شهد عام 2014 الكثير من الأحداث الطبية والمنجزات العلمية، وقد نشرت آلاف الدراسات في شتى المجالات. وبطبيعة الحال شهد العالم هذا العام ذعرا من الفيروسات وعلى رأسها «الإيبولا» الذي جعل من أفريقيا شبه قارة معزولة بسبب خطورته وكثرة الوفيات منه، ولكن الخبر الجيد أنه بدأت بالفعل الخطوات الأولى لتصنيع لقاح مضاد له، والتجارب الأولية لهذا اللقاح مبشرة جدا.
وأظهرت التجارب الأولى للقاح مضاد لفيروس «إيبولا» على أفراد أفارقة متطوعين من أوغندا والولايات المتحدة، نتائج أولية جيدة، وفقا لتقرير في دورية «لانسيت» الطبية نشر الثلاثاء الماضي. وقال باحثون من المعاهد الوطنية للصحة الأميركية أجروا اختبارا على اللقاح التجريبي على بالغين أصحاء في أوغندا، بعد إجراء تجارب في الولايات المتحدة، إن النتائج واعدة لأن لقاحات أخرى أظهرت معدلات حماية أقل في أفريقيا. وظهر أن اللقاح آمن حتى الآن وحقق رد فعل مناعيا لدى كل من الأميركيين والأفارقة. ووفقا للدراسة، فإن 56 في المائة من الأوغنديين الذين حصلوا على اللقاح أنتجوا أجساما مضادة لـ«إيبولا» في الدم.
وتمثل ولادة أول طفل في العالم من رحم منقول زرع في جسم امرأة، سابقة علمية مثيرة؛ إذ قامت سيدة في السويد تبلغ من العمر 36 عاما بوضع طفل ذكر. كانت هذه السيدة مصابة بمرض نادر يمنع تكوين الرحم وتطوره. وقد جرى نقل رحم صديقتها البالغة من العمر 61 عاما والتي انقطع عنها الطمث منذ 7 سنوات إليها، لرغبتها في أن تكون أما، وبلغ وزن جنينها 1000 غرام فقط.
* آمال واعدة
* عصر جديد في علاج التهاب الكبد الوبائي «سي»: في العام الماضي 2013 توصل العلماء إلى أول عقار عن طريق الفم لعلاج الالتهاب الكبدي الوبائي «سي» hepatitis C ورغم أن الاستخدام الفعلي للدواء بدأ في هذا العام، فإن أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع ظهور علاج دوائي آخر عن طريق الفم في هذا العام أيضا. ويعاني من التهاب الكبد الوبائي ما يقرب من 4 ملايين أميركي فقط بخلاف الملايين في العالم كله (تمثل نسبة الإصابة في مصر أعلى نسبة إصابة في العالم ويمثل الالتهاب الكبدي مشكلة قومية في مصر)، والعلاج الجديد يمثل نقلة نوعية في علاج الفيروس، حيث إن هذا العقار ينتمي إلى عائلة من الأدوية تقوم بتثبيط إنزيم مهم لنمو الفيروس وتكاثره؟ وحينما يجري علاج المرضى بهذا العقار جنبا إلى جنب مع العلاج المألوف لفيروس سي وهو الحقن عن طريق الانتيرفيرون يمكن أن تصل نسبة الشفاء إلى 70 في المائة من المرضى، وهي نتيجة تعد مرضية جدا بالنسبة لفيروس «سي». وتقلل من تطور المرض وتحد من نشاط الفيروس وتمنع المضاعفات الخطيرة منه مثل الفشل الكبدي واحتمالية الإصابة لاحقا بسرطان الكبد.
* علاج أدق لمرضى اللوكيميا. حملت الأبحاث الطبية هذا العام أملا جديدا للملايين من مرضى السرطان بشكل عام ومرضى سرطان الدم (اللوكيميا) على وجه الخصوص، حيث جرى التوصل إلى عقار جديد يجري تناوله عن طريق الفم ibrutinib وجرى حصوله على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA لتعميم العلاج بالدواء في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي، ويتميز هذا العقار عن غيره من العلاج الكيميائي في أنه يهاجم الخلايا المريضة بالسرطان فقط، وتقل أخطاره على الخلايا السليمة. ومن المتوقع في العام المقبل أن يزداد العلاج بالعقار الجديد خاصة في المرضى المزمنين والذين يحتاجون لعلاج لفترات طويلة.
