السجائر الإلكترونية.. سم قاتل يروج عبر القارات

هناك مادة جديدة شديدة التنبيه بدأت تغزو الأسواق، وباتت تباع بكميات كبيرة. وهذه المادة هي النيكوتين بحالته السائلة النشطة القوية المفعول، والمستخلصة من التبغ المطعم بمزيج من المضافات، والنكهات، والألوان، والمواد الكيميائية المنوعة بغية تلبية طلبات صناعة السجائر الإلكترونية التي بدأت تنمو وتتوسع بسرعة.

* سموم عصبية

* إن هذه السوائل الإلكترونية «e – liquids» التي هي المكون الأساسي في هذه السجائر، هي سموم عصبية شديدة المفعول. فأي كمية ضئيلة منها سواء جرى ابتلاعها، أو امتصاصها عبر الجلد، قد تسبب التقيؤ والغثيان، والأزمات الصحية، وحتى قد تكون مميتة. ملعقة شاي واحدة منها، حتى ولو أذيبت في الماء، من شأنها القضاء على طفل صغير.

لكن السوائل الإلكترونية شأنها شأن السجائر الإلكترونية، لا تخضع لقوانين السلطات الاتحادية الأميركية، إذ يجري مزجها على أرضيات المعامل والمصانع وفي الغرف الخلفية للمحلات التجارية لتباع قانونيا في تلك المحال، وكذلك عبر شبكة الإنترنت على شكل قنان وزجاجات صغيرة التي تحفظ في المنازل لأغراض التعبئة المستمرة للسجائر الإلكترونية.

وقد شرعت في الظهور الدلائل على الأخطار الكامنة، فأخصائيو السموم شرعوا يحذرون من أن هذه السوائل الإلكترونية تشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة، ولا سيما الأطفال الذين قد ينجذبون إلى ألوانها الجذابة وأريجها العطر، مثل الكرز، والشوكولاته، واللبان ذي الفقاعات.

ويقول لي كانتريل مدير قسم سان دييغو لنظام التحكم بالسموم في ولاية كاليفورنيا، وأستاذ الصيدلة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: «ليس المهم متى يصاب الطفل بالتسمم أو يهلك، بل المهم متى؟» وقد قفز عدد الحوادث المرتبطة بهذه السوائل على صعيد البلاد كلها إلى 1.351 في العام الماضي، بارتفاع نسبته 300 في المائة مقارنة بعام 2012. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في العام الحالي، استنادا إلى المعلومات الصادرة عن النظام القومي للبيانات والمعلومات السمية. وعلى صعيد الحوادث التي حصلت في عام 2013 الماضي، أدخلت 356 حالة منها إلى المستشفيات، أي ثلاثة أضعاف رقم الحالات السابقة.

وعلى صعيد الخطورة الفورية تعتبر السوائل الإلكترونية أكثر خطورة من التبغ، نظرا لأن السوائل يجري امتصاصها بسرعة أكبر حتى ولو كانت بتركيزات مخففة.

* سجائر إلكترونية

* ويضيف كانتريل قائلا «هذا النوع من النيكوتين هو الأكثر فعالية على الصعيد السموم الطبيعية»، لكن السوائل الإلكترونية باتت تتوفر اليوم في كل الأمكنة، «فهي تباع في كل مكان، جاهزة متوفرة لجميع أفراد المجتمع».

وهذه الفورة التصاعدية في استخدام المواد السامة، لا تعكس النمو في استخدام السجائر الإلكترونية فحسب، بل تمثل أيضا تغييرا في التقنيات، ففي البداية كان الكثير من السجائر عبارة عن أشياء يجري التخلص منها بعد الاستخدام، والتي تبدو أشبه بالسجائر العادية. لكن شيئا فشيئا باتت أكبر حجما، ويمكن إعادة استخدامها بعد إعادة تعبئتها بالسائل، الذي هو عادة خليط من النيكوتين، والمطعمات، والمذيبات الأخرى، ففي ولاية كنتاكي في أميركا حيث 40 في المائة من الحالات تشمل أشخاصا بالغين، أدخلت إحدى النسوة إلى المستشفى تعاني من أزمة قلبية، بعدما انكسرت إحدى سجائرها الإلكترونية وهي في سريرها وقد تسرب السائل منها.

