عبّرت طفولة لينا شاماميان عن ولادة «مغنية عالمية». وتصر ابنة دمشق على مواجهة أصعب الظروف، وهي حاضرة الإرادة، وذلك ما دفع مديرة مدرستها لإقناع أسرتها بما تكتنزه من «موهبة مجنونة ساطعة الملامح».
https://www.youtube.com/watch?v=V5IPdKT20hk
ولم يكن سهلاً، كما لم يكن صعباً لعائلة تقدر الفن، دفع طموحات طفلة موهوبة نحو طريق خُلقت من أجله. وعلى رغم أن والدها أرمني، ووالدتها سيريانية، إلا أنها تعلمت في مدرسة فرنسية، ما صاغ ثقافتها بمزيج متنوع من الحضارات، انعكس إيجاباً على خامة صوتها النادرة.
وكان واضحاً للأسرة الراقية بزوغ نجمة في العائلة المكونة من خمسة أفراد. لكن ذلك التصور لم يكن واضح الملامح.
وقالت لينا لـ «الحياة»: «أخبرتني أمي بأنها أصرت أن تلدني في دمشق، علني أكون مشهورة ذات يوم، ويكون اسم دمشق حاضراً، ولا أعرف إن كان ذلك إحساساً باطنياً. وكنت أسهر مع جدتي كل خميس، نشاهد النجمة أسمهان وتلفتني طريقة لباسها ورقصها. وقالت لي: أريد لك مستقبلاً مميزاً، يختلف عن كل الفتيات».
وأضافت: «حين كنت في الخامسة من عمري، بهرت من أغنيات تعلمها أشقائي، ويرددونها فور عودتهم من المدرسة. كنت مبهورة بذلك، وأتساءل عن هذا الشيء الذي يُدعى المدرسة، ويعلمهم ما نال إعجابي، وحفظت ما رددوه بصمت. وحين التحقت بالمدرسة كنت أول طالبة تردد الأغنيات غيباً، ما لفت مديرة المدرسة لموهبتي، وجعلها تصرّ على الحديث مع أسرتي، وقدمت أولى حفلاتي انفرادياً، وظلت الموسيقى حاضرة طوال مشواري الدراسي، من خلال حفلات العائلة».
وتخرجت شاماميان بعلامات عالية، إلا أن عائلتها أصرت على أن تتخصص في مجال آخر، «لعدم وضوح مستقبل البيئة الموسيقية، وفي حال ضاقت بي الدنيا لدي تخصص آخر. وتخصصت في إدارة التجارة، وعلى رغم أنني لست مع الفكرة، إلا أن الدراسة مهما كان تخصصها لا خسارة فيها، فالاقتصاد علمني دراسة المنطق وأسلوب العيش».
ورفضت شاماميان منحة لإكمال الدراسات العليا في جامعة السوربون، من أجل «عين الموسيقى»، وقالت: «اتجهت إلى المعهد العالي للموسيقى في سورية، وعارضت أسرتي الأمر في البداية، فمن وجهة نظرهم؛ كان ينبغي عليّ السفر إلى فرنسا، وأمام إصراري اقتنعوا بأن بيئة العمل في الموسيقى تشبه أي عمل آخر. وحاول أساتذتي الروس إقناع أسرتي بموهبتي، وأنني سأغير شيئاً ما في موسيقى المنطقة، ورويداً رويداً اقتنعوا، ودعموني حين شاهدوا مسيرتي التي كانت ضمن الإطار التقليدي، فوالدي عازف جاز، وعمتي رسامة، ما أسهم في بزوغ موهبتي».
إلا أن لينا اتجهت إلى «الخيار البديل»، وهو «اختراع اتجاهات موسيقية من دون أن تؤثر على السوق في اتجاهاتها، ومن دون تقديم تنازلات كامرأة أو كإنسانة، وكنت حينها أشعر بالغصة، لأنني كنت أرى نفسي في المسرح، وليس مع الجهة المنظمة، فتميّز صوتي يعود لندرته (سبرانو دراماتيك) نوتات منخفضة جداً وعالية جداً، يضاف إلى ذلك جائزة حصدتها من مسابقة نظمها المركز الثقافي في الشام، كانت سبب دخولي المعهد حين طلب مني أحد منسوبيها ذلك».
ووصفت تلك الحقبة الزمنية بـ «الذهبية»، لكونها «مرحلة صعبة من الالتزامات والضغوطات أهلتني للفن. فيما أن هويتي الموسيقية باتت أكبر، وتحديداً بعد وجودي في فرنسا».
واعتبرت سبب انطلاقتها الحقيقية «مغامرة»، موضحة: «قدمت حفلات كثيرة، ووزعت أغنيات عدة، من ضمنها أغنية «أسمر اللون»، حينها راسلت جائزة «المورد الثقافي» في مصر، وبعثت لهم الأغنية، وربحت منحة «إنتاج ألبوم». وطرحت ألبومي الأول الذي يحمل اسم الأغنية نفسه في العام 2005، ونال الألبوم جائزة من باريس (الموسيقى الأولى للشرق الأوسط). وأقمت حفلة أضافت إلى مسيرتي الكثير، ومن تلك الجائزة عملت ألبومي الثاني، وكنت حينها لا أزال طالبة في المعهد».
وتابعت: «النجاح بالنسبة إليّ ليس البداية، إنما الاستمرار والمتابعة». فيما توقف ألبومها «رسائل» بسبب «الظروف السياسية، كذلك التأخير في الحصول على الإقامة الفنية في فرنسا، ثم بدأت بمشاريع لينتقل إصداري للعمل من أوروبا»، لافتة إلى أن «الظروف المحيطة مؤثرة، وكمية الألم تفوق الوصف، إذ كنت قبلها أعمل على أغاني التراث، ونتيجة الألم ظهرت مختزلات إبداعية داخلي، وخرجت مني موهبة التأليف والتوزيع الموسيقي. كما أن عدد الموسيقيات في العالم العربي قليل».