قد يقف الواحد منا دقيقة صمت، حداداً على رجل توفي الأحد بعمر 82 سنة، واسمه كمال أمين قاسم، أو Casey Kasem كما عرفته البلاد التي هاجر أبوه إليها في أوائل القرن الماضي من لبنان، وفيها أبصر النور قبل 82 سنة، ثم كبرت معه أجيالها كأحد مشاهيرها طوال نصف قرن، من دون أن تراه، لأنها لم تكن تعرفه إلا من صوته المقبل عليها دائما عبر الراديو على متن موجة إذاعية.
وكانت حال قاسم الصحية، وهو أصلا من بلدة المختارة في قضاء الشوف اللبناني، تدهورت في الآونة الأخيرة ووصفوها بالحرجة في مستشفى بواشنطن أدخلوه إليه قبل أسبوعين، بعد معاناته من مرض الزهايمر ومشاكل عقلية ونفسية، إضافة إلى معاناته منذ 2013 من “الباركنسون” وفقدان قدرته على الكلام، وهو الذي امتهن الكلام عبر الإذاعات طوال حياته، حتى أصبح في عقده الثالث أحد أشهر الإعلاميين الموسيقيين وأبرز الأصوات الإذاعية الأميركية.
كيسي قاسم، هو إذاعي أشهر من نار على علم في أميركا التي كان يقدم فيها طوال أكثر من 39 سنة أشهر برنامج إذاعي في الولايات المتحدة، وهو “توب أميركان 40” في إشارة إلى أشهر 40 أغنية أميركية في كل مرة، لكنه تقاعد منذ 2009 وعاش وقتها يشهد بنفسه حربا بين زوجته الثانية، الممثلة جين قاسم، وابنته منها، وبين أخيه وأولاده الثلاثة من زوجته السابقة، موظفة البنك ليندا مايرز، على ثروة كان يملكها، وتزيد على 80 مليون دولار.
جندي في الحرب الكورية مولع بالأغاني
ولد قاسم في 1932 بضاحية ديربورن، بولاية ميتشيغن، ووالده أمين هاجر إلى هناك من لبنان، بعد أن مر بالمكسيك، ثم تزوج في 1929 .من أميركية، مثله من الطائفة الدرزية في بنسلفانيا، فانتقل معها إلى ديترويت، واشتغلا معا في محل افتتحاه للبقالة، طبقاً لما جمعت “العربية.نت” مما تيسر عنه من معلومات.
وفي الولايات المتحدة انخرط في الجيش الأميركي واشترك بين 1950 و1953 في حرب كوريا. ولأنه كان مولعاً بالغناء والإذاعات، عمل زمن الحرب في الإذاعة المحلية للجنود الأميركيين، بتقديم برنامج “ما يطلبه الجنود” الشبيه ببرنامج “ما يطلبه المستمعون” العربي، وهكذا بدأ هاوياً، ثم تحولت الهواية إلى مهنة حياته.
في 1970 اشترك مع ابن مهاجرين آخرين من لبنان، وهو دون بستاني، بتقديم “توب أميركان 40” حين كان الراديو هو المهيمن إعلامياً، خصوصاً في السيارات، والتلفزيون لم يكن انتشر كثيراً، إلى أن تقاعد قبل 5 سنوات، لكنه ظل يشرف على البرنامج الذي انتقل منه إلى التلفزيون، فعمل فيه مخرجاً.
وفي أفلام “سكوبي دو” الكرتونية، كان كيسي قاسم بين 1969 و1995 ثم من 2002 إلى 2009 صوت شخصية “شاغي” الذي كان معروفاً بفتى نهم وجبان. كما قام بأدوار عدة في برامج تلفزيونية وأفلام كرتونية وإعلانية، فبرز واشتهر، حتى وضعوا في 1995 اسمه في “قاعة مشاهير الإذاعات الوطنية”. ثم وضعوا في العام نفسه نجمة باسمه في أحد شوارع هوليوود، وحصل في 1997 على جائزة مجلة “بيلبورد” في نسختها الأولى، المعروفة باسم “أيقونة الراديو” الشهيرة.