والاستخدام المفرط للنيكوتين السائل أوجد نوعا جديدا من العقاقير الترفيهية، ومثار جدل أيضا. فبالنسبة إلى محبذي هذه السجائر الإلكترونية، يمثل النيكوتين السائل وقودا من التقنيات الجديدة التي من شأنها أن تدفع الأشخاص إلى التخلي عن التدخين، وهذه تعتبر من الحكايات الطريفة، لكن لا توجد دراسات مطولة حول ما إذا كانت السجائر الإلكترونية أفضل من لبان النيكوتين، أو اللصقات التي توضع على الجلد لمساعدة الأشخاص على التخلي عن التدخين، كما لا توجد دراسات حول الآثار الطويلة الأمد الناجمة عن استنشاق بخار النيكوتين.

* إنتاج بلا قانون

* وخلافا إلى لبان (علكة) النيكوتين ولصقاته، لا تخضع السجائر الإلكترونية ومكوناتها الأساسية إلى أي أنظمة أو قوانين. وكانت إدارة الغذاء والدواء ألأميركية (إف دي إيه) قد ذكرت أنها تنوي تنظيم السجائر الإلكترونية وإخضاعها للقواعد المعمول بها، لكنها لم تعلن عن كيفية قيامها بذلك، في حين أن الكثير من شركات السجائر الإلكترونية هذه تأمل أن تكون هذه التنظيمات محدودة المفعول.

ويقول شب بول كبير مدراء «بالم بيتش فايبرز» الشركة التي مقرها طلسا في ولاية أوكلاهوما، التي تقوم بتشغيل 13 شركة بترخيص امتياز في جميع أنحاء الولايات المتحدة، والتي تنوي فتح 50 شركة أخرى هذه السنة، إن «الجميع يخشون تنظيمات (إف دي إيه)، لكن في الحقيقة نحن نرحب بنوع من هذه الأحكام والقوانين التي تنظم التعامل مع هذا السائل».

ويقدر بول إنه في العام الحالي ستبلغ مبيعات هذا السائل في الولايات المتحدة بين مليون ومليوني لتر لملء وتعبئة السجائر الإلكترونية، كما أنها ستتوفر بكثرة على الإنترنت. وتقوم شركة «ليكويد نيكوتين هول سايلرز» التي مقرها بيوريا في ولاية أريزونا، بفرض مبلغ 110 دولارات كسعر للتر الواحد من هذا السائل بتركيز نيكوتيني يبلغ 10 في المائة. وتقول الشركة على موقعها على الشبكة إنها تقدم عبوات بحجم 55 غالونا. أما شركة «فابورورلد.بز»، فتبيع الغالون بتركيز 10 في المائة مقابل 195 دولارا.

من جهتها تقول سينثيا كابيرارا المديرة التنفيذية لشركة «سموك فري أولترنايتفس ترايد أسوسيشن»، إنها أيضا تفضل التنظيمات والأحكام، بما فيها القناني المنيعة على الأطفال مع العناوين والإشارات التي تحمل التحذيرات والإنذارات، فضلا عن تحديد مستويات وقواعد للإنتاج. وأضافت أن الكثير من الشركات شرعت تقوم بذلك طوعا من تلقاء ذاتها، كما يتوجب على الآباء والأمهات أيضا تحمل بعض المسؤولية.

وتراوح مستويات النيكوتين في السوائل بين 1.8 و2.4 في المائة. ومن شأنها أن تسبب تقيؤا وغثيانا، لكن من النادر حدوث وفاة لدى الأطفال. لكن ثمة تركيزات أعلى تبلغ 10 في المائة و7.2 في المائة متوفرة بكثرة على الشبكة. ومثل هذه الجرعة القاتلة لا تتطلب أكثر من ملعقة شاي، استنادا إلى الدكتور كانتريل، الذي يقول إنها لا تقتل الطفل فحسب، بل الشاب اليافع كذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»

+ -
.