من دورة تعليمية متواضعة في التمثيل والتدريب المسرحي، انطلق مسرح عيون في الجولان المحتل، كأحد مشاريع جمعية الجولان لتنمية القرى العربية، وبمبادرة من الكاتب الجولاني معتز أبو صالح، فكانت حجر الأساس لمسيرة مسرح عيون المتميزة التي انطقلت في العام 2004، بهدف إثراء النشاطات الثقافية في الجولان المحتل وإدخال الوعي المسرحي الذي ،حتى ذلك الوقت، كان غائبًا في فضائنا الجولاني.
ونظرًا لانعدام الطاقات المسرحية في الجولان، كان لا بد من الاستعانة بأصدقاء مسرحيين فلسطينين، خصوصًا المخرج والممثل إيهاب سلامة، الذي بدأ معنا المشروع كمؤسس وليس مرشدًا وحسب، وعلى مدى ستة أشهر عمل على تدريب مجموعة من الصغار على أسس التمثيل المسرحي، وتم خلال التدريب، وبمرافقة معتز أبو صالح، كتابة مسرحية تعبر عن حقيقة هؤلاء الصغار وعن أحلامهم في فضائنا الضيق، ومن هنا جاءت تسميتها “لعبة” الأحلام”..
“لعبة الأحلام” جعلت البداية المتواضعة في المسرح حلمًا قابلاً للتحقيق، وجعلت القائمين على هذا المشروع أكثر تصميمًا على المتابعة، ليصبح مشروع المسرح من أولويات العمل الثقافي في جمعية الجولان للتنمية، وتطويره مضمونًا وشكلاً، فأطلق عليه اسم “مسرح عيون” ليكون ذا هوية وعنوان.. ومن يتتبع مسيرة هذا المسرح يلاحظ أنه بدأ يفرض نفسه بنفسه، ولم يكن بوسع القائمين عليه إلا الإخلاص لوجوده.
ومن ناحية أخرى، كان تقبل فكرة المسرح جماهيريًا دافعًا آخر للاستمرار، فقد ازداد عدد المنتسبين لتعلم المسرح، وبنفس الوقت ازداد عدد المتابعين له، خصوصًا أن شعاره كان “المسرح حياة”. فقد فتح المسرح أبوابه للجميع، وأثبت لهم أن كل من يملك الرغبة والطموح باستطاعته اعتلاء خشبة المسرح.
ومن ناحية أخرى اهتم مسرح عيون بإتاحة المجال لكل الطلاب الراغبين في الاستمرار بالتعليم المسرحي، فهناك عدد كبير من الذين بدأوا مشوارهم المسرحي مع انطلاقة المشروع لا زالوا يكبرون معه، وهناك عدد من الطلاب الذين اختاروا أن يكون مستقبلهم في عالم المسرح ويتابعون دراستهم في معاهد عليا.
منذ بدايته، لا يزال مسرح عيون بعملية ارتقاء مهني، وهذا ما تعكسه الأعمال المسرحية التي قام بها. فكل عمل جديد يحمل أبعادًا جديدة في المسرح. ومن دورة واحدة تشكلت مدرسة في المسرح، تعمل على دورات وورشات مختلفة في أساليب المسرح، هذا بالإضافة إلى الارتقاء في الشكل. فمن ساحة استخدمت في البداية لتكون مسرحًا أصبح هناك قاعة مجهزة بكل مستلزمات المسرح، بالإضافة إلى تراكم طاقات فنية وتقنية محلية.
أثبت “مسرح عيون” نفسه كحقيقة في الجولان المحتل وخارجه، وأثبت أنه رغم الاحتلال والحصار الثقافي وشحة المصادر المالية من الممكن خلق حالات ثقافية متميزة، قد تتفوق على مشاريع مفعمة بالأموال.. اختار مسرح عيون أن يكون بين الناس، يحكي عنهم ويحكون عنه. يحاكي همومهم وواقعهم، وبنفس الوقت يتواصل مع المسرح الفلسطيني، سيما وأنه تأسس بجهود جولانية وفلسطينية. فقد عمل على تطويره ودعمه ثلة من الفنانين الفلسطينين: إيهاب سلامة، أشرف حنا، نعمة زكنون، خليفة ناطور، نزار زعبي، فراس روبي، إيهاب بحوث، ريمون حداد، آمال قيس وغيرهم.
لقد أكد أهالي الجولان أن تطورهم وارتقاءهم الثقافي منوط بعزمهم وإرادتهم الذاتية، حيث أن جميع المشاريع الثقافية والاجتماعية هي نتاج لمبادرات جولانية بحتة، ودعم جماهيري من أجل مواجهة سياسة الاحتلال وفرض ثقافة محلية وتواصل مع ثقافتنا العربية. إن رفضنا للتعامل مع المؤسسات الإسرائيلية يحتم علينا أن نتجند لدعم مشاريعنا وتطويرها، كل حسب قدراته. منذ تأسيسه أكد مسرح عيون-الجولان للتنمية على أنه بيت لكل جولاني. وبالفعل فقد قام الكثيرون بدعمه معنويًا وماديًا. نأمل أن يستمر هذا الدعم من أجل إكمال هذه المسيرة المسرحية والمضي بها قدما، وندعو كل من يرغب بأن يدعم هذا المسرح قدر استطاعته.
توّج مسؤح عيون هذه المسيرة عبر تبني مهرجان الجولان للثقافة والفنون. وكانت البداية في العام 2010، بوضع حجر الأساس لأول مهرجان ثقافي فني في الجولان استمر طيلة أسبوعين، أطل الجولان من خلالها على الفضاء الثقافي الفلسطيني في المسرح والاغنية والفنون، ولامس المشهد الثقافي الفلسطيني وجه الجولان الثقافي. من هنا ارتقى فضاؤنا الثقافي ليؤسس حركة ثقافية فنية نطمح أن تستمر وتتواصل وترتقى أكثر….
مهرجان الجولان الخامس للثقافة والفنون هو استكمال لتلك البدايات المتواضعة.. نأمل دعمكم ومساندتكم دوماً….
بلنجاح والتوفيق