من المفترض أن يكون هربرت فرانتس مدير العلاقات العامة المقيم في برلين هدفا سهلا لصناع السيارات الفاخرة الألمان – فسيارته الأخيرة كانت بي.ام.دبليو اكس3 – لكنه لا يطيق صبرا كي يدير ظهره لهم.
ويقف فرانتس (52 عاما) بأكبر معارض جاغوار لاندروفر في المدينة يتفحص السيارة الرياضية متعددة الاستخدامات “إيفوك” بريطانية الصنع التي عقد العزم على شرائها ويقول “هذه سيارة على أحدث صيحة”.
قد لا يكون فرانتس بسترته الحمراء الزاهية وسرواله الأصفر هو الزبون المعتاد بسوق السيارات الفاخرة الألمانية ذات الطابع المحافظ، لكن تحول ذوقه في السيارات قد ينبئ بأوقات عصيبة قادمة لمتصدرة السوق العالمية بي.ام.دبليو ولمنافستيها أودي ومرسيدس-بنز.
وتعيش شركات السيارات الفاخرة الألمانية سلسلة نجاحات منذ فترة وسط طفرة مبيعات تحركها الصادرات وعوائد ضخمة بينما يعاني صناع السيارات الموجهة للسوق عموما في خضم أزمة أوروبا.
لكن المراقبين يقولون إن سباق المبيعات المحتدم حيث تعهدت كل من صاحبة المركز الثاني أودي ووصيفتها مرسيدس-بنز بإزاحة بي.ام.دبليو عن العرش قد أفسح المجال لتخفيضات أسعار ضخمة الأمر الذي نال من صورة العلامات الفاخرة وخلق فرصا للمنافسة المتزايدة.
والآن يبدو أن عددا من الأسماء الفاخرة الأصغر أو التي أعيد إطلاقها بصدد السير على خطى جاغوار لاندروفر عن طريق طرح عشرات الطرز الجديدة في مواجهة الثلاثة الكبار الذين تفقد مكانتهم بريقها بسبب انتشارهم الواسع.
وقال بيرند هوينغهاوزن استشاري صناعة السيارات “شركات صناعة السيارات الفاخرة الألمانية ضحت ببعض تفردها عن طريق دخول الشرائح الصغيرة الموجهة لسوق الإنتاج الكبير مثل السيارات المدمجة”.
وقال هوينغهاوزن الذي أدار من قبل أساطيل شركات مثل دويتشه بنك وبي.ان.بي باريبا “لقد اتجهوا لسوق الإنتاج الكبير بتخفيضات لأساطيل الشركات بلغت حوالي 20 بالمئة.
“قد يفتح ذلك الباب للاعبين جدد مثل جاغوار بدأوا يطرحون منتجات تناسب أساطيل الشركات”.
ومن بين الشركات الأخرى التي تقتحم حلبة المنافسة أو تخطط لذلك مازيراتي وألفا روميو المملوكتان لفيات وإنفنيتي التابعة لنيسان ووحدة فولفو المملوكة لشركة جيلي الصينية.
وقال أندي بالمر المسؤول التنفيذي الكبير في نيسان المكلف بتحقيق اختراق لطرز إنفنيتي التي بدأ طرحها قبل 25 عاما “نظريتنا هي أن هناك مجالا لشيء مختلف بتصميم جريء”.
وأبلغ بالمر “يصدق ذلك على نحو خاص في حالة الصين .. المستهلكون الصينيون لا يدينون بالولاء لعلامة تجارية بعينها – وأودي هي المرشح الأبرز لخسارة السوق بسبب هيمنتها الكبيرة هناك”.
لكن مكانة الشركات الألمانية تظل راسخة في الوقت الحالي. فمبيعاتها الإجمالية بلغت حوالي 4.7 مليون سيارة العام الماضي بما يعادل نحو 60 بالمئة من سوق السيارات الفاخرة العالمية بحسب آي.اتش.اس أوتوموتيف الاستشارية.
وتلك زيادة 38 بالمئة منذ 2007 عندما اندلعت الأزمة المالية وكانت الشركات الثلاثة تهيمن حينئذ على أكثر بقليل فحسب من نصف السوق. وفي تلك الفترة نمت مبيعات السيارات العالمية 21 بالمئة إجمالا في حين انكمش الطلب الأوروبي بمقدار الربع.
