إذا ما استكشفنا المسافات البعيدة في الفضاء، سيكون البقاء على اتصال مع كوكب الأرض مهمة شاقة. لكن هل ثمة وسائل يمكن لكلماتنا الانتقال عن طريقها بسرعة تفوق سرعة الضوء لنبقى على اتصال فعال؟ الصحفي بيتر راي أليسون يتحقق من هذا الأمر.
بسرعة الضوء، يمكن السفر بين مدينتي لندن ونيويورك خمسين مرة في الثانية الواحدة. ومع وجود سرعة كهذه ربما يتساءل المرء عن جدوى إجراء اتصالات أسرع من الضوء. لكن بالفعل هناك أهمية لذلك.
فمع المسافات الهائلة بين المواقع المختلفة في أعماق الفضاء، تستغرق الرسائل التي تنتقل بسرعة الضوء وقتاً معتبراً لكي تصل لهدفها. لكن الجانب السلبي يكمن في أنه من المستحيل انتقال أي رسائل بسرعة أكبر من سرعة الضوء إلا بتغيير قوانين الفيزياء المعروفة.
أما الجانب الإيجابي فهو أن هناك حلولاً مطروحة لإمكانية وجود اتصالات أسرع بالفعل من الضوء.
حتى الآن، ليس من الضروري تطوير اتصالاتنا لكي تفوق سرعتها سرعة الضوء. فأقصى مسافة سافرها الإنسان كانت إلى سطح القمر، أي على بعد 384 ألف و400 كيلو متر تقريباَ.
ويحتاج الضوء لقطع هذه المسافة إلى 1.3 ثانية. وهو ما يساوي وقت تأخر وصول الصوت الذي يحدث عندما تهاتف شخصاً على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وهو ما لا يعتبر أمراً مزعجاً.
بعد المسافات
لكن إذا سافرنا إلى مسافات أبعد من القمر، إلى المريخ على سبيل المثال، فسنبدأ في مواجهة بعض المشاكل. فالمريخ يبعد عن الأرض مسافة 225 مليون كيلومتر، وهو ما يعادل 12.5 دقيقة بسرعة الضوء.
ونتيجة لذلك، ستكون المحادثة بين من هم على المريخ ومن هم على الأرض مضطربة بسبب ذلك التأخير. وتزداد المشكلة صعوبة كلما ابتعدنا أكثر عن الأرض نحو طبقات الفضاء البعيدة.
تدور سفينتا الفضاء “فويجر” حاليا في مدار خارج نظامنا الشمسي، على بعد 19.5 مليار كيلومتر من الأرض. وعلى الرغم من هذه المسافة الكبيرة جدا، ما زلنا نتلقى رسائل منهما، لكن كل رسالة تستغرق 18 ساعة حتى تصل إلى الأرض.
وللاتصال مع أقرب نظام شمسي لنا، والذي يقع على بعد 40 تريليون كيلومتر، سوف يستغرق الأمر لوصول كل رسالة أكثر من أربع سنوات. لذا، فإن إجراء المكالمات بالطريقة المعهودة لن يعد ممكناً.
وحسب نظرية أينشتين النسبية، ستبقى الأمور على هذا النحو. لا شيء سيصبح أسرع من الضوء، لأن سرعة الضوء حسب أينشتين من الثوابت الكونية.
وإذا أمكن اكتشاف طريقة يمكن بها تجاوز سرعة الضوء، فستكون بمثابة “انتهاك لقوانين نظرية المعلومات وتتطلب بالتالي إعادة التفكير في أساسيات الفيزياء،” حسبما يقول لو دويتش من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والذي قضى سنوات يطور نظام اتصالات ليستخدم في أعماق الفضاء لصالح وكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
في الوقت الحاضر، جميع الاتصالات العادية في الفضاء تتم عن طريق موجات الراديو، والتي تنتقل بسرعة الضوء عبر فراغ الفضاء. أما تقنية الاتصال البصري (بالليزر) فقد بدأ تطبيقها، لكنها لا تزال في مرحلة التطوير.
الثقوب الدودية
قد لا نتمكن من زيادة سرعة انتقال الرسائل، لكن يمكننا زيادة حجم المعلومات التي تبث في الثانية الواحدة. يقول دويتش: “أحد الأشياء التي نقوم بها هو تحريك التردد الناقل (للمعلومات) إلى مستوى أعلى داخل النطاق، من 8 جيجاهيرتس إلى 30 جيجاهيرتس (في الثانية)”.
فكلما كان تردد الإشارة أعلى، زاد عرض النطاق الترددي، وبالتالي تزيد كمية المعلومات التي يمكنك بثها في الثانية الواحدة.
كما تمكننا طريقة ضغط المعلومات من تقليل حجم المعلومات، وبالتالي زيادة حجم البيانات التي يمكن لنا بثها في كل ثانية.
ربما أمكننا في المستقبل أن نجد وسائل لزيادة سرعة انتقال الرسائل والمعلومات، مثل فكرة “الثقوب الدودية”.
