النمو الاقتصادي السريع الذي تشهده قطر ربما يتباطأ إن فقدت الحق في استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، غير أن هذه الدولة الصغيرة المساحة من الغنى بحيث إن الأثر في اقتصادها وأسواقها المالية سيكون أقل كثيراً من أثر الضربة المعنوية.
تراجع مؤشر البورصة القطرية 1.1 في المئة الإثنين الماضي، وهي نسبة أقل من نسب الانخفاض التي شهدتها البورصات الأخرى في المنطقة، بعد أن نشرت صحيفة «صنداي تايمز» ما وصفته بأنه دليل على أن مسعى قطر لاستضافة كأس العالم شابه فساد، وهو ما نفته قطر ومنظمو الحدث في بيان صحافي رسمي (تلقت «الحياة» نسخة منه) في حينه.
ومن الممكن التخلي عن خطط إنفاق بلايين الدولارات على بناء ملاعب إن أدت تلك المزاعم في النهاية إلى عدول «فيفا» عن قرار إقامة مباريات الكأس في قطر، التي يقطنها 2.1 مليون نسمة، ولا حاجة لها إلى بناء هذه الملاعب إن كان الأمر يتعلق بسكانها فحسب.
كما أن وتيرة إنشاء البنية التحتية المتصلة بهذه الملاعب بما في ذلك مد طرق وخطوط سكك حديد ربما تهدأ، بل وتتوقف تماماً، وربما تجمد الشركات العقارية مشاريع فنادق تضم آلاف الغرف الفندقية، كما سيضيع على قطر الدخل السياحي الإضافي المتوقع خلال إقامة المباريات وبعدها.
لكن قطر وهي أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، من الثراء بحيث يمكنها علاج مثل هذه العثرات الاقتصادية من دون أن يلحق بها ضرر طويل الأمد، بل إن بعض المحللين يعتقدون أن بإمكانها أن تستفيد من تباطؤ خطى التنمية.
وتقول رئيسة قسم البحث الإقليمي في بنك الإمارات دبي الوطني خديجة حقي: «ليست كل مشاريع البنية التحتية المزمعة مرتبطة بكأس العالم، فكثير منها مشاريع نقل ضرورية، ومشاريع لوجستية مطلوبة حتى وإن لم يقم كأس العالم في قطر».
وأضافت: «لكن من دون الحدث الذي يحتم موعداً محدداً للتسليم، فربما يتم إرجاء بعض هذه المشاريع أو تقليصها، هذا سيكون له تأثير سلبي في توقعات النمو في القطاعات غير النفطية خلال الأعوام القليلة المقبلة، لكنه ربما يكون إيجابياً بالنسبة للموازنة».
وكان وزير الاقتصاد قال هذا العام إن قطر ستستثمر نحو 664 بليون ريال (182 بليون دولار) على مشاريع البنية الأساسية، باستبعاد قطاع النفط والغاز على مدى الأعوام الخمسة المقبلة في واحد من أكثر طفرات البناء طموحاً في تاريخ المنطقة قياساً على مساحة قطر الصغيرة.
واقترحت قطر في مسعاها الأصلي لاستضافة كأس العالم بناء أو تجديد 12 ملعباً، على رغم أنها قالت في وقت سابق هذا العام إنها تعيد النظر في الخطة، وإن أقل عدد محتمل هو ثمانية، ولم تكشف عن الكلفة المتوقعة، لكن بعض الملاعب التي أقيمت لأجل مباريات كأس العالم التي ستقام في البرازيل هذا العام تكلف حوالى 300 مليون دولار أو أكثر.
والعمل الكبير في الملاعب القطرية لم يبدأ بعد، ومن المقرر إرساء العقد الرئيس المتعلق بالملعب الأول بحلول نهاية هذا العام، ومن المتوقع أن تفوز به مؤسسة مشتركة بين شركتين إحداهما محلية والأخرى أجنبية، بحسب ما تناقلت وسائل إعلام محلية.