ويظل لحجم الإنتاج الكبير مزاياه على صعيد التكلفة – من الأبحاث إلى الإنتاج والتسويق.
وقادت بي.ام.دبليو الزحف على شرائح ضيقة جديدة فأطلقت عشرات الطرازات منها سيارات رياضية متعددة الاستخدامات في كل فئات الحجم وتابعتها أودي عن كثب.
ورغم ذلك يعتقد بعض المحللين أن اتجاه الريح بدأ يتحول ضد الألمان.
ويعتقد بنك يو.بي.اس أن مجموعة الشركات المنافسة ذاتها إضافة إلى تسلا بسياراتها الكهربائية وسيارات الفئة دي.اس من بيجو-سيتروين ستستحوذ على 30 بالمئة من نمو مبيعات السيارات الفاخرة عالميا في 2014-2018 مما سيرفع حصتها السوقية من 12.5 بالمئة حاليا.
ويتوقع البنك استمرار تراجع العائد على رأس المال المستثمر للشركات الألمانية من مستواه التاريخي المرتفع عندما بلغ حوالي 30 بالمئة في 2010-2012 وذلك تحت وطأة المنافسة المتزايدة.
وقال فيليب هوشوا المحلل في يو.بي.اس “هناك أيضا تناقض جوهري بين السوق الفاخرة والتشبع .. مشترو السيارات الفاخرة يبحثون عن درجة من التفرد يتميزون بها عن ملاك السيارات الأقل حظا”.
وأضاف أن تفتت السوق الناجم عن هذا الوضع “يسدل الستار على نمو غير مسبوق … أتاح لصناع السيارات الفاخرة تحقيق عوائد هائلة”.
وأسهم بي.ام.دبليو مرتفعة 5.4 بالمئة هذا العام في حين أن مؤشر قطاع السيارات الأوروبي منخفض 0.4 بالمئة. لكن سهم دايملر منخفض 1.1 بالمئة وفولكسفاجن منخفض 15 بالمئة بفعل التكاليف الزائدة.
في غضون ذلك تحقق مازيراتي نجاحات إذ زادت شحنات النصف الأول من العام لأربعة أمثالها بفضل إطلاق طرز جديدة تحت إشراف سيرغيو ماركيوني رئيس فيات كرايسلر الذي يأمل أيضا أن تستطيع ألفا بتاريخها العريق في التفوق على محدثين مثل إنفنيتي ودي.اس.
وفي وقت سابق قال الرئيس التنفيذي للصحفيين “بدون تاريخ لن تصنع علامة تجارية”.
وحققت جاغوار لاندروفر المملوكة لشركة تاتا نموا في المبيعات بلغ 19 بالمئة العام الماضي بفضل طرازها المدمج رانغ روفر إيفوك الذي يرغب فرانتس في شرائه وتنوي أن تتبعه عما قريب بطراز السيدان الرياضية جاجوار اكس.إي ثم بسيارة رياضية متعددة الاستخدامات.
وقال إريك نيوباور الرئيس التنفيذي المشارك لمجموعة نيوباور الفرنسية التي تبيع معارضها في منطقة باريس 19 علامة تجارية متنوعة من كيا إلى فيراري إن لاند روفر أثبتت أن تحدي الألمان أمر ممكن.
وقال إن السيارة إيفوك تسرق الزبائن “من بي.ام.دبليو وميني ومن كل موضع آخر في عالم السيارات الفاخرة .. ميزة لاند روفر أننا نفوز بعملاء جدد يصبحون زبائن مخلصين بعد ذلك”.
وعلى صناع السيارات الفاخرة بيع مزيد من السيارات الصغيرة لتلبية أهداف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تزداد تشددا وتفادي الغرامات.
ولهذا السبب إلى جانب المنافسة المريرة فيما بينها تعرض بي.ام.دبليو وأودي ومرسيدس تخفيضات لا تقل عما يعرضه كثير من مصنعي سوق الإنتاج الكبير.
