الساعات الفاخرة قطع فنية خارج الزمن

الوقت يداهمها. الدقائق تلاقي الثواني ويقطعان سوية، عقرباً بعقرب الطريق نحو الساعات، لتمر الأيام فالأسابيع والأشهر والسنون. جملة معطيات تحكم حياتنا، ننظم على أساسها حياتنا اليومية ومستقبلنا القريب والبعيد، تدور عقارب الساعة فنقترب شيئاً فشيء من هدف أو يوم أو حتى نهاية. وإذا ما دارت بشكل معاكس يحضر فيلم the curious case of Benjamin buttom ليلخص أهمية الوقت والزمن بالنسبة إلى الإنسان.

هي صناعة الساعات، عالم الدقة يلاقي عالم الفن والموضة، يضربان موعداً سنوياً في جنيف وتحديداً في صالون الساعات الراقية، قبل أسابيع على لقاء آخر في بازل، تجتمع علامات راقية في عالم الساعات لتقدم ابتكارات، في تنافس معلن ومضمر في آن.

فحتى العلامات الكبرى التي تنضوي تحت الشركة نفسها كمجموعة ريشموند، لا تترك فرصة إلا وتستعرض ما أنتجت وما تميزت به لهذا العام أو ما نجحت بتطبيقه.

«الأرقام القياسية موجودة ليتم تحطيمها، حتى وإن كنت صاحبها» عبارة رُفعت في جناح «أي دبليو سي» في معرض SIHH الصالون العالمي للساعات الفاخرة، إلا أنها بدت حقيقية في كل من الـ ١٥ جناح الآخرين في المعرض، المعرض الذي يستقطب ١٣ ألف زائر، من المهتمين بعالم الساعات من زبائن إلى تجار ووسائل أعلام.

في الدورة الـ24 من معرض الساعات الفاخرة، اكتسب المعرض الذي تحتضنه جنيف سنوياً، بعداً آخر، فالآمال الاقتصادية المعقودة عليه على رغم الحذر من التراجع الذي شهده القطاع، كرّسه على عرش المناسبات التي تستضيفها جنيف، ما لفظ بالسياسة ومؤتمراتها بعيداً إلى مونترو السويسرية.

الأحجار الكريمة، أو التوربيونات الطائرة، إلى جانب التقنيات الفنية، رسمت الخطوط العريضة

للمعرض والتحف التي تم عرضها، وعمدت كل شركة إلى جذب النظر إليها من الديكور الخاص بجناحها إلى العرض الخاص، واختلفت طرق تقديم الابتكارات الجديد من طريقة توزيع المقاعد وصولاً إلى استخدام التقنية ثلاثية الأبعاد في العروض.

بدت الساعة قطعة من المجوهرات المرصعة عند الكثير من الشركات، التي وازنت بما عرضته في توجهها إلى المرأة والرجل على حد سواء، واختلطت بعض الموديلات على الكثيرين إلى من هي موجهة، ليقطع مقدموها الشك بأنها unisex وموجهة للاثنين معاً وبخاصة لجهة الحجم المتوسط.

الشركات عمدت إلى المحافظة على ميزتها الخاصة، وطريقتها في تقديم منتجاتها، وتنوعت العروض من شاعرية الوقت مع فان كليف اند اربلز وصولاً إلى المغامرات الرياضية والتصاميم الغريبة مع روجيه دوبيه، مروراً بالأناقة والحرفية مع كارتييه وفاشرون كونستان، من دون إهمال «بياجيه» أو «لانغيه» أو «زونيه».

هكذا رسم «أس أي أتش أتش» في دورته الـ ٢٤ خريطة الأذواق، لساعات لا يؤثر فيها مرور الزمن، فتبقى لتتحول قطعاً فنية لا تلبث أن تعيد شركاتها شرائها بعد عشرات السنين وضمها إلى متاحفها الخاصة، كأيقونات تكرس الفن والحرفية في كل منها.

حافظت «فاشرون كونستنتان» على الشق الفني في منتجاتها، وعرضت مجموعة من الساعات الخاصة التي تحاكي شرائح معينة وجنسيات مختلفة، وإن يمكن اقتناء الساعة من أي متذوق للساعات، فقد عمدت كونستنتان إلى تقديم ساعات تحمل الروح الشرقية والآسيوية إلى جانب ساعة بتعقيد minute repeater على الإطلاق بسمك 3.90 مم، استغرق صنعها يدوياً ثلاثة أشهر. إلا أن ساعة فاشرون الرقيقة لم تستطع التفوق على Altiplano 38 mm 900P. وبحسب الرئيس التنفيذي لـ «بياجيه» فيليب ليوبولد ميتزجر، فإن هذه الرقة مجال منافسة حقيقية وأن سرها يكمن في دمج الحركة والعلبة معاً لاحتضان الأجزاء الميكانيكية.

المنافسة في تحطيم الأرقام القياسية وبخاصة لجهة الحركات الميكانيكية تكاد تدور في مختلف التفاصيل، وتصل المنافسة إلى الأشكال والموديلات والأحجار الكريمة، لترتسم منافسات على مستويات مختلفة بين الشركات.

ودخلت «كارتييه» المعرض بجناح ضخم، ومن بين ١٠٠ ساعة برزت الساعات المرصعة والتي تحاكي مجوهرات كارتييه وبخاصة في المجموعات الخاصة بالفهد والنمر، وإلى جانب الأحجار الكريمة والألماس استعرضت كارتييه مجموعات من الساعات التي ارتكزت في فنيتها على بتلات الورود المجففة من أجل تقديم تحف غنّاءة بالألوان.

يصعب التحديد ما الذي يجذب النظر في «أس آي أتش أتش»، وهل أن الساعة قطعة جاذبة للنظر وهي محاكاة حقيقية لمحبي التوربيون والحركات الميكانيكية المعقدة؟.

من دون أدنى شك تتجه الشركات إلى التوفيق بينهما وهو ما كان واضحاً عند الجميع على حد سواء، وفي حين عمدت بعض الشركات إلى تغييب الألماس لصالح الحركة، تفوقت أخرى على نفسها في ما قدمته ومنها بارميجياني، وفان كليف أند أربلز التي تخطت حركة العقارب لتصل إلى الكواكب وإلى جانب مجموعة عصرية تحاكي أبراج الحظ وأحجاره قدمت الدار ساعة midnight planetarium وتجسد حركة ستة كواكب تدور حول الشمس: الأرض عطارد الزهرة المريخ المشتري زحل… وكلها مرئية انطلاقاً من الأرض بالعين المجردة وتتحرك بفضل حركة ميكانيكية. مقتني الساعة سيتمكن من تحديد يوم سعده أو أي يوم آخر يشكل مفصلاً في حياته، إلا أنه لن يتمكن من قراءة دقيقة للوقت بحيث حلت نجمة مكان العقارب لتعطي وقتاً تقريبياً.

أثبتت الشركات الكبرى، أنها لا تقف عند سوق محددة، وإن كانت تراجعت السوق الصينية بعض الشيء فإن تقرير عام ٢٠١٤ لقطاع الساعات العالمي «وولد ووتش ريبورت» الذي صدر بالتزامن مع أس أي أتش أتش أظهر أن ماركات الساعات الفاخرة سجلت نمواً بنسبة ١٢ في المئة من مبيعاتها على رغم التراجع الطفيف الذي أصاب القطاع.

 

+ -
.