هل تنجح الصين في التحول إلى اقتصاد جديد؟

عملية التحول في الصين إلى نمو أبطأ وأكثر توازنا تحد صعب للإدارة الصينية، لكن الصين تواجه مثل تلك التحديات بجدية خصوصا فيما يتعلق بالطاقة الإنتاجية المفرطة والاستثمار والديون.

 

وضعت الصين مبادئ توجيهية جديدة لتعميق الإصلاح بشكل شامل في البلاد، وتريد الصين أن تتفادى فخ ليمان بتقليص حذر للمديونية بعدما ارتفعت ديون الشركات الصينية على مدى الأعوام الخمسة الماضية، فديون الشركات غير المالية ارتفعت 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008 إلى نحو 120 في المائة في عام 2013 .

 

الصين بلاد ذات دخل فوق المتوسط، حيث تبلغ حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 6700 دولار، ولا تهدف الصين إلى أن تصبح دولة من الدول المتقدمة ذات الدخل المرتفع، ومع ذلك تعاني الدول المتقدمة ضعفا هيكليا وجزئيا.

 

الاقتصاد الصيني أصبح من الاقتصادات الكبيرة، ولكنه يعاني من الطاقة الإنتاجية المفرطة حتى بالمعايير الصينية، بجانب ارتفاع المخاطر المالية المدفوعة بعمليات اقتراض مفرطة أيضا، وتعاني أيضا من فقاعات الإسكان، ونمو قطاع مصارف الظل، وارتفاع نسبة المناطق الحضرية أكثر من 50 في المائة، التي تتسبب في التلوث والضغط على الخدمات والموارد الذي قارب الوصول إلى نهايته القصوى ولا سيما في المياه.

 

جولة الإصلاح الشاملة المقبلة تركز بشكل خاص على إصلاحات مؤسسية وسياسية كبيرة تتضمن تحويل الحوكمة الإلزامية والإدارية إلى الحوكمة بالقانون، كما ستلعب السوق دوارا حاسما في تخصيص الموارد، ويقتصر دور الحكومة في الإشراف وفي تنظيم الاقتصاد الكلي والإدارة الاجتماعية وحماية البيئة.

 

يصف البعض بأن الإصلاحات الشاملة في الصين هي عامل ثوري لأنه ينطوي على تغييرات في دور الشركات المملوكة للدولة، وهناك اقتراحات تنص على أن يسمح لنحو 100 مليون مهاجر بأن يصبحوا من السكان الدائمين في المناطق الحضرية.

 

أحرزت الصين تقدما ملموسا في تحولها إلى نمط النمو الاقتصادي الأبطأ والأقل كثافة في استخدام الموارد وأكثر كثافة في التوظيف مع الحفاظ على الربحية الصناعية التي ظلت صامدة رغم النمو البطيء.

 

وأحرزت كذلك تحولا في قطاع الخدمات الذي كان يمتلك حصة أصغر في الناتج المحلي الإجمالي بكثير من جميع الاقتصادات الأخرى.

 

ولأول مرة يحقق قطاع الخدمات في عام 2013 حصة أكبر من القطاع الصناعي، وكانت كل نقطة نمو في عام 2008 تنتج أقل من مليون وظيفة جديدة، بينما أصبحت تنتج كل نقطة نمو 4.1 مليون وظيفة جديدة.

 

وتمكنت بكين من الإطاحة بواشنطن من قمة هرم الإنفاق على البحث العلمي خلال أقل من عقد في عام 2013 بنسبة تغيير تصل إلى 8.35 في المائة، بينما نسبة التغيير في واشنطن بلغت 6.8 في المائة، ولكن لا تزال الولايات المتحدة متصدرة من حيث إجمالي الإنفاق على البحث العلمي بنحو 450 مليار دولار في عام 2013، بينما الصين تنفق بنحو 300 مليار دولار.

 

وتمتلك الصين أكبر جيش من الباحثين في العالم تعداده 2.3 مليون باحث، لكن نقطة الضعف في الصين أن نسبة إنفاق الشركات على البحث العلمي بنسبة 2.3 في المائة من الإنفاق الإجمالي، بينما في الولايات المتحدة تنفق الشركات بنسبة 39 في المائة وهي أعلى نسبة في العالم.

 

كما لا تزال حصة الاستهلاك في الصين منخفضة وتبلغ 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تعادل نصف الحصة في الولايات المتحدة.

 

لقد عملت حصة الاستثمارات المرتفعة في الصين على تحفيز النمو في الفترة الماضية وهي بحاجة اليوم إلى تخفيض حصة تلك الاستثمارات حتى تتماشى مع خطة تباطؤ النمو.

 

وكانت تلك الاستثمارات المرتفعة المسؤولة بشكل مباشر عن نمو الطاقة الإنتاجية المفرطة، والمسؤولة عن ارتفاع الرفع المالي.

 

خصوصا بعدما بلغت فترة شهر العسل بين ألمانيا والصين نهايتها بعدما بلغ نمو التجارة بين الجانبين بنمو 54 في المائة خلال العامين الماضيين إلى 180 مليار دولار، وكانت تطمح الصين أن تبلغ القيمة نحو 280 مليار دولار بحلول عام 2015، ولكن الولايات المتحدة تنافس الصين في الاستحواذ على الأسواق الأوربية من خلال توقيع تجارة حرة بين ضفتي الأطلسي.

 

فعلى الصين أن تضبط الإفراط في الطاقة الإنتاجية، ولن تتمكن بعد الآن من التخلص من الفائض عبر التصدير عما كانت عليه من قبل، بالإضافة إلى التوجه نحو رفع الطاقة الاستهلاكية محليا للتوصل إلى اقتصاد متوازن.

 

بإمكان قوى التغيير في الصين أن تسير على نحو سلس، كما أن لديها كثيرا من وسائل التنفيذ تحت سيطرتها، ومع ذلك لا زالت الصين تعاني من تهديد المخاطر السلبية من الضغط المالي والتعديل في الاقتصاد الكلي التي ترتفع بوتيرة حادة التي تحاول عمدا خفض حمى الاقتصاد لمنع نشوء فقاعة تهدد بالانفجار.

 

 

 

د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

 

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

 

Dr_mahboob1@hotmail.com

 

+ -
.