“يا جين، أطلقي سراح والدنا”.
لأشهر قبل وفاته تداولت محكمة في لوس أنجلوس ما أصبح معروفا للأميركيين باسم “قضية جولي قاسم وآخرون ضد جين قاسم” وجولي هي ابنته من زوجته الأولى، فيما جين هي زوجته الثانية. أما الآخرون، فهم شقيقا جولي، مايك وكيري، إضافة إلى منير قاسم، وهو عمهم المتكاتف معهم في القضية التي أثارت اهتمام الإعلام الأميركي بصورة يومية تقريباً، خصوصاً في الشهرين الماضيين.
وكان قاسم تزوج في 1972 من الممثلة وموظفة البنك، ليندا مايار، وأنجب منها: جولي ومايك وكيري، وبعد 7 سنوات وقع بينهما الطلاق، تلاه بزواجه ثانية من الممثلة جين قاسم، فأنجبت ابنة واحدة سماها “ليبرتي” وهي التي وقفت في المحكمة إلى جانب والدتها فيما وقف شقيقه منير وأولاده من زوجته الأولى، مطالبين برؤيته بعد أن منعتهم منها زوجته الثانية، إلى درجة رفعوا لافتات أمام منزلها تقول: “يا جين، نريد أن نرى والدنا” كما و”يا جين، أطلقي سراح والدنا”.
وفي المحكمة، قال محامي الزوجة الثانية إنها تملك إقراراً قانونياً من زوجها كايسي قاسم، وقعه لها قبل 3 أعوام، بأن ترعاه عندما يكبر في السن ويعجز عن الوعي، فاعتمدها القاضي كوثيقة أبطلت وثيقة أخرى وقع عليها قاسم قبل 5 سنوات، لذلك أيدت المحكمة في نوفمبر الماضي حق زوجته الثانية فقط برعايته، وأمرت الجانبين بحل المشكلات بينهما سلمياً، سواء زيارته أو تقسيم ثروته.
كايسي قاسم وارتباطه بالجذور
افتخر قاسم بجذوره العربية دائماً، وقال في مقال كتبه إن العرب الأميركيين يحدثون فرقاً في الحياة الأميركية، ونبه إلى “تميّز الكثيرين منهم بالإبداع والشجاعة، إضافة إلى ولائهم للولايات المتحدة لأكثر من 100 سنة” كما قال.
وكتبوا عنه أنه “كان من هؤلاء العرب الأميركيين الذين وقفوا على خط الجبهة مدافعاً عن الحريات والحقوق المدنية ضد سلطة غالباً ما كانت تصنفهم بتصنيفات عرقية وعنصرية” على حد ما قال لموقع “راديو سوا” المرشح السابق للرئاسة الأميركية، الناشط الحقوقي واللبناني الأصل رالف نادر.
ومع دفاعه عن القضايا العربية كان كايسي قاسم مدافعاً متحمساً طوال حياته عن السلام وحماية البيئة، والحقوق المدنية، وداعماً للحملات ضد التدخين، ومن أنصار الأكل الصحي، ومناهض أكبر للتمييز العنصري، لذلك عمل بلا هوادة على تعزيز ثقافة ومساهمات العرب الأميركيين، فلعب دوراً رئيسياً في تأسيس المنظمات الوطنية الخاصة بتوعية العرب الأميركيين وبنشاطهم، وتحدث باسمهم في كثير من القضايا السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ولكايسي قاسم كتيّبا، وضعه بعنوان “العرب الأميركيون: صناعة الفرق”، ونشره له “المعهد العربي الأميركي” قبل 7 سنوات. كما قام بدور الراوي المعلّق في الفيلم الوثائقي “الحرية المسروقة: فلسطين المحتلة”. كما له عبارة شهيرة رددها مئات المرات، وأصبحت للأميركيين ماركة مسجلة باسمه، إلى درجة أنه كتبها في 2009 تحت توقيع عقد التقاعد: “أبقِ رجليك على الأرض وتطلع للوصول إلى النجوم”.