بعد أن صارت سيطرتهم على الأجهزة الإلكترونيّة أمراً واقعاً ومتكرّراً، هل تكون نبضات القلب هي الجبهة الجديدة لاختراقات الـ «هاكرز» Hackers؟ ربما يكون من الخطورة بمكان طرح سؤال كهذا للنقاش في العالم العربي، لأن نقاشات العرب عن ظاهرة الـ «هاكرز» لا تزال تجرجر أقدامها ببطء في وحول السطحيّة والانفعال و…الانقياد إلى وجهة نظر الشركات العملاقة في المعلوماتية عن تلك الظاهرة.
نعم. يستطيع الـ «هاكرز» أن يسيطروا على كثير من الأجهزة الإلكترونيّة، إذا كانت تلك الأجهزة مرتبطة بالإنترنت. وقبل بضع أسابيع، اهتزّت عوالم المعلوماتية وصناعة السيّارات عندما برهن اثنان من الـ «هاكرز» المحترفين أنهما يستطيعان إيقاف سيارة متطوّرة من طراز «فور ويل درايف» تحتوي شريحة كومبيوتر تجعلها على اتّصال بالإنترنت.
والأرجح أن المثال الأقوى على ذلك الأمر جاء من فيروس «فلايم»، الذي صنع بأساليب الـ «هاكرز» واستطاع أن يوقف أجهزة في المفاعل النووي الإيراني في «بوشهر».
ما بعد جبال الألب!
عقب السقوط الغامض للطائرة الألمانيّة في شتاء العام الحالي، على جبال الألب، انطلقت مخيّلات المغرمين بنظريات المؤامرة لتتخيّل أن تلك الطائرة اختطفت بواسطة الموجات اللاسلكيّة للخليوي!
في وقت قريب من ذلك الحدث، اختارت مجلة «ساينس» العلميّة أن تنبّه إلى خطر مماثل، يأتي من قدرة الهاكرز على اختراق الموجات اللاسلكيّة لجهاز حيوي ثم تعطيله. ويؤدي ذلك التعطيل إلى موت محتّم، لأن الأمر يتعلّق بجهاز تنظيم دقّات القلب «بايس مايكر» Pace Maker، الذي ظهرت أخيراً أنواع منه تعمل بالموجات اللاسلكيّة.
ومن الناحية الطبّية، لا يلجأ إلى استعمال جهاز خارجي لتنظيم دقّات القلب سوى المضطر. ويقصد من ذلك، أن الـ «بايس مايكر» لا يوضع إلا في صدور من يشكون خللاً أساسيّاً في الشبكة العصبيّة التي تنظّم دقّات القلب، وهي أيضاً تعمل كشبكة كهربائيّة لأن الأعصاب تنقل تياراً كهربائيّاً يسري فيها ليصل إلى الهدف المطلوب.
واستطراداً، يحدث الخلل في المنظومة العصبيّة – الكهربائيّة للقلب عند من يعانون من أمراض خطيرة كالذبحة القلبيّة وهبوط القلب وتضخّم عضلة القلب وغيرها.
وفي الأنواع الأكثر تطوّراً، يدار جهاز تنظيم القلب المريض عبر أداة إلكترونيّة خارجيّة، تتحكم فيه بواسطة موجات لا سلكيّة، وكذلك تربط تلك الأداة الإلكترونيّة مع الإنترنت، بواسطة موجات لا سلكيّة، سواء كانت الـ «بلوتوث» أو الـ«واي- فاي»، كي تنقل المعلومات مباشرة عبر الإنترنت إلى الطبيب أو المركز الطبي الذي يعالج ذلك المريض.
ويشير بعض اختصاصيي المعلوماتيّة، إلى أنه يكفي الحصول على معلومة مثل رقم تصنيع الجهاز PIN number، وهو رقم يظهر في فواتير الدفع التي بات كثير منها يسدّد عبر الإنترنت، كي تتاح الفرصة أمام هاكر متمرّس للدخول إلى الموجات التي تربط الجهاز بالإنترنت.
ارتد التقنية الذكيّة… بحذر
ليس الأمر محض خيال. ولا يقتصر على ما صوّره مسلسل «هوملاند – وطن» التلفزيوني (2012)، عن احتمال أن يخترق هاكرز الموجات اللاسلكية التي تربط جهاز تنظيم قلب نائب رئيس أميركا، ثم تسرّع الدقّات كي ينوء القلب بها، فيفشل وتتوقف نبضاته. هناك شيء أكثر واقعيّة بكثير.
ففي العام 2007، نزع الأطباء المشرفون على علاج ديك تشيني، نائب جورج دبليو بوش، جهازاً لاسلكيّاً لتنظيم دقات القلب، كان مثبّتاً في صدر تشيني. وحينها، بيّن اختصاصي القلب جوناثان رياينر، من مستشفى «جامعة جورج واشنطن»، أنه كان من الخطورة بمكان وضع نائب الرئيس الأميركي في وضع يستطيع فيه هاكر ما أن يخترق موجات الـ «واي- فاي» المتّصلة بالإنترنت في فندق ما، أثناء نزول تشيني فيه، فينفّذ جريمة مروّعة. ثمة إمكان أن يصل خطر اختراق الموجات اللاسلكيّة إلى الأجهزة الإلكترونيّة التي تدعم أجهزة حيويّة في الجسم، كمضخّة الأنسولين (صارت قريبة من الانطلاق في الأسواق)، التي تصبح خطراً على صاحبها إذا اخترقت موجاتها، وأُجبِرَت على ضخ كميات كبيرة من الأنسولين تتكفل بهبوط سريع وقوي للسكر في الجسم، ما يؤدي إلى تضرّر الدماغ مباشرة، وصولاً إلى الغيبوبة والموت.
وفي تفكير أبعد، ماذا يكون حال الأجهزة الرقميّة الذكيّة القابلة للارتداء (تُعرَف تقنيّاً باسم «ويرابل تكنولوجيز» Wearable Technologies). ويتّصل معظم تلك الأجهزة، كساعة «غير» وسوار «فيت بت» وساعة «آي ووتش»، مع الإنترنت عبر موجات لا سلكيّة، خصوصاً الـ«واي- فاي»؟
ففي حال اختراقها، يصبح من المستطاع تعطيلها أو سرقة بياناتها، وهو أمر يهدّد الخصوصيّة الفردية، بل يحمل إملاءات كبرى على مسار حياة من يرتدي تلك الأدوات التقنيّة المتقدّمة.
الأرجح، أن ارتداء التقنيّات الذكيّة أمر مغرٍ، لكنه بات محفوفاً بأخطار فعليّة، أبرزها قدرة الهاكرز على اختراق الموجات اللاسلكيّة التي تربط تلك التقنيّات مع الإنترنت.