أثار كليب الأغنية الجديدة للفنانة اللبنانية هيفاء وهبي «Breathing you in»، نقاشاً حاداً على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض، وعرض فقط على قناة «يوتيوب» الخاصة بها. وترى فئة من الجمهور أنه يحق للفنانة «ارتداء ما يحلو لها من ملابس وإن كانت شبه عارية»، فيما راح البعض يصفها بكلمات نابية، معتبراً أن ما قدّمته «لا يعبّر عن عادات منطقتنا وتقاليدها المحافظة».
لربما بدا واضحاً أن ما أقدمت عليه هيفاء من إغراء، أفضل بكثير من العادات التي اكتسبناها في الفترة الأخيرة، من قتل ودمار وحروب وطائفية وانقسامات مذهبية. ولكن اللافت ليس ما أقدمت عليه هيفاء، بل الخبر الذي وزّع ونشر عن أن الفنانة اللبنانية تصل إلى العالمية من خلال هذا الفيديو كليب، والحديث عن التقنيات المستعملة فيه. هل وصلت هيفاء فعلاً إلى العالمية؟
تدور أحداث العمل حول فتاة جذّابة، تنتظر عودة حبيبها من الفضاء حيث يتعرض لحادث، وتطول فترة انتظارها، لكن حبها وإيمانها بالعلاقة يعيدانه إلى حضنها. إذاً الحب هو محور العمل. ولكن هل عبّر مخرج الكليب طارق فريتخ عن هذه الفكرة؟ لم نلحظ في الكليب إلا رجالاً يتلمسون جسد الفتاة الجميلة. كان الجسد مستباحاً للّمس، من الحبيب والراقصين والطبيعة. فكرة الكليب غير مترابطة، وبعض المشاهد مستوحاة من فيلم الفضاء الشهير «Interstellar» الذي أنتج السنة الماضية، من إخراج كريستوفر نولان.
ولا تـــرفـــع التــقـــنـــيات المستعملة، رصيد العمل، خصوصاً أن الرقصات المقدمة أيضاً ليست جيدة. ولم تُضف إلى العمل مشاركة الراقص والصديق السابق للمغنية جنيفر لوبيز، كاسبر سمارت، أو التصوير في إحدى مزارع لاس فيغاس.
يمكن القول إن هيفاء خسرت في هذا الكليب أكثر مما ربحت، علماً أن لكنتها الإنكليزية بحاجة إلى مزيد من التمرين، وبهذه اللكنة لن يسمعها أحد في الولايات المتحدة، عدا عن العداوة التي كوّنتها من فئة من الجمهور لها بعد ظهورها شبه عارية.
لن نعلق على موضوع العري في الكليب لأنه ليس بالأمر المهم، قياساً بما يُقدّم في الغرب، خصوصاً أن بعض الفنانات الغربيات يقدمن كليبات بملابسهن الداخلية، ويقمن بحركات لا تجرؤ فناناتنا حتى على الإيحاء بها. ولكن هل العالمية باتت عقدة للفنانين العرب، وهل الغناء في أميركا أو التعاون مع أحد المخرجين أو الفنانين هناك، يُوصل إلى العالميـة، أو إلـى انــتــشار أوسع؟
سبق الفنان المصري تامر حسني زميلته هيفاء إلى أميركا، وتعاون مع المغنيين شاغي وسنوب دوغ، وقدّم معهما أكثر من أغنية. ماذا حصد حسني؟ هل ارتفعت مثلاً نسبة مبيعات أعماله لدى الجمهور الأميركي، أو هل بات معروفاً هناك؟ لم يحصل أي من هذا، وهذا ما سيحصل مع هيفاء، إذ أن الفكرة عن العالمية لا تزال بدائية لدى فنانينا، وتحتاج إلى تطوير ومواهب استثنائية.
