تتتبّع ساعة أبل الجديدة حالتك الصحية، ويعمل تطبيق “غوغل الآن” على جمع المعلومات اللازمة لحساب الوقت المثالي لمغادرتك إلى المطار، ويخبرك موقع أمازون بالكتب التي تريدها والبقالة التي تحتاج إليها والأفلام التي ستنال إعجابك، ويبيعك الحاسوب اللوحي الذي يمكّنك من طلب هذه الأغراض وغيرها. وزيادة على ذلك، ثمة خدمة جديدة تمكنك من تشغيل إنارة بيتك عندما تقترب منه، بل وضبط درجة الحرارة داخله وفق اختيارك.
إن هذا الجمع والدمج بين خدمات رقمية وأجهزة مختلفة، عملية مصممة لجعل حياتنا أكثر سهولة، وليس هناك من شك أنها نجحت في هذا بالفعل.
ولكن، هلا توقفنا ولو للحظة كي نطرح بعض الأسئلة الجوهرية، سواء على أنفسنا أو على الشركات التي نأتمنها على القيام بكل هذه المهام؟ وهلا وضعنا في الحسبان التكاليف المحتملة التي قد تترتب على كل هذه الراحة وسهولة الحياة اليومية التي نحصل عليها، وسألنا أنفسنا: هل يستحق كل هذا ما ندفعه من ثمن؟
الواقع أنه في كل مرة نضيف إلى حياتنا جهازاً جديداً، نستغني عن قطعة صغيرة من ذواتنا، ونحن نفعل هذا غالباً دون أن نعرف شيئا يذكر عمن قد يحصل على هذه القطعة، ناهيك عما إذا كان من يحصل عليها يشاركنا نفس الأخلاقيات والقيم.
ربما يكون لدينا فهم بسيط وسطحي لما تفعله الشركات ببياناتنا. لكن الأشخاص الفعليين الذين يديرون تلك الشركات، بعيداً عن عملية التسويق، هم بلا وجوه أو أسماء، ونحن لا نعلم إلا القليل عنهم، بينما من المؤكد أنهم يعرفون الكثير عنا.
لعنة
قبل جيل واحد فقط كان مجرد التصور بأن الشركات التي نتعامل معها بوسعها أن تعرف أين نحن أو ماذا كنا نشاهد أو محتوى سجلاتنا الطبية، يجعلنا نشعر وكأن لعنة تطاردنا.
كانت المنظومة الشاسعة من التفاصيل عن معلوماتنا الشخصية موزعة على نطاق واسع، فالبنك يعرف جزءاً منها، والطبيب يعرف جزءاً آخر، وتعرف سلطات الضرائب جزءا ثالثا. ولكن كل هذه الجهات لم تكن تتواصل فيما بينها بشأن بيانات الأفراد عادة.
والآن تعرف شركات مثل أبل وغوغل كل هذه التفاصيل وتخزنها في مكان واحد في المتناول، وهو أمر عظيم عندما نتحدث عن سبل الراحة، ولكنه ليس عظيماً إلى هذا الحد إذا قررت هذه الشركات استخدام المعلومات على نحو لا نوافق عليه مسبقا.
وعلى نحو مماثل كانت بيانات الرعاية الصحية تعتبر خاصة، وكانت هذه السرية تجعل المرضى أكثر انفتاحاً وصراحة عندما يتحدثون مع العاملين في مجال الرعاية الصحية.
ومع تداخل الحدود بين الرعاية الصحية والتقنية، شرع بعض مصنعي الأجهزة الإلكترونية والبرامج التي تطبق عليها، في ممارسة الضغوط لإعفاء منتجاتهم من اعتبارها أجهزة طبية، وبالتالي إعفائها من المتطلبات التنظيمية الخاصة بالأمانة وحماية البيانات.
الواقع أن الخصوصية مجرد جزء من مناقشة أوسع تدور حول ملكية البيانات واحتكارها وأمنها ومنافستها، وهي تدور أيضاً حول السيطرة والمصير. والأمر يتعلق بالاختيار واتخاذ القرار مسبقا حول الكيفية التي تستخدم بها بيانات الناس، وكيف يستخدم الناس بياناتهم الخاصة.
بروتوكولات
تعمل الشركات ذات الخبرة على إدخال بروتوكولات رسمية تدريجيا، وتشمل ما يسمى “ضباط الأخلاق” و”لجان المخاطر” وغير ذلك من الهياكل التي تراقب كيفية جمع البيانات واستخدامها، وإن لم يكن ذلك بنجاح في كل الأحوال.
إن الناس يحبون التطبيقات الجديدة ويجربونها، فيمنحون حق الوصول إلى حساباتهم على فيسبوك أو تويتر دون التفكير كثيراً في هجرة البيانات الخاصة بهم من الشركات الكبيرة التي تمارس قدراً معقولا من الرقابة، إلى شركات ناشئة صغيرة لا تتمتع بهياكل وحدود صارمة.
ويعتقد المستهلكون أو يتوقعون أن شخصاً ما في مكان ما يسهر على أداء هذه المهمة، ولكن من يكون ذلك الشخص على وجه التحديد؟ فالتشريعات الخاصة بحماية البيانات الشخصية في أوروبا ليست شاملة، ويفتقر القسم الأعظم من بقية العالم إلى الحد الأدنى من الضمانات البدائية.
وبعد استكشاف هذه القضايا مع المشرعين في العديد من البلدان على مدى الشهرين الماضيين، بات من الواضح تماماً أن كثيرين ليس لديهم فهم كامل لعدد من القضايا لا يمكن حصره وتحتاج إلى النظر والاعتبار.
على المدى القصير يتعين على الشركات الناشئة أن تنظر إلى الأخلاق ليس كوسيلة للتحايل والتسويق، بل بوصفها حقاً أساسيا.
وينبغي لكل المنظمات المختصة أن تستمر في تأكيد دور ضباط الأخلاق أو أي شكل من أشكال عمليات المراجعة التي يقوم عليها أشخاص قادرون على تقييم كل العواقب المترتبة على أي فكرة تبدو عظيمة تنتجها لنا الثورة الرقمية. ويتعين على المشرعين أن يثقفوا أنفسهم ويمارسوا المزيد من الإشراف والرقابة.
أما على المدى البعيد، ومع انتقالنا نحو تمكين جميع سكان العالم من الوصول إلى خدمة الإنترنت، يتعين علينا أن نسأل: كم جزءا من ذواتنا نحن على استعداد للتنازل عنه؟ وماذا يحدث عندما تصبح المشاركة في المعلومات إلزامية، وعندما يكون من متطلبات الوظيفة الإفصاح عن الحساب الشخصي على فيسبوك، وعندما تحجب الخدمات الصحية ما لم يقدم المريض بياناته التاريخية على تطبيق “فيتبيت”؟
إذا كان هذا هو المستقبل الذي نريده، فيتعين علينا أن نسير بخطوات واسعة نحوه بوعي كامل وحس ناضج بالهدف، لا أن نتسكع بلا مبالاة إلى أن نسقط في بئر سحيقة لا خروج منها، ثم نتساءل: كيف وصلنا إلى هنا؟
_______________
* الرئيسة التنفيذية لمؤسسة ماركوس لاستشارات المشاريع
المصدر : بروجيكت سينديكيت