أطفالنا بين الضّوء الأزرق والغياب

بقلم المربية منى أبو جبل

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

لم تعد أزمة الجيل الجديد مقتصرة على التّعليم أو السّلوك أو ضياع القيّم، بل تجاوزت ذلك إلى أزمة أعمق: أزمة وجود ومعنى.
في زمن صارت فيه الشّاشات نافذة العالم، تحوّل الضّوء الأزرق من وسيلة تواصل إلى جدار صامت يفصل أبناءنا عن الحياة.
ولعلّ أخطر ما نعيشه اليوم كمعلّمين وأهل ليس فقدان السّيطرة على الوقت، بل فقدان التّواصل مع أولئك الذين يفترض أنّهم امتدادنا في الغد.
في حديث مع أحد أوليّاء الأمور، تحدّثت عن وضع المدارس بعد الانقطاع الطّويل بفعل الكورونا والحروب والتّحولات الاجتماعية.
قلت: “المدارس ما زالت كما هي، لكنّ الأولاد تغيّروا… نحن لم نعد نُعلّم فقط، بل نحاول أن نوقظ أرواحًا غائبة خلف الشّاشات.”
طلّابنا اليوم لا يعانون من صعوبة المواد، بل من تشتّت الانتباه وضياع التّركيز. أدمنوا السّرعة، أدمنوا التّنقل بين فكرة وأخرى، أدمنوا السّطحية. لا يعرفون معنى التّركيز أو الإنصات، ولا يجدون متعة في الكتابة أو التّفكير، بل يريدون النّتائج جاهزة دون أن يعيشوا العمليّة التّعليميّة كما كنّا نعلّمهم.
يبحثون عن المتعة في لحظة ويملّون بعدها في اللّحظة نفسها. حتى السّعادة أصبحت مؤقتة، تُقاس بعدد الإعجابات لا بصدق التّجربة.
جيل يعرف الكثير، لكنّه لا يعيش شيئًا بعمق. ينظر بعينين مفتوحتين، لكن داخله غياب. يتكلّم كثيرًا، لكنّه نادرًا ما يُصغي. وكأنّ العالم أسرع من أن يمنحهم فرصة للشّعور أو مساحة للتّأمّل.
المشكلة ليست في التّكنولوجيا بحدّ ذاتها، فهي آداة عظيمة لو أحسنّا توجيهها، بل في الفراغ الذي خلّفته بيننا وبين طلّابنا. لقد كبُرت المسافة ونحن نظن أنّنا قريبون، وامتلأت البيوت بالضّوء، لكنّها خلت من الدّفء.
ربّما آن الأوان أن نعيد النّظر في علاقتنا بأطفالنا، لا بوصفهم متلقّين للتّربية والتّعليم فحسب، بل كأرواح تبحث عن معنى واحتواء.
علينا كمعلمين وأهل أن نعود للحضور الحقيقي، إلى الحوار الصّادق، وإلى تلك اللّحظات الصّغيرة التي تُعيد للبيت روحه وللطّفل طمأنينته.
أطفال اليوم لا يحتاجون إلى شاشات أكثر، ولا إلى وسائل ترفيه جديدة، بل إلى نظرة دافئة، وصوت يسمعهم، ويد تطمئنهم أنّ العالم رغم قسوته ما زال يحتويهم.
حينها فقط، سنستطيع أن نُنقذهم من الغياب الذي صنعه الضّوء الأزرق، ونمنحهم فرصة ليكونوا أحياءً حقًا، لا مجرّد متّصلين بالعالم ومنفصلين عن أنفسهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.