بداية دعونا نُعرّف العالمية. يعني الوصول إلى العالمية تقديم عمل استثنائي، يشاهده الكبار والصغار، ويصل إلى الجمهور من دون عائق اللغة، كما حصل أخيراً مع المغني الكوري الجنوبي بساي الذي قدّم أغنية «غانغنام ستايل» بلغته الأصلية، لكنها حققت نجاحاً كبيراً في كل دول العالم، خصوصاً أن الرقصة التي قدّمها حفظ خطواتها الصغير قبل الكبير، أو أغنية «Happy» للمغني فاريل وليامز التي قدمت منها عشرات النسخ بلغات ولهجات مختلفة. وما فعله مايكل جاكسون في ثمانينات القرن الماضي يعتبر عالمياً، إذ غنى مواضيع حساسة، واشتهر بأسلوب رقص متميز انتشر سريعاً في العالم.
وإضافة إلى ما تقدّم هل فكر بيتهوفن وموتسارت بالعالمية عندما كانا يؤلفان الموسيقى؟ كان همهما وهمّ غيرهما من الكبار تقديم معزوفات جميلة، لكنها اشتهرت مع مرور الوقت، وباتت أساساً في الموسيقى الكلاسيكية.
يحتاج الوصول إلى العالمية إلى فريق عمل متكامل، فالحلم وحده لا يكفي. لتكون معروفاً في العالم، عليك أن تكون مبهراً. أين الإبهار في أعمال تامر حسني وهيفاء وهبي وغيرهما، أين الإبداع؟
والمفارقة أن الفنانين العرب يملكون كثيراً من المقومات للوصول إلى العالمية، شرط أن يلتزموا بما لديهم، ويقتنعوا بالأرضية التي يقفون عليها لانطلاقة جيدة. هل فكرت فنانة عربية مثلاً، الغناء باللغة الإنكليزية على أنغام شرقية، والحديث عن مشاكلنا وواقعنا، والابتعاد عن الإسفاف وتفاهة مواضيع الحب المتداولة.
لنأخذ مثالاً أغنية هيفاء الجديدة. موضوع محدود، وكلمات عادية، لا تنافس حتى أسوأ الأغاني الأجنبية، في حين كان يمكنها التطرق ربما إلى المشاكل في بلدها والانقسام، وتسجيل موقف، يحتمل أن تتحدث عنه وسائل إعلام عالمية.
ولا يتوقف موضوع العالمية عند اللحن والكلمات، بل يتخطاه إلى الاستعراض الذي يجب أن يُقدّم على المسرح. وثمة فكرة خاطئة لدى فناناتنا الاستعراضيات عن هذا الموضوع، إذ يعتبرن أن الملابس المثيرة والتمايل البسيط قد تفي بالغرض.
في جولة سريعة على حفلات مادونا وريهانا وبيونسه وشاكيرا، نلاحظ مدى الجهد الذي يبذلنه في تصميم رقصات لكل أغنية، ووجود ثيمة معينة لكل عرض، واختيار ملابس تناسب الحفلة، والتركيز على لعبة الإضاءة التي باتت جزءاً أساسياً من أي عرض.
تعتقد هيفاء وزميلاتها أنهن يقدمن استعراضاً على المسرح إذا تمايلن قليلاً، وتدلعن وتغنجن أكثر، متناسيات أن بعضهن بتن في سن لا تسمح لهن بلعب دور الفتاة المغرية، إما لظهور تجاعيد، أو لكثرة عمليات التجميل. التقدم في العمر فعل طبيعي، شرط أن تتصالح الفنانة مع ذاتها كما تفعل مادونا التي تخطت الخمسين وما زالــت تغنــي على المسرح مرتدية ملابس داخلية.
كان في إمكان هيفاء أن تدخل قلوب الغربيين بعمل أكثر جدية، لكنها تسرعت في انتقاء عمل بسيط، لن يضيف إلى رصيدها الفني شيئاً. قد يضحك الجمهور الغربي لدى مشاهدة العمل، فلمَ تضع هيفاء نفسها في موقف كهذا؟ والكلام ذاته ينطبق أيضاً على أعمال تامر حسني «الأميركية».
قبل الانطلاق إلى العالمية، على من يريدها تثبيت نفسه في محيطه وواقعه، فهل هيفاء مثلاً النجمة الأولى في لبنان، وهل تامر حسني نجم أول في بلاده؟ خسر الأخير كثيراً منذ سعيه وراء العالمية وتركيزه على الانتشار في الولايات المتحدة. فيما التجربة الأولى للفنانة اللبنانية لا تبشّر بالخير، بحسب المعطيات التي أفرزها هذا الكليب.