
د. ثائر أبو صالح
من السذاجة بمكان أن نعتقد أن إسرائيل أقدمت على الضربة الجوية في قطر دون علم أمريكي، فأمريكا تملك في قطر أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وقادرة على كشف كل طائرة تقلع من مطارات إسرائيل والدول المجاورة. وقد تناقلت الأخبار أن رئيس الأركان الأمريكي أبلغ الرئيس ترامب عندما كشفت الرادارات الأمريكية إقلاع الطائرات الإسرائيلية. ومعلوم أن المسافة التي تحتاجها هذه الطائرات للوصول إلى قطر كبيرة، فلو أراد الرئيس الأمريكي وقف الهجوم لكان يملك الزمن الكافي للقيام بذلك، كما فعل عندما أوقف هجومًا إسرائيليًا على إيران قبل وقوعه بقليل، بعد الضربة الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية، وأعاد الطائرات الإسرائيلية إلى قواعدها.
إسرائيل أعلنت أنها بدأت التخطيط لهذه العملية منذ أكثر من شهر، وكانت تنتظر فرصة عملياتية للتنفيذ، أي أنها كانت تنتظر معلومة استخباراتية مؤكدة لاجتماع قيادة حماس. فهل كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية نائمة طوال هذه المدة ولم تكتشف التحضيرات التي تقوم بها حليفتها المدللة؟ الحقيقة أن كل ما تقوم به إسرائيل في الشرق الأوسط متفق عليه مع أمريكا، والغاية منه خدمة الأجندة الأمريكية-الإسرائيلية في السيطرة الكاملة على المنطقة، وتحويل إسرائيل إلى الشرطي الذي يحق له أن يتدخل كيفما يشاء، ومتى يشاء، وأينما يشاء، للحفاظ على المصالح الأمريكية-الإسرائيلية.
إذا صح الخبر أن قيادات حماس قد نجت من هذه المحاولة، فذلك يكون حتمًا مقصودًا، ورسالة واضحة لهذه القيادة بقبول الشروط الإسرائيلية-الأمريكية لوقف الحرب في غزة من جهة، وأن إسرائيل قادرة في المرة القادمة على النيل من هذه القيادات أينما كانت من جهة أخرى. فاغتيال قيادة حماس اليوم وبهذا الحجم يعني احتلال غزة، وإنشاء حكم عسكري فيها، والضغط على السكان لتهجيرهم تدريجيًا عن طريق فتح باب الهجرة لهم بالترغيب والترهيب، وهو الخيار الإسرائيلي القادم حال رفضت حماس الشروط الإسرائيلية-الأمريكية.
من ينظر إلى الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة يظن للوهلة الأولى أن هناك تضاربًا في المصالح بين أمريكا وإسرائيل، خصوصًا بما يجري من أحداث في سوريا ولبنان. لكن إذا أمعنا النظر نجد أن هناك توزيعًا للأدوار بين الطرفين، فأمريكا وإسرائيل، وبعد أن أضعفوا المحور الشيعي بشكل كبير الممتد من إيران مرورًا بالعراق وسوريا وصولًا إلى لبنان، لا يريدون ولادة محور سني جديد يمتد من تركيا إلى سوريا مرورًا بالأردن وصولًا إلى السعودية ودول الخليج ومصر.
لذلك يتركز الدور الأمريكي في الفترة الحالية على الضغط على لبنان لسحب سلاح حزب الله، ودعم النظام الوليد في سوريا لوضعه تحت جناحه، من خلال استغلال ورقة العقوبات على النظام السوري البائد، ليقطع المحور السني باتجاه السعودية، والشيعي باتجاه لبنان. وسوريا تتموضع في نقطة التقاطع بين المحورين، وهنا تكمن أهميتها الاستراتيجية. أما إسرائيل، فعليها في الفترة الحالية إبعاد النفوذ التركي عن جنوب سوريا، والضغط على النظام السوري لفرض أجندتها الأمنية عليه، وخلق حالة من الفوضى تجعل هذا النظام يستنجد بالأمريكي والعربي لحل مشاكله، وهكذا يسهل السيطرة عليه وترويضه.
أمريكا تعلم أن حزب الله لن يسلم سلاحه بسهولة، وقد يحتاج الأمر إلى ضربة عسكرية ثانية، خصوصًا إذا عجز الجيش اللبناني عن تنفيذ قرار الحكومة بنزع هذا السلاح. عندها ستلقى هذه المهمة على النظام السوري، من خلال توريطه بحرب ضد حزب الله. وكلنا يعلم أن هناك ثأرًا قديمًا بين الميليشيات التي جاءت من إدلب بقيادة الشرع، وبين حزب الله، الذي أوغل في قتل السوريين، خصوصًا الطائفة السنية، على مدار سنوات الثورة السورية. عندها قد تشتعل حرب سنية-شيعية تمتد من لبنان إلى سوريا ثم العراق وقد تصل إيران، دون أي تدخل مباشر لأمريكا وإسرائيل، عدا بعض ضربات السلاح الجوي الإسرائيلي، حيث توظف أمريكا نتائج هذه الحرب لإعادة رسم المنطقة وفقًا لمصالحهما. وهذا ما يفسر تصريحات المبعوث الأمريكي في سوريا توماس براك، عندما تحدث عن اجحاف اتفاقية سايكس-بيكو بحق سوريا واحتمال إعادة لبنان لها.
إذا لم يدرك العرب هذه المخاطر، ويقوموا بقطع الطريق على هذه السياسات، فإنهم حتمًا سيقعون في المحظور. وقطع الطريق يعني إدراكهم أنهم مستهدفون بكل طوائفهم، وعليهم في هذه المرحلة العمل على نسيان الأحقاد، والابتعاد عن التطرف الديني والمذهبي وفكر الانتقام، وإيجاد قاعدة جديدة للتفاهم بين كل المكونات الدينية والمذهبية في سوريا ولبنان، والتعاطي مع حزب الله بشكل عقلاني مع متطلبات المرحلة الجديدة، من أجل بناء أوطان جديدة تقوم على أسس المواطنة بعيدًا عن المحاصصات الطائفية والأثنية، ليقطعوا الطريق على ما يخطط لهم في المستقبل القريب.