها تمثال الأسد، والوباء جسده تمثال الكوكتريس (كائن خيالي يشبه التنين وله رأس ديك)، أما المجاعة فعبر عنها تمثال التنين، والخرافات تمثال الأفعى.

من زحمة الساحة وعجقة ناسها عدت باتجاه ممر بطول عشرات الأمتار في أسفل دار البلدية الجديد لأعبر من خلاله إلى مطعم «راتسكيلير» Ratskeller الذي يقع في الطابق السفلي من مبنى البلدية. ففي الوقت الذي كنت أنزل أدراجه التي تؤدي إلى مطعم هائل الحجم يتسع لأكثر من ألف شخص، كنت أتساءل عما إذا كان اسمه الذي يرمز في قسمه الأول إلى الفأر قد منع بعض السياح الأجانب من النزول إليه! وبالتأكيد لا. فكلمة «راتسكيلير» هي كلمة ألمانية قديمة ترمز إلى وجود مطعم في الطابق السفلي من مبنى دار البلدية. والمطاعم التي تحمل هذا الاسم موجودة بشكل عام في أكثرية المدن الألمانية وفي نفس المكان، لكي يتسنى لرئيس البلدية تناول الطعام من المطبخ المحلي وفي مكان مجاور لمقر عمله. نقلني «راتسكيلير» إلى ماضي المدينة الجميل من خلال ديكوره التقليدي المزين بالقناطر، والرسومات المرتاحة على جدرانه، وأجوائه البافارية، وأطباقه الشهية التي لا تزال تحظى بشعبية متزايدة منذ عام 1874.

By Stefan Kühn (Own work) [GFDL (http://www.gnu.org/copyleft/fdl.html), CC-BY-SA-3.0 (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0/) or CC BY-SA 2.5-2.0-1.0 (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/2.5-2.0-1.0)], via Wikimedia Commons
By Stefan Kühn (Own work) [GFDL (http://www.gnu.org/copyleft/fdl.html), CC-BY-SA-3.0 (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0/) or CC BY-SA 2.5-2.0-1.0 (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/2.5-2.0-1.0)], via Wikimedia Commons

 اليوم الثاني

هنا يعيش «فرانز» دوق بافاريا، آخر المنحدرين من سلالة «فيتلسباخ» Wittelsbach الملكية التي حكمت مملكة بافاريا على مدى 700 عام – أي لغاية تاريخ انضمام بافاريا رسمياً لجمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1918. هذا ما قصه على مسامعي المرشد السياحي عندما توقفت السيارة في باحة قصر «نيمفنبورغ» Nymphenburg Palace، وسرت معه في حدائق القصر التي ترحب بالزوار أمام مدخله وفي القسم الخلفي منه.

يتألف القصر من فيلا ضخمة وجناحين بغرف وصالات تبرز فيها مظاهر الثراء والترف على الجدران والنوافذ والأبواب والأسقف المشغولة بنقوشات لافتة للنظر. ففي ذلك المكان الذي كان المقر الصيفي لملوك بافاريا، دخلتُ الصالة المعروفة بـ»صالة الجميلات»، وفيها 38 لوحة زيتية لصبايا في منتهى الجمال، تم اختيارهن من قبل الملك «لودفيغ الأول»، بينها لوحة لملكة جمال ألمانيا في القرن التاسع عشر «إيلين سالدماير» التي كانت تنحدر من أسرة فقيرة، ولكنها اقترنت في ما بعد بخادم الملك ورزقت منه بعشرة أولاد. وتضم الصالة أيضاً لوحة زيتية للراقصة والممثلة الإيرلندية «لولا مونتيز» التي كانت تربطها بالملك علاقة صداقة حميمة. كما دخلت غرفة الملكة وفيها السرير الذي ولد فيه الملك «لودفيغ الثاني» عام 1845. في الطابق العلوي من القصر كنت أمام أكبر مجموعة قديمة من بورسلين «نيمفنبورغ» التي أنتجت بين عامي 1747 – 1930. فأسرة «فيتلسباخ» كانت تفضل اقتناء ذلك النوع من البورسلين الفاخر.

"Hofgarten München im Frühling" by Chris 73 / Wikimedia Commons. Licensed under CC BY-SA 3.0 via Wikimedia Commons - http://commons.wikimedia.org/wiki/File:Hofgarten_M%C3%BCnchen_im_Fr%C3%BChling.jpg#mediaviewer/File:Hofgarten_M%C3%BCnchen_im_Fr%C3%BChling.jpg
“Hofgarten München im Frühling” by Chris 73 / Wikimedia Commons. Licensed under CC BY-SA 3.0 via Wikimedia Commons – http://commons.wikimedia.org/wiki/File:Hofgarten_M%C3%BCnchen_im_Fr%C3%BChling.jpg#mediaviewer/File:Hofgarten_M%C3%BCnchen_im_Fr%C3%BChling.jpg

مآثر «فيتلسباخ» المعمارية لا تتوقف هنا، بل تمتد إلى قصر «ميونيخ ريزيدانس» Munich Residenz الذي يسرد الكثير من التفاصيل الدقيقة عن حياة تلك الأسرة العريقة التي عشقت مظاهر الثراء والتي سيلمسها الزوار من خلال باحاته العشر، وغرفه التي يصل عددها إلى 130 غرفة. إنه أكبر وأجمل قصور أوروبا ويتسم بواجهة مثيرة للإعجاب. فهذا البناء الشديد التميز يضم مسرحاً ضخماً، ومتحفاً، وخزينة أموال، وصالة للعملات النقدية التي جمعت خلال فترة حكم الملك «لودفيغ الأول».

