إنها رحلة خضراء، زيارة طويلة في عمق الطبيعة، لتنظيف الرئتين و»شحن» الصدر بمعنويات ونشاط. فكرة أن تقصد بلوماونتن الأسترالية (الجبال الزرق العظمى) على بعد نحو ساعتين غرب سيدني، حفّزتني على الانطلاق بها منذ أن عرضت علي، وقرأت منشوراً سياحياً عنها لا يتضمّن تفاصيل كثيرة. علماً أن رحلتي إلى أستراليا كانت بعيدة كلياً عن السياحة وأغراضها. ولعلّ ما دفعني أكثر إلى تنفيذ هذا العرض والتحرّر ليوم واحد من برنامج مثقل، أن مرافقي المقدام والودود غلين، تطوّع لاصطحابي والقيام بدور المرشد والدليل السياحي، نظراً إلى معرفته التامة بالمكان. وقد أوصاني بانتعال حذاء سير متين، بعدما استفسر عن مستوى لياقتي البدنية، لأن السير الطويل مضنٍ أحياناً.
أقنعت زميلين بمشاركتي «النزهة المغامرة» برفقة غلين في الجبال العظمى في ولاية نيو ساوث ويلز، هذا الموقع الذي دخل لائحة التراث العالمي منذ العام 2000، ويحتوي على مناظر طبيعية لا نظير لها، ومنها الغابات على سهول الحجارة الرملية، والوديان والممرات الضيقة العميقة، والغابات المطيرة المنعزلة والأشجار القديمة.
بالطبع لن نستطيع في غضون ساعات رؤية «هذا الفردوس» بأكمله، إذ تبلغ مساحته نحو 2،5 مليون فدان (1.3 مليون هكتار). ولحسن حظّنا، أن دليلنا النشيط غلين «من أهل البيت»، بادر فتسلّم زمام القيادة ما إن وصلنا إلى هناك، وأخذ على عاتقه ترتيب حجوزات المصعد الكهربائي والقطارات المعلّقة والقطار الانحداري الذي يستلهم أجواء فيلم «إنديانا جونز» السينمائي الشهير (فرسان تابوت العهد)، وغيرها من الترتيبات اللوجستية، فكانت نصائحه صائبة وفي محلّها، ما جعلنا نتعرّف إلى الكثير المهم في أقصر وقت ممكن، لنعود أدراجنا والرضى يغمرنا.
سكون وطمأنينة
البداية من جيمبي رينغا التي تقع على السهل المطل على أحد المتنزهات المحلية السبعة في الجبال الزرق، وهي محاطة بالقطارات المعلّقة للتنزّه، فضلاً عن ممرات خشبية لحماية النباتات والحيوانات من التأثير البشري فيها. فيمكنك أن ترى هناك الكثير من مشاهد الحياة البرية، بما في ذلك الببغاوات وحيوانات الأبوسوم. وتعاين أماكن مناجم الفحم الحجري مع عربات نقله التي تجرها بغال وأحصنة، وأدوات الحفر والجمع، وأسلاك المقطورات المعدنية.
أمضينا خمس ساعات في هذا «الفردوس البيئي»، وفي جانب منه أعادت الغابة استنبات نفسها بعد حريق كبير طاولها قبل سنوات. ومع نزولنا نحو ألف قدم إلى الوادي الضيق، انتقلنا من أجواء جافة إلى أخرى مطرية مليئة بالبخار وأشجار الأوكاليبتوس.
راح غلين يسرد تاريخ هذا المكان. وادٍ ضيق وطريق صخرية حيث عاش سكان أستراليا الأصليون في كهوف إلى ما قبل نحو مئة عام فقط، منعزلين عن المستوطنين الأوروبيين الذين احتلوا بقية نيو ساوث ويلز. عام 1907، بدأ توماس رودريغز، رئيس محطة السكة الحديد في بلاكهيلث، العملية الصعبة لإنشاء ممرات سير تشتمل على درج صخري. فكانت انطلاقة «غير متوقعة» لما سيصبح من أبرز المعالم السياحية والبيئية في العالم.
وتحتوي مدينة كاتومبا المجاورة مقاهي ومطاعم ومحلات لا سيما في شارع إيكو بونيت، ويزينها منظر الجبال الخلاب.
وكنا نريد مشاهدة القمم عن قرب، فقصدنا «منحدر الأمير هنري»، الذي يعانق جانباً من الجبال، ومنه يمكن النظر إلى أسفل الوادي. سرنا نحو نصف ساعة بجوار شلالات قبل أن ندلف شارعاً مزدحماً أعادنا إلى داخل المدينة، وكان قد حان وقت الغداء.