* البصمة الجينية لمحاربة السرطان. من المعروف أن السرطانات ليست جميعها على الدرجة نفسها من الحدة؛ بمعنى أن الفارق الزمني للبقاء على قيد الحياة يختلف اختلاف كبيرا جدا. وعلى سبيل المثال فإن سرطان البروستاتا للرجال يتطور ببطء وفي الأغلب لا يعاني المريض آلاما مبرحة أو مشكلات في الجهاز البولي إلا بعد عدة سنوات، بينما أورام المخ يمكن أن تتطور بشكل سريع جدا وتؤدي إلى الوفاة في غضون أشهر قليلة. ولكن بطبيعة الحال حتى سرطان البروستاتا يمكن أن يكون من عدة أنواع تتراوح في الخطورة والحدة. والجديد في هذا العام أنه يمكن تحليل ما يمكن وصفه بالبصمة الجينية المحددة للورم Cancer Gene Fingerprint والتي تختلف من ورم إلى آخر، وبتحديد هذه البصمة يمكن التوصل إلى العلاج الأمثل لهذا الورم والنوعية المؤثرة عليه من أنواع الأدوية الكيماوية.
* إلكترونيات طبية
* إمكانية التخدير الشخصي عبر الكومبيوتر. جرى التوصل إلى جهاز يعمل بالكومبيوتر لتوصيل الدواء المخدر عبر التنقيط الوريدي إلى المريض بواسطة الممرضة من دون مساعدة من طبيب التخدير personalized sedation station. ويقوم الجهاز بعمل تخدير بسيط light sedation ويجري استخدامه في الإجراءات التشخيصية التي تطلب أن يكون المريض في حالة من الارتخاء وعدم التوتر، مثل إجراء منظار للقولون الذي يستخدم في التشخيص وأحيانا في العلاج، ويستغرق الإجراء نحو 30 دقيقة خاصة أن الاعتماد على المنظار في تأكيد التشخيص تضاعف في العقد الأخير الذي كان في الأغلب يتطلب وجود طبيب التخدير لإعطاء مخدر خفيف للمريض. ويعد هذا الجهاز الأول من نوعه في العالم ويقوم بتوفير الكثير جدا من النفقات لأطباء التخدير، ويكفي أن نعرف أن حجم التوفير المتوقع في بلد مثل الولايات المتحدة يبلغ مليار دولار.
* العين الإلكترونية. في العين السليمة توجد مستقبلات على الشبكية تقوم باستقبال شعاع الضوء وترسله على شكل موجات إلكترونية إلى المخ عبر العصب البصري، حيث تجري ترجمة هذه الإشارات إلى صور تمكن الشخص من الرؤية. وفي حال حدوث خلل في هذه المستقبلات لا تجري ترجمة هذا الضوء، وبالتالي لا يحدث تحولها إلى صور ويفقد الشخص الرؤية. وهناك مرض يجعل هذه المستقبلات تفقد وظيفتها تدريجيا retinitis pigmentosa ومعظم المرضى يفقدون بصرهم عند بلوغهم الـ40 تقريبا. والعين الإلكترونية أو الخارقة تحاول بشكل جزئي حل هذه المشكلة. ورغم وجود هذه العين الإلكترونية في الأسواق الأوروبية منذ عام 2011 فإن موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية نهاية العام الماضي على اعتماد هذا الجهاز Argus II جهازا آمنا وفعالا زاد من تعميمها حول العالم.
* جهاز لدعم القرار الجراحي في العمليات. من وحي لوحة دعم المعلومات التي توجد في الطائرات والتي تمكن الطيار من اتخاذ أفضل القرارات أثناء رحلة الطيران وتلافي الأخطاء، توصل العلماء إلى جهاز يعمل بمثابة اللوحة الإرشادية لفريق العمل الطبي، سواء من أطباء التخدير أو الجراحين، خاصة أن الإجراء الجراحي أصبح من الشيوع بحيث يستدعي مساعدة الأطباء والتمريض العاملين. والجهاز جرى تصميمه من قبل أطباء التخدير ويتكون من جزأين؛ جزء يعرض العلامات الحيوية للمريض مثل عدد مرات التنفس وسرعة النبض وضغط الدم على شاشة، والجزء الآخر أشبه بنظام إنذار كامل وأقرب ما يكون للصندوق الأسود الموجود في الطائرة، يسمح للأطباء بتسجيل كل ما قاموا به أثناء العملية، بل ويعمل بمثابة إنذار في حال تعرض المريض للخطر عند تغير علاماته الحيوية.
