تحوّلت ألمانيا في السنوات الماضية إلى بلد يقصده المهاجرون والأجانب من كل أنحاء العالم، إذ بلغ عدد المهاجرين الذين استقروا فيها عام 2013 نحو 465 ألفاً، أي أكثر من أي بلد أوروبي آخر. ومقارنة بعام 2007، تضاعف عدد الذين قرروا البقاء فيها، فيما احتلت الولايات المتحدة في العام ذاته المرتبة الأولى عالمياً لجهة عدد المهاجرين إليها الذي بلغ 989 ألفاً، تلتها ألمانيا للعام التالي على التوالي.
وأشارت دراسة نشرتها «المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والإنماء» أخيراً إلى أن «تحسناً واضحاً حصل في مسألة اندماج هؤلاء في سوق العمل الألمانية»، مضيفة أن «مشكلة عدم تحدث المهاجرين اللغة الألمانية، خصوصاً الشباب منهم، لا تزال مشكلة وتعرقل إفادتهم من فرص العمل المتوافرة». وقال خبير المنظمة توماس ليبيغ «ألمانيا أصبحت محرّك الهجرة في أوروبا، والأرقام الأولية عن عدد المهاجرين إليها خلال العام الماضي تشير إلى تجاوز الرقم المسجّل عام 2013»، كاشفاً في الوقت ذاته أن 76 في المئة من الأجانب يأتون من دول أوروبا الشرقية والجنوبية خصوصاً. ونقلت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة أخيراً عن «غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية»، تشديد المنظمة الأوروبية في دراستها «على ضرورة عدم تجاهل أفضليات الهجرة على المدى الطويل»، داعية إلى النظر إلى المهاجرين «على أنهم طاقات، وأن دعم الاندماج استثمار في المستقبل وليس مشكلة».
وخلال قمة الاندماج الأخيرة، التي عقدت في مقر المستشارية الألمانية في برلين، ناقش المشاركون من ممثلي الحكومة والولايات والاقتصاد والنقابات العمالية ومنظمات الأجانب في البلاد، السبل الأفضل لتأمين فرص التعليم والتدريب المهني لهم ولأولادهم. ودعت المستشارة أنغيلا مركل في ختام أعمال القمة، المجتمع الألماني والشركات إلى الانفتاح أكثر على المهاجرين، كما على الألمان من أصل أجنبي. واعترفت «بواقع وجود تمييز على أساس الجنسية»، وتوجهت إلى مواطنيها بالقول: «الاندماج ليس سكة باتجاه واحد، وهذا يعني أن على المهاجرين الاندماج في المجتمع، ولكن على المجتمع الألماني الانفتاح عليهم في المقابل أيضاً».
وإذ شددت «على أهمية التحصيل العلمي والمهني للأجانب والحصول على تخصص مماثل للألمان»، لفتت مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج أيدان اوزوغوس، وهي من أصل تركي، «إلى ضرورة إقناع المهاجرين بالقيمة العالية للتدريب المهني». وأيدت مطلب مركل بتأمين مساعدين دائمين لهم خلال فترة التدريب المهني كي يستوعبوا في شكل أفضل ما يتلقوه من تدريب وتعليم. بدوره أعلن رئيس اتحاد النقابات العمالية الألمانية راينر هوفمان أن «الاتحاد مستعد بالتعاون مع الوكالة الاتحادية للعمل لتنفيذ برنامج مهني لتدريب 10 آلاف شخص من أصل أجنبي».
وعلى عكس الرأي السائد بأن الأجانب في ألمانيا يشكلون عبئاً على صناديق البلاد الصحية والاجتماعية، أظهرت دراسة للمعهد الألماني للبحوث الأوروبية «زد اي في» أجريت بتكليف من «مؤسسة برتلسمان»، أن العكس الصحيح، إذ إن الـ6.6 مليون عامل أجنبي في ألمانيا زادوا مدخرات هذه الصناديق بمقدار 22 بليون يورو خلال فترة عملهم. وأشارت الدراسة إلى أن كل فرد من هؤلاء يدفع لهذه الصناديق في المتوسط نحو 3300 يورو ضرائب واشتراكات سنوية، أكثر مما يحصل منها على خدمات طبية واجتماعية.