“يا ناس حبو الناس” – أيمن أبو جبل

Aiman2
أيمن أبو جبل

“يا ناس حبو الناس” هو عنوان العرض الثالث لجوقه صبا الجولانية، التي ولدت “يتيمة” قبل ما يقارب الثلاثة أعوام في الجولان السوري المحتل، كرسالة مليئة بالحب والوطنية والانسانية، وكرسالة للمحبة والانتماء الحقيقي.

“يا ناس حبو الناس، الله موصى بالحب” رسالة يجب أن لا تربكنا، كما العشق والحب لا يربكنا، هذا الحب الذي اغتنمته جوقة صبا خلال مشوارها القصير في المشهد الثقافي والفني في الجولان السوري المحتل، الذي يتعرض للاغتيال والوأد بعوامل داخلية وخارجية تتلاقى فيها السياسة.

“يا ناس حبو الناس” عبارة تختصر ما يليق بنا لأن نستحضر ونستذكر حبنا، وعشقنا للمكان والزمان، والذاكرة الأجمل التي تليق بنا وبمجتمعنا، الأصغر داخلنا والأكبر حولنا، بعد أن لطخته سوادا بشاعة الاصولية  والشمولية بكل اشكالها، ومفاهيم الموت والحياة والسياسة والحرية والعدالة…

العرض الثالث لجوقة صبا بقيادة المايسترو نبيه عواد، نجح في استنفار واستفزاز مشاعرنا، ومنحنا بعضا من هذا العشق والحب الممنوع في زمن الموت والالغاء والتهميش، وحاز ليس فقط على التقدير والاعجاب والفخر، وإنما فتح الباب واسعا لندخل في تفاصيل عمل جوقة صبا ونمارس أقل واجباتنا وحقوقنا في نفس الوقت معها، لتكون أكثر أمانا، ونكون لها الحضن الادفأ في تقدمها وتطورها وارتقائها أكثر، وتربعها الدائم في المشهد الثقافي الجولاني بكل تعقيداته وتركيباته.

ربما يكون من أول الأسباب التي ساهمت في استمرار تجربة الجوقة  هو تناغم افرادها مع الحالة الاجتماعية الجولانية، والتفاعل معها، وشكل البعد الثقافي والتوافق فيما بينهم، في الأفكار  والأهداف والرؤى الفنية والاجتماعية والسياسية، لدى مؤسسيها واعضائها، نحو بناء فرقة تسهم في تعزيز الهوية الثقافية الجولانية بعمقها الوطني والتراثي، بالاستفادة من التجارب والخبرات الفنية السابقة التي لم  ُيكتب لها الحياة، لأسباب عائدة الى افتقار الدعم المادي والاحتضان الشعبي والجماهيري، واختصارها ضمن سقف فئوي محدود، لم يستطع رغم الامكانيات من تشكيل اطار يعبر عن هوية تراثية اجتماعية جولانية، أو افتقار تلك التجارب الى التخصصية والمهنية الفنية والثقافية، وبقاؤها ضمن برامج ومشاريع استهلاكية لم تؤتي بثمار على أرض الواقع…

 لا يكفى وجود إدارة جماعية للجوقة لضمان استمراريتها وتطورها، كما لا يجب الغاء خصوصية الافراد فيها  لرفع مساهماتهم في الاطار الجماعي، وبالعكس فنياً ومهنياً، لضمان عدم إصابها بالشلل أو التراجع أو التوقف، تحت أي سبب من الأسباب. كما أن نهج الجوقة بمنع تحولها إلى بيان سياسي أو بوق إعلامي لأي مصلحة سياسية مباشرة، يساهم في منحها مصداقية وقبول شعبي أكثر، مع إصرارها في المحافظة على جذور فنية أصيلة في عملها، ترتكز على إرثنا وعمقنا الفني العربي الشاسع. إلا أنها تصبح مع الوقت، وهذا ضرورة وواجب، مطالبة بالابتكار والتجديد والتجدد، والاتساع والانفتاح أكثر خارج المحلية الجولانية.

لنجاح أي مشروع يتطلب وجود قوانين وأنظمة داخلية ومهنية، وآليه عمل تنظم عمله، بدءاً من الحفاظ على هيكيلته وعضوية أفراده، وفتح المجال لرفده بعناصر جديدة، واعتماد انظمة عصرية  مرنة في الانتاج والتسويق والإعلان والإعلام والتصميم والتدريب والعلاقات العامة، تتلاءم مع تفاعلات المجتمع المحلي والخارجي.

لجوقة صبا “الفتية” رصيد جميل من الأعمال التي نقلت الأغاني الاصيلة من الازمنة الجميلة التي نتباكى ونتحسر عليها، حيث نجحت في نقلها إلينا بأسلوب وأداء شيق، حرك مشاعرنا ودغدغ أحلامنا التي تخبو  أمام قساوة الحاضر، وهي مطالبة اليوم بالتوقف لوضع منهجية وبرنامج عملي وواقعي لعملها، يعتمد أولا على ضمان الاستمرارية بكل قوة. وباعتقادي أن أولى ركائز الاستمرارية تشكيل إطار إداري حاضن، بالتوافق مع التوجهات الفنية للجوقة، يقع على عاتقه  تأمين الافكار والمشاريع والبرامج، والأهم الجانب المادي والقانوني والرعاية الأبوية والاجتماعية لهذا المشروع “اليتيم”، من خلال مجلس أمناء ولجنة إدارية فاعلة  تحمل الأعباء والمسؤوليات المالية والإدارية والتسويقية والانتاجية والعلاقات العامة والتوسع بعمل الجوقة خارج “المحلية الجولانية”، بالتوافق والتناغم مع اللجنة المهنية والفنية التي يجب أن تسعى إلى إنضاج شخصية خاصة  بالجوقة، وتطوير وتطور أداء عملها ورفدها بالأعضاء الجدد، وتشجيع العضوية أمام الكفاءات الموسيقية والغنائية المحلية، وسد الثغرات الفنية التي تقف عائقاً أمام تطور هذه الاصوات والطاقات الغنائية والموسيقية، التي نجحت بشكل ذاتي في إثبات حضورها بشكل قوي وجريء في المشهد الجولاني.

+ -
.