* غرائب الطب
* طريقة غريبة لعلاج أمراض القولون. توصل العلماء هذا العام إلى علاج أمراض القولون بطريقة تبدو غريبة بعض الشيء وتعتمد فكرتها على زرع ميكروبات مشتقة من براز شخص سليم Fecal Transplant في قولون مريض مصاب بالتهابات مزمنة في القولون من أجل الحفاظ على التوازن الطبيعي الموجود في القولون من البكتيريا الجيدة، حيث توصل العلماء إلى عمل سائل يحتوي على هذه البكتيريا الموجودة في براز الشخص السليم وحقنها في قولون المصاب من خلال الحقنة الشرجية أو منظار القولون. ومن المعروف أن البكتيريا الجيدة تقاوم عمل البكتيريا الضارة وتعمل على حماية الجسم. ومن أهم الأسباب التي تؤثر على تعداد البكتيريا الجيدة الاستخدام المبالغ فيه للمضادات الحيوية التي، في بعض الأحيان، تقتل البكتيريا الضارة والجيدة في الوقت نفسه، وبعض أنواع التهابات القولون خاصة التي تنتقل إلى المريض جراء الحجز في المستشفيات. وهذه التقنية سوف تقوم بتوفير الحماية الطبيعية للمرضى من دون تناول أدوية.
* إضافة مؤشر للإصابة بأمراض القلب. تعد هذه الإضافة بمثابة إنجاز علمي كبير جدا، حيث إن هناك ما يعرف بالدلالات الحيوية biomarkers وهي التي يمكن أن تعطي فكرة قوية عن احتمالية الإصابة لاحقا بأمراض القلب أو الجلطة الدماغية وتصلب الشرايين. ويعد الكولسترول من أشهر هذه الدلالات، وكذلك يوجد نوع معين من البروتين يجري صنعه في الجسم كاستجابة للالتهاب من أي نوع CRP وهو يستخدم كثيرا خاصة في الأطفال الذين أصيبوا بالحمى الروماتيزمية للتنبؤ بإمكانية إصابتهم لاحقا بأمراض القلب. وفي هذا العام توصل العلماء إلى عامل آخر TMAO، وهذا العامل يجري إنتاجه عن طريق الميكروبات الموجودة بشكل طبيعي في المعدة حينما تقوم بهضم الكولين، وهو مادة من المواد الغذائية، ويمكن تصنيفه أقرب ما يكون لمجموعة الدهون توجد بوفرة في صفار البيض واللحوم الحمراء ومنتجات الألبان. وكلما زاد وجود هذا العامل بالجسم كان مؤشرا على ازدياد تصلب الشرايين، والأشخاص الذين لديهم نسب عالية من هذا العامل TMAO يكونون عرضة أكثر من غيرهم لأزمات القلب والجلطات بمقدار الضعف.
* توصيات للنساء المريضات بالقلب. قامت الجمعية الأميركية لمرضى القلب بوضع توصيات جديدة لوقاية السيدات من خطر السكتة الدماغية، وأشارت إلى أن السيدات البالغات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 65 و79 عاما يجب أن يتناولن يوميا قرصا من الأسبرين بجرعة 81 مليغراما. وقد يبدو الأمر غريبا لارتفاع عمر التوصيات، ولكن من المعروف أن التوصيات القديمة المتداولة بين العامة بضرورة تناول الأسبرين للأصحاء الذين تعدوا عمر الـ40 وليس لديهم تاريخ مرضي قد تغيرت، وأصبح تناول الأسبرين يقتصر على الفئات الأكثر عرضة لحدوث الجلطات، مثل مرضى ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع نسبة الكولسترول، أو الذين تعرضوا لجلطات في السابق، أو لديهم تاريخ مرضي، وذلك لأن تناول الأسبرين للأصحاء يزيد من فرص احتمالية حدوث نزف.
* أحداث صحية
* ومن الأحداث المهمة هذا العام انخفاض معدلات بيع التبغ بكل أشكاله في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ هذا العام، ما يعني نجاح الجهود العالمية للحد من تدخين التبغ الذي يعد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والرئتين، وسرطان الرئة. وشهدت الولايات المتحدة هذا العام أيضا زيادة في توفير التغطية الطبية التأمينية لملايين الأميركيين بلغ عددهم قرابة 10 مليون شخص، وهم الذين لم يكن لهم حق الانتفاع بالخدمة الطبية المنخفضة التكاليف سابقا، وهذا التوسع يجب أن يعطي دفعة لبقية الدول والحكومات أن تحذو حذو الولايات المتحدة وتضع في موازنتها حق الرعاية الصحية المجانية لمواطنيها كأولوية تستحق الدعم، خاصة أن تكاليف العلاج على المستوى الطبي اللائق أصبحت مرتفعة جدا.