ربما يكون أمرا عاديا وإنسانيا أن ينتشر في ربوع ألمانيا شعور بعدم الأمان بعد الهجوم المسلح على الصحيفة الفرنسية الساخرة “شارلي إيبدو” وما أعقبه من غضب وحزن بسبب الضحايا الذين سقطوا فيه. وهو ما دفع صحف ألمانية لزيادة الحراسة على مبانيها، لاسيما الصحف والمجلات التي نشرت في الماضي رسومات لشارلي إبيدو.
وفقا لأجهزة الأمن الألمانية فإنه لم يطرأ تغيير على الترتيبات الأمنية بعد ذلك الحادث الإرهابي لأن الوضع الأمني لا زال مصنفا بأنه “شديد الخطورة”، وهو ما يعني إمكانية حدوث هجمات إرهابية على الأراضي الألمانية، بالرغم من أنه لا توجد أدلة على خطط محددة لشن هجمات على أمكنة معينة.
الأمان التام مسألة مستحيلة
“أندرياس أرمبورست” المختص بعلم الإجرام من جامعة ليدز يؤكد في حديث له مع DW أنه “من الصعب إيجاد حماية كاملة لمنع تكرار ما حدث في باريس، إذ إنه مادام وجد الإرهابيون، الذين هم على استعداد للقيام بهذا العمل، فإن الخطر سيظل قائما وسوف يجدون منفذا للقيام بهجماتهم.
وحتى الآن لم تشهد ألمانيا عملا إرهابيا أوقع قتلى إلا عملا واحدا فقط، هو حادثة إطلاق النار في مطار فرانكفورت، في مارس 2011. إذا قام شخص أصوله من كوسوفو بإطلاق الرصاص على جنود أمريكيين في المطار، فقتل اثنين منهم. مع العلم بأنه كانت هناك في ألمانيا محاولات للقيام بأعمال إرهابية، إلا إنها إما فشلت أو تم إحباطها. ومع ذلك فإن الخطر لا زال قائما خاصة مع الارتفاع الكبير في أعداد السلفيين في ألمانيا، الذين تضاعفت أعدادهم في السنوات الثلاثة الأخيرة لتشير تقديرات إلى أنهم أصبحوا اليوم سبعة آلاف سلفي، أخطرهم بصفة خاصة هم العائدون من سوريا والعراق.
وطبقا للأعداد الرسمية، فإن هنالك حوالي 600 جهادي ألماني، ذهبوا للقتال في مناطق ما يعرف بـ “الدولة الإسلامية”. لكن بعض المراقبين يعتبرون أن هذا عدد ضئيل ويرجحون أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك، كما هو الحال مع “أحمد منصور” الخبير في علم النفس وفي شئون الإسلام، والذي يرجح “وجود حوالي 1500 حتى 2000 جهادي ألماني في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا.” وطبقا للترجيحات الأمنية فان عدد العائدين منهم إلى الأراضي الألمانية يقدر بـ180 شخصا .
العائدون من سوريا ثلاثة أصناف
ويصنف الخبير والباحث في شؤون التطرف بالكلية الملكية في لندن “بيتر نويمان” هؤلاء الجهاديين العائدين إلى الأراضي الألمانية، إلى ثلاث مجموعات مختلفة يجب أن تلقى كل مجموعة منهم تعاملا مختلفا. ووفقا لنويمان فإن المجموعة الأولى هي مجموعة “الخطرين” ونسبتهم بين العائدين هي حوالي 10 بالمئة. وهؤلاء “يشكلون خطرا حقيقيا على ألمانيا وذلك لاستعداهم في أن ينخرطوا في أعمال إرهابية ويجب على الدولة أن تلاحقهم قضائيا وتدخلهم السجون وأن تحمي المجتمع من أخطارهم”.
أما المجموعة الثانية فهم “من أصيبوا بصدمة” وبعضهم أصيب باضطرابات نفسية أيضا. وينصح نويمان في حديثه معDW بتوفير العلاج النفسي لهؤلاء سواء عن طريق رعايتهم نفسيا أو حتى وضعهم في مستشفيات. أما المجموعة الثالثة فهم الذين أصيبوا بإحباط، وخيبة أمل مما شاهدوه على أرض الواقع في سوريا والعراق، وعادوا بعدها إلى ألمانيا.
أحد الأخوين كواشي ـ اللذين قاما بالهجوم المسلح على الصحيفة الفرنسيةـ كان ناشطا في تجنيد الجهاديين الذاهبين للعراق وحوكم بالسجن ثلاث سنوات، مكث منها 18 شهرا، إلا أنه ظل متشبثا بأفكاره المتطرفة. ويؤكد “رافايلو بانتوتشي” الخبير الأمني من لندن أن “السقوط في فخ التطرف في السجن هو أمر خطير ووارد، حيث يحدث أن يسجن أناس ويلتقون في السجن مع متطرفين ينقلون إليهم أفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة”.
مخاوف من المقلدين
بالنسبة لبانتوتشي فإن “خطر هذه العملية يكمن أيضا في إمكانية تقليدها، حيث قوبل الهجوم المسلح في باريس بإعجاب وتهليل من قبل المتطرفين الإسلاميين على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو ما يدعو للخوف من إمكانية تكرار هذه العملية.” كما أن تنظيم “الدولة الإسلامية” استخدم الحادث الدموي في دعايته، وهو ما يشكل تحديا للمسؤولين عن الأمن في ضرورة مراجعة الملفات الأمنية حتى لهؤلاء الذين اعتنقوا أفكارا متطرفا وربما أيضا حصلوا على تدريبات وأثاروا شكوكا رغم أنهم لم يرتكبوا جرائم، ناهيك عن أولئك الموجودين فعلا في السجون.”
في ألمانيا صنفت الأجهزة الأمنية حوالي 260 شخصا كـمصدر”خطر”. وتعتقد الأجهزة الأمنية أن بإمكان هؤلاء الانخراط في عمليات إرهابية. لكن مسألة المراقبة الكاملة لهم تتطلب عددا أكبر من العاملين بالأجهزة الأمنية لذلك يتم تصنيفهم طبقا لخطورتهم وتحديد نوع مراقبتهم. بيد أن هذه الوسيلة قد لا تكون ناجعة بل وربما تكون فاشلة. فبحسب أقوال وزير الداخلية الفرنسي” برنار كازانوف” فإن الأخوين كواشي كانا أيضا مراقبين من قبل السلطات الفرنسية لخطورتهما، “إلا أن الأجهزة الأمنية الفرنسية لم تتمكن من معرفة دلائل تشير إلى اقترابهم من القيام بهجوم إرهابي وشيك”.