
نبال النبواني *
كيف تطلب من امرأةٍ مُغتَصَبة، وهي تحت أقدام الوحوش التي انغرست أنيابُها في لحمها، أن تنتبه لثوب جلادها أو لياقة قميصه لتنتزعها؟ كيف تطلبون منها أن تُراعي لباقة الحديث وملائكية “العيش المشترك”، بينما هو ذاته من اقتلع منها ما تبقّى من إنسانيتها؟
ما حدث في السويداء ليس حادثةً تُوزَن بكلماتٍ رتيبة، ولا قصةً تُروى بنصف فم، بل جرحٌ غائرٌ يُنكأ بآهاتٍ لا يُسمع صوتها إلا في صدورنا. نحن المحترقين.
كيف تسمحون لأنفسكم أن تبرّروا مشاهد الدم والخراب، وأن تصفوا الذين يدافعون عن أرضهم بالعصابات و”ميليشيات الهجري”، وتحاكموا كل مدن السويداء بأحكام الجاهلية؟ أضحك حين أرى إعلامكم يحوّل الهجري إلى “سبايدرمان” أو “هتلر”، محافظةً كاملة تتّهمونها بأنها ميليشيا لشخص، وكأننا نيام أو سُذّج. نحن نختنق تحت كفّي المغتصب، يا سادة، وتطالبوننا بأن نكون ملائكة، بينما لم نعد سوى رماد تحت أقدامهم.
كيف تجرؤون على المقارنة بين من رمى أبناءنا من نوافذ الحياة، ومن قتلهم وهم يصرخون بفقدانهم العدالة، وبين الذين اقتحموا بيوتنا وأجسادنا المكلومة بوحشية لا تُغتفر؟ لقد اغتصبوا كل شيء: دماءنا، كرامتنا، عذاباتنا. وها أنتم – يا من كنتم شركاء في حلم الثورة – تبتعدون عن وجعنا، ولا تسمعون سوى سؤالٍ عالق: “والهجري؟” بينما نحن نختنق، نطلب فقط أن تتركونا نبتعد. لا نريد رفاقاً في هذا القارب المحترق المشتعل بالحقد.
ارحلوا، فقط ارحلوا. دعونا نبتعد عنكم، عن أصواتكم التي تشبه صرير السكاكين في لحمنا المفتوح. دعونا نترك هذا الوطن الذي لا يسمعنا، وطنٌ أصمّ، عميق الجراح، يقوده مغول العصر إلى التهلكة، وإعلام السلطة إلى الكذب والادعاء. ثم يكتب أحدكم: “رغم كل شيء، سننجو.”
كيف تطلبون من مغتَصَبة أن تسامح؟ أن ترمّم رحمها النازف فقط لكي “تمضي”؟ الألم ليس مجرّد جرح يلتئم، بل صرخة تُكتب في ذاكرة الزمن، لا يُغفَر فيها للجلاد، بل تُدان فيها كل يد امتدت لتخنق الحياة.
أيها القهر، نحن مجروحون حتى العظم. طلبتُ بسذاجتي منكم أن تزورونا – أيها السوريون – لتروا أرحامنا الممزقة. كنتُ غبية. ارحلوا وحسب، وأفسحوا الطريق لأحلامٍ جديدة، لأرواحٍ لم تمت بعد، ولأملٍ لم يُقتل.
الكرامة ليست مطيّةً على ظهور الظلم، بل ثورةٌ تولد من تحت الرماد.
فلتسقط أوهامكم جميعاً، ولتعلُ الحقيقة، وحدها الحقيقة.
ودعونا نلملم جراحنا ونعيش.
_______________________________________
- نبال النبواني: كاتبة وناشطة سورية