100 من «حيتان المال» في روسيا يسيطرون على 35 في المئة من ثرواتها

تقوّض الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها روسيا قواعد الطبقة الوسطى، وتدفع مزيداً من الروس إلى خط الفقر، وتضطرهم إلى الاقتصاد في المأكل والمشرب. وفي المقابل، فإن ثروات الأغنياء تزداد، ومعها تتّسع الفجوة في الدخل بين الفئات الأشد فقراً والفئات الأغنى، ما يخلق وضعاً أقرب إلى نموذج «جمهوريات الموز» أو دول أميركا اللاتينية، في بلد كان يفخر بأنه قلعة الاشتراكية منذ نحو عقدين، ويحتّم على الحكومة تبني إجراءات لتخفيف الأزمة الاقتصادية تتعدى إنقاذ الشركات والمصارف الكبرى.

وفي استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة بحثية مطلع الشهر الجاري، أكد نحو نصف المستطلعين أن أوضاعهم المادية باتت أصعب في الأشهر الثلاثة الأخيرة، في حين أشار اثنان في المئة إلى أن أوضاعهم باتت أفضل. ومع الارتفاع الكبير في الأسعار، قال 55 في المئة إنهم يسعون إلى تجاوز تبعات الغلاء عبر تخفيف استهلاكهم، فيما يبحث نحو الثلث عن مصدر إضافي للدخل. وقال أكثر من نصف المستطلعين إنهم سيقتصدون في شراء الأغذية، خصوصاً اللحوم، بعدما بدأوا فعلياً بضبط مشترياتهم من الملابس والأحذية والعطور وأدوات التجميل، في حين أشار نحو 40 في المئة إلى أن أجورهم لا تكفي حتى نهاية الشهر.

وتوقّع المصرف المركزي الروسي أن يراوح معدل التضخم بين 15 و16 في المئة العام الحالي، مع انكماش قد يصل إلى 4.5 في المئة. وأظهر أحدث تقديراته أن تسجيل نمو لن يبدأ قبل عام 2017، وهو رهن بـ«تحسين ظروف التجارة، وتطوير صناعات محلية تعوّض عن الاستيراد، وزيادة الصادرات غير النفطية». ولم يستبعد تحسناً أسرع من المتوقع بفعل عوامل خارجية، مثل رفع العقوبات وصعود أسعار النفط».

ويبدو أن صعوبة تحقيق التوازن المطلوب بين تحقيق نمو وتشجيع الصناعة من جهة، وضبط معدلات التضخم مع سعر صرف معقول للروبل من جهة أخرى، دفع صناع السياسة النقدية الروسية إلى خفض معدلات الفائدة نهاية الشهر الماضي نقطتين أساساً إلى 15 في المئة. ولاقت هذه الخطوة استهجاناً وأثارت قلق الخبراء ومؤسسات بحوث، خصوصاً أن الروبل خسر نحو نصف قيمته خلال الأشهر الماضية، وأن أي تراجع جديد سيؤدي إلى موجات من الغلاء.

وحذرت «مدرسة الاقتصاد العليا» في تقرير، من أن التضخم قد يصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ 15 سنة عند 20 في المئة، في حال واصل «المركزي» خفض معدلات الفائدة التي ستتسبب بضغوط إضافية على الروبل، وبالتالي على مستويات الحياة، وتراجع الدخل الحقيقي للمواطنين، والذي يُتوقع أن يهبط خلال العام الحالي نحو 10 في المئة، بعدما تراجع في كانون الأول (ديسمبر) الماضي نحو سبعة في المئة.

ضغوط على الطبقة الوسطى

وتجدّد الأزمة الاقتصادية الحالية الضغوط على الطبقة الوسطى الروسية التي باتت، بحسب تقديرات كثيرة، لا تتجاوز 20 في المئة من السكان، ما يعني أنها في طريقها إلى التآكل سريعاً. وفي المقابل، فإن الأزمة لم تؤثر في أوضاع أغنياء روسيا، والفرق الواضح في الدخل يقسّم المجتمع الروسي في شكل حاد إلى طبقتين لكل منهما عالمه الخاص.

وأظهر تقرير أصدرته هيئة الإحصاء الروسية «روس ستات»، أن أغنى 10 في المئة من الروس يملكون ثروات تزيد بنحو 16.8 مرة عن الـ10 في المئة الأفقر. وهذا المؤشر يزيد بنحو 1.6 مرة عن أعلى معدل تنصح به الأمم المتحدة. ولفت خبراء إلى أن مؤشر ثروات الـ10 في المئة الأغنى، قد تزيد ما بين 40 و50 مرة عن ثروات الـ10 في المئة الأفقر، وذلك بسبب التهرّب الضريبي واقتصاد الظل. ويسلّط الفارق الكبير في الدخل والثروات، الضوء على مشاكل اجتماعية وسياسية تهدد أمن روسيا واستقرارها، خصوصاً مع إضافة ما خلص إليه تقرير معهد «كريديت سويس» للبحوث، بأن 100 من حيتان المال الروس يسيطرون على نحو 35 في المئة من ثروات بلادهم، فيما المؤشر العام العالمي لا يزيد عن اثنين في المئة.

ويتحكم «حيتان المال» بأكثر من ثلث مقدرات روسيا، ما يشير إلى خلل كبير رافق عمليات التخصيص في تسعينات القرن الماضي، ونظام الضرائب الذي لا يفرض نسباً تصاعدية على زيادة معدلات الدخل، إضافة إلى مشكلة الفساد الإداري المتفشّي. وترسم مسؤولة التطوير في المجلس الاجتماعي الروسي ألكسندرا أتشيروفا، صورة لمن تسميهم «الفقراء الجدد» في روسيا، وتقول إنهم «أشخاص في سن العمل والإنتاج، موظّفون حكوميون بأجور زهيدة، وهم سكان يعيشون في المدن الصغيرة المعتمدة على مصنع أو نوع واحد من الصناعات. والطريق مغلق أمامهم للحصول على التعليم الجيد الذي بات حكراً على الأغنياء، وبالتالي ينحصر العمل الجيد الذي يحتاج الى مؤهلات في طبقة الأغنياء، ما يُبقي الفجوة ويزيدها في المجتمع».

وعلى رغم ارتفاع مستوى الحياة في روسيا منذ مطلع الألفية الثالثة، فإن الإحصاءات تكشف عن وجه خطير يتجلى في الفروق الشاسعة بين الأغنياء والفقراء، ما يفرض على الحكومة مهمات عدة، تبدأ بالخروج في أسرع وقت من الأزمة الاقتصادية عبر استراتيجية لا تقتصر على إنقاذ الشركات والمصارف الحكومية فحسب، بل تضمن عدم وقوع مزيد من الروس في أتون الفقر وتركز الأموال في جيوب آخرين، ولا تنتهي بإصلاح النظام الضريبي وجعله تصاعدياً، وتقليص حصة الحكومة في الاقتصاد وتخفيف اعتماده على الخامات، ودعم قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة.

+ -
.