لم تكن هناك حال من الذعر بقطاع الأعمال في قطر يوم الإثنين، وقال مديرو صناديق استثمار إن بعض المستثمرين في الأسهم شعروا بالقلق بسبب الجدل المحيط بكأس العالم، لكن قلة هي التي رأت احتمالاً لأن تفقد قطر الحدث.
وقال مسؤول تنفيذي بشركة إنشاءات مقرها قطر طالباً عدم نشر اسمه لحساسية الأمر: «ما من سبب يدعو إلى الخوف من أي إلغاء، من غير المرجح أن يحدث ذلك، وحتى وإن حدث ستكون الشركات محمية ببنود العقود المبرمة معها».
وكانت أسهم المصارف وشركات العقارات، وهي مؤسسات ربما تخسر أعمالاً إن تقرر سحب استضافة كأس العالم من قطر، من أسوأ الأسهم أداء يوم الإثنين، وتراجع سهم شركة بروة العقارية الكبرى 1.6 في المئة.
إلا أن الحكومة القطرية أبدت استعدادها وقدرتها على التدخل لحماية مناطق ضعف في اقتصادها، حين أعلن الذراع العقاري لصندوق الثروة السيادية خطة حجمها 7.1 بليون دولار لإنقاذ بروة المثقلة بالديون العام الماضي.
ومع تدفق إيرادات الغاز الضخمة، إذ إن فائض الموازنة القطرية بلغ 25.2 بليون ريال في ما بين نيسان (أبريل) وأيلول (سبتمبر) العام الماضي، سيكون بوسع الحكومة التدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر.
وكان النمو سريعاً جداً في الأعوام الأخيرة، حتى أن أي بطء في الإنفاق بقطاع التشييد في حال ضياع فرصة استضافة كأس العالم ربما لا يترك تأثيراً يذكر على الاقتصاد ككل، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 5.6 في المئة عما كان عليه قبل عام.
قال كبير مخططي الاستثمار بشركة محمد السبيعي وأولاده للاستثمار (ماسك) جون سفاكياناكيس: «السؤال هو: هل سيكون لذلك أثر كارثي في الاقتصاد؟ لا.. لا أعتقد هذا».
وأضاف: «سيستمر أداء الاقتصاد جيداً، سيخسر شيئاً بسيطاً بقطاعات البناء والتجزئة والفنادق».
الإبطاء من وتيرة البناء المتسارعة في قطر ربما يفيد البلاد في الواقع، إذ سيتيح للسلطات متسعاً من الوقت للتعامل مع نقاط عنق الزجاجة اللوجستية، وتجاوز التكاليف والزيادة في الطلب وكلها أمور مرتبطة بهذه المشاريع.
ومن المتوقع قدوم عشرات الآلاف من العمالة الأجنبية الوافدة للمشاركة في أعمال بناء الملاعب والبنية الأساسية المرتبطة بها، وهو ما يؤجج التضخم.
وحذر صندوق النقد الدولي في آذار (مارس) من أن الاستثمارات العامة على النطاق الذي تتصوره قطر ينطوي على مجازفة، تتمثل في زيادة الطلب على نحو يشعل التضخم على المدى القريب ثم يترك طاقة إنتاجية فائضة لا حاجة إليها على المدى المتوسط.
وبدر من المسؤولين القطريين بالفعل ما يدل على أنهم يعيدون النظر في الخطط تفادياً لمثل هذه المخاطر، وقالت مصادر على دراية بسياسة الحكومة لـ«رويترز» في مارس إن من المرجح أن تعيد قطر جدولة حوالى 15 في المئة من مشاريع البناء المزمعة خلال الأعوام المقبلة، في الوقت الذي تراجع فيه الموازنة لاستكمال الاستعدادات لاستضافة كأس العالم دونما تأخر.
في حين قال سفاكياناكيس إن ضياع كأس العالم إن حدث، ربما يساعد ببعض جوانبه الاقتصاد في تحقيق توازن صحـي.