وقال أرنت إيلينغهورست محلل مجموعة آي.اس.آي المقيم في لندن “المصنعون الألمان زادوا حوافز الشراء أكثر من أي مجموعة أخرى”.
وبحسب بيانات جمعتها شركة السمسرة وصلت تخفيضات بي.ام.دبليو إلى 25 بالمئة في بريطانيا وكلفت تخفيضات الأسعار الثلاثة الكبار نحو ستة مليارات يورو (ثمانية مليارات دولار).
وقال إيلينغهورست “التخفيضات الحادة والتمويل الجذاب يظهران إلى أي مدى فقدت السيارات الفاخرة تفردها.” وأضاف أن “السباق على بيع مزيد من السيارات سيضر في نهاية المطاف بقيمة الاسم التجاري وبالربحية” إذا لم يجد ما يوقفه.
ورغم قدراتها الاستثمارية وانتشار طرزها أحدثت البداية البطيئة في السيارات الهجين – التي تجمع بين محرك احتراق داخلي ومحرك كهربائي – ثغرة في الدرع الألماني ولاسيما في الأسواق التي تفرض ضرائب عقابية على السيارات عالية الاستهلاك للبنزين.
وساهم قصر النظر عن رؤية الفرص الكامنة في محركات الكهرباء في الإطاحة بمدير الأبحاث والتطوير لدى أودي في حين بدأت بي.ام.دبليو للتو فقط طرح طرازها الرئيسي الهجين آي8.
ولهذا السبب استبدل لويس ألكسندر دو فرويسارد مدير الثروات الخاصة المقيم في بوردو سيارته من نوع أودي ايه8 بالطراز الهجين إنفنيتي كيو50 الذي يولد قوة 364 حصانا بانبعاثات قدرها 144 جراما من ثاني أكسيد الكربون للكيلومتر الواحد وهو مستوى أقل بكثير من حد فرض الضريبة الفرنسية البالغ 160 جراما.
وبالمقارنة تولد الفئة السابعة الهجين من بي.ام.دبليو قوة 320 حصانا بانبعاثات حجمها 158 جراما من ثاني أكسيد الكربون. واستبعد دو فرويسارد السيارة أودي ايه6 أفانت التي تنفث 190 جراما بعزم لا يزيد على 310 أحصنة.
ويوضح مبررات قراره قائلا “لم تكن قوية بما يكفي .. كل شخص معه أودي أو بي.ام.دبليو – لذا كانت إنفنيتي خيارا أكثر تميزا”.
وتعد السيارة الأنيقة بي.ام.دبليو آي8 إحدى الخطوات الألمانية المتأخرة لسد فجوة الطرز الهجين بعد فترة من التراخي. وعلى صعيد المبيعات والمنافسة في الأسعار فثمة بعض المؤشرات على توخي الحذر.
وقال نوربرت رايتهوفر الرئيس التنفيذي للشركة متحدثا للمحللين في الخامس من أغسطس/آب “ينبغي أن نعثر على التوازن الصحيح بين الحجم والسعر”.
وقال رئيس بي.ام.دبليو في مؤتمر بالهاتف “(أدركنا) في ديسمبر/كانون الأول أنك تحصل أيضا على أرباح أفضل إذا خفضت الحجم” مضيفا أن هناك “عملية تفكير” مستمرة.
بل ذهب فريدريك إيشنير المدير المالي للشركة إلى أن الموقف الجديد “رسالة إلى المنافسين” لكن عزم أودي ومرسيدس على تخطي بي.ام.دبليو قد يعميهما عن رؤية الإشارة.
ففي الثامن من يوليو/تموز قال روبرت ستادلر رئيس أودي لرويترز “لا غنى عن الحجم .. وحده النمو يعطيك الفرصة لزيادة الإنتاجية”.
ويعتقد إيلينغهورست المحلل في آي.اس.آي أن أي تغيير تكتيكي عميق قد ينتظر لما بعد التغييرات المنتظرة بقيادة الشركات الألمانية الثلاثة في غضون عامين.
وقال “قد يكون من الأسهل للمسؤولين الحاليين أن يظلوا على متن قطار الإنتاج الكبير .. تاركين مهمة تحسين الأسعار التي تشوبها الصعوبات والمخاطر لأطقم الإدارة الجديدة”.