الحوار مع السلطة الحالية خطيئة سياسية وأخلاقية

د. محمود محمود (عن صفحته على الفيسبوك)

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

هل تستقيم المقارنة بين السلطة الحالية والنظام السابق؟ هل من الصائب سياسيّاً محاورتها على أساس أنها شريك وطني؟ أم أنها سلطة أجرمت في حق السوريين ولا يجوز غير محاكمتها ولا يمكن ابتداء حقيبة سورية جديدة معها؟
تفرض هذه الأسئلة نفسها على أية محاولة لمقاربة الواقع القائم ولمحاولة التفكير في كيفية السير نحو الأمام. يفترض البعض أن الإجابات عن هذه الأسئلة بديهية ولا تحتمل كثيراً من التمحيص، إلّا أنها باعتقادي هي الأسئلة الصعبة التي بحاجة لإجابات منطقية ومعقولة كي نصل إلى بداية ما.
من اللافت أنّ بعض المصرّين على محاورة السلطة وممثّليها اليوم كانوا من أشدّ المعترضين والمدينين لقوى وطنية نادت في مراحل مبكرة من الثورة بضرورة الحوار مع النظام، مثل هيئة التنسيق الوطنية والعديد من الشخصيات السورية ذات الشأن والحضور في الفضاء السياسي العام ونظراً لتاريخيها السياسي الطويل في معارضة النظام. لكن، وصلت الاعتراضات والتنديدات بدعوات الحوار تلك حدّ التخوين احياناً، ولم يشفع لأولئك الساسة أي تاريخ وأي ماضي. من دون أن نغفل طبعاً التحريض الممنهج الذي ساد وقتها من قبل جهات معارضة موازية كانت تحركها، إلى جانب الكيديات السياسية والشخصية أحياناً، قوى عربية وأقليمية ودولية لها أجنداتها الخاصة المتعارضة مع مصالح الشعب السوري.
كان التبرير الوجيه في حينه، إضافة إلى اليقين الصائب بأنّ النظام غير قابل للحوار، هو أنّ أيّ حوار أو تعاطٍ سياسيّ تقليديّ مع النظام لن يفضي إلى شيء حقيقي، ولا يخدم ـ لا في ظاهره ولا في جوهره ـ سوى فكرة أنّ النظام يَمّنَح فعلاً مساحة للنقاش والحوار، وبالتالي فهو ليس إقصائياً بالدرجة التي يُتَّهم بها، بل على العكس، فهو يبدو مستعداً للتحاور والتفاوض والنقاش، والأخذ حتى بالنقد أحياناً. وقد رأينا المسرحيات المبتذلة التي قدّمها للعالم، والتي وصلت إلى حدّ تغيير القوانين، واعتماد دستور جديد، وإنشاء حكومات “إنقاذ وطني”. أي أنّ النظام لعب اللعبة حتى النهاية، وأدّى جميع أدوار المناورة التي كانت مطلوبة للإطالة في عمره آنذاك ولكسب مزيداً من الوقت في مواجهة أخصامه.
أثبتت هذه التجربة أمرين:
أوّلًا: أنّ النظام، وبالرغم من العديد من المبادرات والنداءات، لم يكن في أيّ مرحلة من مراحل الثورة قابلاً للحوار أو للإصلاح، وذلك لأسباب كثيرة لا يتّسع هذا المنشور لتفنيدها، لكنها يجب أن تستعاد للاستنارة بها خصوصاً من قبل المتأملين بالسلطة الحالية.
ثانياً، وهو الأهم: أنّ تخوين القوى والشخصيات الوطنية التي بذلت ـ حسب فهمها ومعطياتها السياسية في ذلك الوقت ـ كل ما استطاعت من حيلة للتقليل من كلفة الحرب السورية التي كان النظام على استعداد لخوضها بلا أيّ رادع أو ضابط كما تبيّن لاحقاً، لم يؤدِّ إلّا إلى مزيد من الشرذمة وإلى إضاعة كثير من الفرص التي كان من شأنها، ولو نظرياً، أن تُعزِّز موقف المعارضة عموماً وأن تقوّيها في مواجهة نظام أمعن في جرّ البلاد إلى التهلكة.
مما لا شك فيه أن أي حوار مع هذه السلطة اليوم يمنحها شرعيةً ما هي بأمسِّ الحاجة إليها، لا سيّما الحوارات النقديّة والمعارِضة في الظاهر، لأن هذه التقديمات بالذات تمنحها شرعيَّةً وهميّةً مضاعفة، لجهة أنها سلطة قابلة للنقد أولاً، ولجهة إعطاء وهمٍ بأنها قابلة للإصلاح ثانيةً. وهذه_ برأيي _ خطيئة سياسية وأخلاقية يرتكبها ممارسيها لأسباب, يمكن فهمها في سياقها الطائفي أو المصلحي الضيق أحياناً، أو التكهن بها في أحيانٍ أخرى، ولكنها في الحالتين مدانةٌ ومرفوضة لأنها ليست إلا ترويجاً مفضوحاً للسلطة، ومحاولات مستميتة للمد في عمرها ومنحها شرعية غير مستحقة.
واضح أنّ المقارنة شائكة وحمّالة أوجه، إذ يمكن فهمها ووضعها في أكثر من سياق لتعزيز مواقف قد تصل حدّ التعارض. لكن ما أحاول قوله هو أنّ سوء التقدير في التعاطي مع هذه السلطة المجرمة خطأٌ عموماً، وما يجب أن يدركه موالوها والمروّجون لها هو أنّ منحها أيَّ غطاءٍ سياسي أو أخلاقي يعدّ خطيئةً لا تُغتفر ووقوفاً في صفّ المجرم ضدّ الضحية.
هذه السلطة غير قابلة بنوياً وعقائدياً للتغيير والإصلاح، فهذا يناقض وجودياً فكرها الأحاديّ التكفيري. إن السبيل الوحيد الذي يمكن سلوكه هو المعارضة الجذرية لها، ولما تمثله من قيم في ذاتها، ولِما تحمله من أجندات سياسية ووطنية وتغييرات ديموغرافية خطيرة، ومن اقتصادٍ ارتهانيّ مُؤَسِّسٍ لفسادٍ كارثيّ لا يعرف أحد حدوده، وغير ذلك هو مضيعة للوقت ودعم للجريمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.