لم تستطع زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية» مارين لوبن إخفاء ابتهاجها وتفاؤلها لدى إطلالتها على شاشة التلفزيون الفرنسي إثر صدور نتائج الدورة الأولى للانتخابات البلدية التي جرت الأحد، ووجّه خلالها الناخبون «صفعة قوية» للحزب الاشتراكي الحاكم.
ولعل لوبن الشخصية السياسية الفرنسية الوحيدة التي من حقها الابتهاج، لأن النتائج أكدت نجاح رهانها على تحقيق اختراق انتخابي غير مسبوق عبر 600 لائحة مثلت الجبهة اليمينية المتطرفة، مقارنة بـ 118 لائحة في انتخابات البلديات لعام 2008.
وأشارت النتائج إلى أن الجبهة انتزعت بلدية هينين بومون، التي تعد من المعاقل التاريخية لليسار، من الدورة الانتخابية الأولى، وتمكنت من البقاء في المنافسة حتى الدورة الثانية (الأحد المقبل) في نحو 200 مدينة، مع احتمال فوزها برئاسة ثلاث بلديات أخرى في جنوب فرنسا.
واعتبرت لوبن النتائج «استثنائية» وتؤكد رغبة الفرنسيين في «التغيير» والتخلص من التناوب بين اليمين واليسار التقليديين، لمصلحة طرف ثالث قالت إنه أكثر إصغاء لهواجسهم وتطلعاتهم.
ولم تشكل الصفعة التي تلقاها الحزب الاشتراكي مفاجأة، نظراً إلى عدم ثقة الناخبين المتزايدة بقدراته وجدوى توجهاته، ما حال دون تمكن مسؤوليه من إخفاء حجم الهزيمة التي ألحقها الناخبون به، بتذرعهم بالارتفاع القياسي لنسبة الامتناع عن التصويت، والتي بلغت أكثر من 38 في المئة، أو بالحديث عن الأوضاع الصعبة التي يواجهها الاشتراكيون في إطار عملهم على إصلاح أوضاع البلاد.
كذلك لم يخفف من حدة هذه الصفعة تهافت الشخصيات الاشتراكية للحديث عن «العقد الجمهوري» الذي يعتزمون اللجوء إليه لقطع الطريق على «الجبهة»، بدعوة ناخبيهم إلى الاقتراع لمصلحة مرشح يميني (معتدل) إذا كان على تنافس مع يميني متطرف.
ورأى مراقبون أن الاشتراكيين يسددون اليوم ثمن الأوهام والوعود التي واكبت حملة الرئيس فرنسوا هولاند الانتخابية في العام 2012، كما يسددون ثمن غياب الرؤية الواضحة لدى الفريق الحاكم الذي افتقر في مواقف عدة إلى غياب التجانس، إن لم يكن التباين.
وفيما تردد أن هولاند لن يدلي بأي تعليق على هذه النتائج وأنه يعتزم «القفز فوقها» والتفرغ لمسؤولياته على رأس البلاد، صرح رئيس الحكومة جان مارك هيرولت، بأن «كل القوى الجمهورية مسؤولة عن تأمين الظروف للحؤول دون تكريس الجبهة الوطنية نجاحها» في الدورة الثانية.
في الوقت ذاته، لم تحقق المعارضة اليمينية أكثر من نجاح متواضع، لأن الاستياء من أداء اليسار لم يصبّ في مدن عدة لمصلحتها، وتمكن اليمين المتطرف من قضم مواقعها والتقدم على مرشحيها.
ويبدو أن المعارضة تسدد هي الأخرى، ثمن الفضائح المتعددة وقضايا التنصت القضائي الذي طاول الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وعزز ريبة بعض الفرنسيين حيال الطبقة السياسية التقليدية.
و لدى تعليقه على النتائج، اعترف رئيس حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» (يمين) فرانسوا كوبيه، الذي احتفظ برئاسة بلدية مدينة مو من الدورة الأولى، بجدية الأوضاع، وقال إن الفرنسيين «عبّروا عن غضبهم»، ودعاهم إلى الاقتراع لمصلحة حزبه في الدورة الثانية، معتبراً أن الاقتراع لـ «الجبهة» يخدم هولاند في النهاية.
ومن المرتقب أن ينتزع اليمين مدناً عدة من الاشتراكيين في الدورة الثانية، في حين أن رئاسة بلدية باريس لا تزال محور منافسة حادة بين مرشحة اليمين نتالي كوسيسكو موريزيه و «الاشتراكية» آن هيدالغو، في ظل توقعات بأن يكون الفوز من نصيب الأخيرة.