بعد أن حلت الساعة السابعة والنصف مساءًا، وغطت الغيوم السوداء سماء مدينتي، التي وقعت عند أجمل شاطئ في المنطقة. فقد جذبتني الأضواء التي مدت على جوانب الطرقات، ولونت الحدائق، والأماكن العامة لأن أبصرها من نافذة غرفتي، وأسرح في كل نور منبعث إليَّ عبر شرارة وصلت إلى زجاج النافذة الشفافة، التي تصل بيني وبين العالم الخارجي، الذي يركض كالدم في العروق، وكأن الوقت يمر ولا وقت للانتظار.
في كل لحظة كنت أبصر فيها المدينة كنت أشعر بالتغيير السريع. وكأن المدينة تروي قصتها على من يراها، وتذكر له متاعبها التي مرت بها في كل يوم من الصباح حتى فجر يوم آخر.
وهكذا احتدت الصورة في عيني حتى ابتدأت الدموع تسيل على وجهي، وكأنها تعرف مسيرها من قبل.
فكل دمعه وصلت إلى الأرض جربت في طريقها أن تقطع أسلاك قد حصرتها سنين، ولم تسمح لها بالعبور إلى الجفون.
في هذه اللحظات أحسست بشرودي، وبدمعي الذي حجب قسم من وجهي، فلم أفهم ما هو سبب هذه الدموع، أخوفي على مدينتي التي محاصرة منذ سنين، أم خوفي على نفسي من قافلة لا أعرف أين ستصل؟
تشوش ذهني للحظات سلبت من عقلي التفكير، ومحت جميع الصور الموجودة في مخيلتي، فبعدها نظرت إلى الساعة لأراها دقت الثامنة. فمسحت دموعي وكأن أمرًا لم يحدث.