إلى «الحديقة الإنكليزية» Englischer Garten كانت وجهتي بعد ظهر ذلك اليوم. وتحمل الحديقة اسمها الحالي لأنها مصممة على غرار الحدائق الإنكليزية، وما زالت تجذب الناس إلى حضنها الأخضر منذ عام 1789. فمنذ ذلك التاريخ سمح الأمير «كارل تيودور» لعامة الناس بالتنزه في أرجائها التي تترامى على مساحة 375 هكتاراً من المروج الخضراء. فبين تلك المروج والسهول المترامية على مد النظر وصلت إلى البرج الصيني الشبيه بمعابد الباغودا الآسيوية.

في مطعم «تشاينيزشن تورم» Chinesischen Turm المواجه للبرج الصيني، أخبرني مدير المطعم أن الساحة الممتدة بين المطعم والبرج تحافظ على مهرجان «كوشر بول» Kocherlball السنوي، الذي يشارك فيه في ثالث يوم سبت من شهر تموز (يوليو) أعداد كبيرة من الشباب والصبايا بالأزياء التقليدية، لإحياء ذكرى طهاة وخادمات أسر النبلاء في القرن التاسع عشر. فخلال تلك الفترة، كان يجتمع أيام السبت في فصل الصيف حوالى 5 آلاف خادمة وطباخ للرقص أمام البرج لساعة كاملة عند الفجر، قبل التوجه لأعمالهم بهدف التعارف وإقامة علاقات صداقة فيما بينهم.

Stefan Fussan [CC BY-SA 3.0 (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0)], via Wikimedia Commons
Stefan Fussan [CC BY-SA 3.0 (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0)], via Wikimedia Commons

 اليوم الثالث

مشاهد بانورامية بهية كنت أتأملها عبر نافذة السيارة التي كانت تنقلني من فندق «بايريشرهوف» إلى بلدة «ميتسينغن» Metzingen. لم يتعب نظري من تأمل الريف الألماني وتلك القرى الصغيرة المختبئة عند أقدام الجبال، وعلى الروابي والتلال. فبعد قطع مسافة ساعتين ونصف الساعة كانت السيارة قد أوصلتني إلى عمق البلدة الواقعة في منطقة الألب الشفابية التي تمثل محيطاً حيوياً زاخراً بالمناظر الطبيعية المتواجدة بين كروم العنب وبساتين الفاكهة الخلابة. فكم لفت انتباهي وسط البلدة التاريخي ببيوته نصف الخشبية، وهذا ما شجعني على القيام بجولة سياحية بين تلك البيوت، انتهت في أحد مطاعم البلدة حيث استمتعت بكرم الضيافة الشفابية. فطبق اللحم مع البصل المقلي كان مطلبي.

و»ميتسينغن» هي بلدة الماركات العالمية التي تباع بأسعار مغرية جداً، وفيها عشرات المصانع لإنتاج تلك الماركات المعروفة التي تؤمن بدورها فرص عمل لأكثر من 10 آلاف شخص من مجمل سكان البلدة الذين يصل عددهم إلى 22 ألفاً. وهي ملاذ غني لمحبي التسوق. فما من شخص يقصد البلدة إلا وينتهي في مركز «أوتليت سيتي ميتسينغن» Outlet City Metzingen الذي هو موطن العلامة التجارية الشهيرة لـ»هوغو بوس»، وبجواره تلتقي 60 علامة تجارية أخرى، عالية الجودة، فاخرة النوعية، وتتمتع بحسومات تصل أحياناً إلى حوالى 70 في المئة. فهنا لا تتم محاكاة التسوق على مشارف المدينة، أو في الشوارع التجارية داخل المدن، بل خلافاً لذلك، فإنكم تستطيعون خوض تجربة تسوق حقيقية في المركز الرابض على المروج الخضراء بين البلدة التاريخية الخلابة والهندسة المعمارية العصرية الحائزة على جوائز عدة.

في المنطقة المحيطة بـ»ميتسينغن» هناك الكثير من الإلهام لعشاق الأماكن الهادئة التي هي في تصالح تام مع الطبيعة المحيطة بها. وقد ظلت رفيقة دربي طوال رحلة العودة إلى ميونيخ، تلك المدينة التي تفاخر بامتلاكها مئات المتاحف والمعارض الفنية والقصور الأثرية والمسارح التي تعرض جانباً مهماً من ثقافة سكان بافاريا.

ختمت زيارتي للجنوب الألماني في ليلة فنية في أوبرا ولاية بافاريا التي تقدم أكثر من 350 عرضاً سنوياً يتم خلالها تقديم أهم الأعمال الموسيقية لعباقرة الموسيقى أمثال «موتسارت» و»فاغنر» و»هاندل»، يشارك فيها أشهر النجوم العالميين. في تلك الليلة صدحت موسيقى «موتسارت» وملأت الأجواء سيمفونيته الرقم 40 التي وقفت شاهدة على أن ميونيخ طبعت اسمها عالياً كمدينة للفن والثقافة والعطلات الجميلة.

معلومات تهمكم!

– للمزيد من المعلومات عن ميونيخ يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.muenchen.de

– للمزيد من المعلومات عن مطار ميونيخ يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.munich-airport.com

– للمزيد من المعلومات عن مركز «أوتليت سيتي ميتسينغن» يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.outletcity.com

– للمزيد من المعلومات عن فندق «بايريشرهوف» يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.bayerischerhof.de

– للمزيد من المعلومات عن «ميونيخ درايفيرز» يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.munich-drivers.com




 

+ -
.