بعد أن انتهت الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، تحول الاقتصاد العالمي والسياسيات المرتبطة به تدريجيا إلى سياسة «العولمة»، حيث قادت الولايات المتحدة، ومعها دول حليفة، جهود كسر الحواجز التجارية وفتح مسار التعاون الدولي بهدف النمو الاقتصادي العالمي ورفع القرارات الحمائية. وخلال هذه الفترة، كانت القوى العظمى في العالم والمصالح التابعة لها تركز على تهديدات مرتبطة بشكل أكبر بالاقتصاد، إلا أنه مع اضطرابات العام الماضي، باتت النزاعات بين الدول أكبر تهديد يواجه العالم.
ووجد استطلاع سنوي يقوم به «منتدى الاقتصاد العالمي» لآراء 900 من القيادات في مجالات السياسية والاقتصاد والإعلام أن النزاعات بين الدول تمثل أكبر تهديد من حيث الأكثر احتمالا، بينما اعتبروا أن أزمات المياه سيكون لها أكبر ضرر في حال وقوعها. وقال المدير التنفيذي لـ«منتدى الاقتصاد العالمي»، إسبن بارث إيد، إنه «مع انتهاء الحرب الباردة، كانت الهموم الأكبر من الدول الفاشلة والضعيفة، اليوم نرى مخاوف من دول قوية تتصارع».
وأضاف: «الأزمات الدائرة أدت إلى إضعاف الحوكمة الدولية وتراجع الثقة بين الدول، وبين الحكام وشعوبهم». يُذكر أن التقرير الذي نشره «منتدى الاقتصاد العالمي»، أمس، بعنوان «التهديدات العالمية لعام 2015» يسعى إلى رصد تصورات حول المخاطر على مدار العقد المقبل.
ورأى إيد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» التهديدات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط مزيجا من التهديدات من اللاعبين غير الحكوميين، مثل المجموعات المسلحة من جهة، والتهديدات من المواجهات بين الدول من جهة أخرى، موضحا: «الصراع على أجزاء من العراق وسوريا ليس فقط بسبب اللاعبين الأحاديين داخل البلاد، بل أيضا من قبل الدول الكبرى التي تدعم الأطراف المختلفة». وهذه التهديدات ستكون على رأس أجندة القادة المجتمعين.
ومن جهة أخرى، تحدث إيد عن تأثير انخفاض أسعار النفط على الساحة الدولية، قائلا: «انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى تحول جيوسياسي، وسيشكل تحديا للمفاوضات حول قضايا البيئة، لأن مشتقات النفط باتت أرخص بكثير من مصادر طاقة أخرى».
ولفت إلى أن «انخفاض النفط وانخفاض قيمة الروبل يؤثران على الاقتصاد الروسي، وقوة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين زادت تماشيا مع ارتفاع أسعار النفط حتى الآن.. ولا نعلم كيف ستكون تبعات انخفاض أسعار النفط». وأضاف في تصريحاته على هامش مؤتمر صحافي لإطلاق التقرير في لندن، أمس، أنه «لا يمكن التكهن حول الأسعار، فلا أحد يعرف، ولكن علينا أن نستعد لفترة طويلة من الأسعار المنخفضة».
وحسب التقرير الذي نشر أمس، فإن الخوف من اندلاع نزاع دولي حل بذلك محل تزايد الهوة بين الأغنياء والفقراء، وكذلك الخوف من حدوث أزمة مالية جديدة، كأكبر خطر على الاقتصاد العالمي. وأكد إيد أن اجتماع المنتدى الاقتصاد العالمي في منتجع دافوس في سويسرا، الأسبوع المقبل، سيسعى إلى الوصول إلى حلول لمواجهة هذه التحديات والتهديدات. وأوضح: «الهدف من تحديد هذه التهديدات هو دفع الأجندة حول كيفية منع حدوثها، وتمكين القيادات حول العالم من التعاون في معالجتها».
واعتمد معدو الدراسة على استطلاع آراء نحو 900 مدير شركة وعالم اقتصاد على مستوى العالم. كما أظهرت الدراسة تزايد الخوف من حدوث أزمات حكومية وتفكك الدول «حيث عاد العالم بعد 25 عاما من سقوط سور برلين ليواجه نزاعا بين الدول يجب تجنبه»، وذلك في ضوء الأزمة الأوكرانية، حسبما أوضحت مارغريتا درتسينيك، الخبيرة بالمنتدى الاقتصادي العالمي، التي أشرفت على الدراسة.