يقول دويتش: “نظرية النسبية تتيح المجال لأشياء مثل الثقوب الدودية، والتي يمكنك التفكير فيها كمسالك متعرجة للزمن في الفضاء، حيث يمكنك استخدام الطرق المختصرة.”
أحد الطرق السهلة التي يمكن التفكير من خلالها في فكرة الثقوب الدودية، هو أن ترسم نقطتين على ورقة بيضاء. ويمكنك رسم خط مستقيم بينهما، وهو أقصر مسافة بين نقطتين على ورقة مستوية. لكن إذا طويت الورقة، بحيث أصبحت النقطتان أقرب إلى بعضهما، يمكن لسن القلم أن يخترق احدى النقطتين ويصل إلى الأخرى.
في الفضاء، من غير المرجح أن تكون تلك الثقوب الدودية الافتراضية في مواقع ملائمة، ومع أنه يمكنها زيادة سرعة انتقال بعض الرسائل، لن يكون الاتصال لحظياً.
نظرية التشابك الكمي
هناك وسائل أخرى تؤخذ بعين الاعتبار لتجاوز سرعة الضوء. إحدى هذه الوسائل هي ما يعرف بنظرية “التشابك الكمي”، وهو يعني اشتراك ذرتين أو جزيئين في مكان واحد بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينهما.
يقول إد ترولوب، مهندس سفن الفضاء في وكالة الفضاء الهولندية (في إي جي إيه): “بالتشابك الكمي، الذي يكون فيه جزيآن مفصولين عن بعضهما البعض، إذا غيرت أحدهما فإنك تغير وضع الآخر.” ويضيف: “إنه من المغري القول إننا سنتمكن من التواصل اللحظي باستخدام جسيمات متشابكة.”
لكن الأمور ليست بهذه البساطة. فإذا كان لديك زوج من الجسيمات المتشابكة، أحدهما موجود داخل سفينة فضاء تجوب طبقات الفضاء البعيدة خارج نظامنا الشمسي، والآخر موجود على سطح الأرض، فإنه صحيح أن أي تغيير على حالة الجسيم الموجود في سفينة الفضاء سينتج عنه تغيير في الجسيم الموجود على سطح الأرض.
لكن الشخص الذي يراقب الجسيم الموجود على الأرض لن يكون باستطاعته فهم أو معرفة ما الذي يعنيه هذا التغير بدون رسالة توضيحية تصله من سفينة الفضاء، وهذه الرسالة لن تنتقل بسرعة تزيد على سرعة الضوء، كما يقول ترولوب. بمعنى آخر، تعاني نظرية التشابك الكمي من قصور في توفير وسيلة للاتصال بسرعة تفوق سرعة الضوء.
هناك أيضاً جسيمات افتراضية، معروفة في مسلسل الخيال العلميStar Trekباسم تاكيون. نظرية النسبية الخاصة لا تمنع وجودها، وإذا كانت هذه الجسيمات حقيقية، فهي أسرع دائماً من الضوء. وكما هو الحال مع سابقتها، فهي أيضاً لا توفر وسيلة للتواصل تفوق سرعة الضوء.
هذه التاكيونز يمكنها أن تسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء، لكنها ليست تفاعلية، مما يعني، حسب ترولوب، أنها غير قابلة للاستخدام بغرض التواصل، طالما كنا نعتقد أنه من المستحيل إيجاد هذه التاكيونز أو تتبعها.
إذا أمكن بالفعل إيجاد وسيلة للتواصل بسرعة تفوق سرعة الضوء، فسيكون لذلك أثر عميق على رحلات الفضاء.
يقول ترولوب: “في عملنا على رحلة المركبة الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية والتي هبطت على مذنب العام الماضي، كان لدينا 30-40 دقيقة بسرعة الضوء، ولذلك فإن هذا يؤثر على الطريقة التي تصمم وتشغل بها رحلات الفضاء.”
ويضيف: “إذا كان لديك قمر صناعي في مدار الأرض، فبإمكانك التواصل معه مباشرة. وعندما يكون لديك تأخير لمدة 30 دقيقة، فهذا يعني أنه عندما تواجهك مشكلة، فإن هذه المشكلة تكون قد وقعت قبل 30 دقيقة مضت. وعندما ترسل أمراً إلكترونيا ما، فسوف تمر 30 دقيقة قبل أن يُطبق هذا الأمر، وستمر ساعة قبل أن ترى نتائج تطبيقه.”
ورغم كل الوعود المحيرة للعقل والمنطق لنظريتي تاكيونز والتشابك الكمي، لا تعدان من الوسائل المعقولة لتحقيق الاتصالات بسرعة تزيد على سرعة الضوء.
أما إذا كانت الثقوب الدودية موجودة بالفعل، وإذا كانت الإشارات والرسائل تمر عبرها أيضا، فهي على الأقل تعطي الانطباع بوجود اتصالات تفوق سرعتها سرعة الضوء. لكن في الواقع الحالي، تبقى فكرة الاتصالات التي تفوق سرعة الضوء مجرد احتمال، وسبباً في توسيع حدود الأمور المعقولة من الناحية العلمية.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.