سمعة باريس كمدينة للحب والرومانسية جعلتها تجتذب أفئدة السائحين لعقود طويلة.
لكن جوانب الحياة في العاصمة الفرنسية لا تقتصر على الحب فقط، فباريس هي القلب النابض لنشاط المال والأعمال الأوروبي.
كما أن موقعها المتوسط في مركز القارة الأوروبية جعلها نقطة التقاء مثالية للمسافرين من موسكو إلى مراكش، لإبرام صفقات واتفاقيات التبادل التجاري مع شركائهم الأوروبيين.
الكثير من دينامية هذه المدينة يأتي من ازدهار قطاع العلوم والتكنولوجيا فيها، إذ يوجد بها بكثافة الشركات المتخصصة في المواصلات والصيدلة، وأنظمة التحويل الرقمي، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ومن بين الأسماء الكبيرة هناك: أبل، وأورانج، وسيمنز، إضافة إلى غلاكسو سميث كلاين وشركة فايزر.
وتنفق منطقة “إل دي فرانس” على الأبحاث والتطوير بشكل ملحوظ، وتسجل تنافسية أكثر من أي منطقة أخرى في أوروبا.
ويعود الفضل في ذلك إلى سياسة طويلة الأمد لبناء ما يعرف بالمجموعات المتنافسة، وهي مجموعات من الشركات والمختبرات والمؤسسات التعليمية تعمل مع بعضها البعض لابتكار منتجات جديدة، وأساليب معالجة وخدمات.
ويشمل ذلك تجمع “أدفانستي” في منطقة باريس، والذي يركز على التكنولوجيا الخضراء والمدن المستدامة. وهناك أيضاً تخطيط لإقامة حاضنة للتقنية الرقمية في الحي الثالث عشر في باريس.
ويجري تحويل المقر الواسع السابق للشحن، وهو أيضا مركز الفعاليات وعروض الموضة الشهير المعروف باسم “هال فريسينه”، ليكون مقراً لألف شركة ناشئة.
وسيجري افتتاح تلك المساحة الشاسعة البالغة 33 ألف متر مربع في عام 2017، وستضم مناطق مشتركة للعمل، ومختبرات حديثة، وقاعات متعددة الأغراض، وغرف للاجتماعات ومطعم، وبار.
لكن إضافة إلى التكنولوجيا الحديثة، مازالت باريس مقراً للأزياء العالمية والعلامات التجارية الشهيرة. ومن بين تلك الشركات: شانيل، وكارتير، وهيرميز، وكريستيان لابوتين، و لوي فوتون.
كذلك تحولت شركات الدفاع والفضاء والصناعات الجوية مثل شركة “داسولت للطيران” و “مجموعة تاليس”، وكذلك شركات الخدمات وإنتاج الأغذية وصناعة السيارات، تحولت كلها إلى نشاط اقتصادي متناسق ومتين.
وتحتضن باريس العديد من المعارض التجارية الدولية، مستفيدة من كونها محاطة بعدد من المطارات الدولية وترتبط بشبكة قطارات سريعة.
ويقام معرض باريس للصناعات الجوية في يونيو/حزيران في مركز “لو بورغيه” للمعارض، كما يقام معرض البناء والإنشاءات “باتيمات” في “نورد فيلبينت” ببارس، فضلا عن معارض أخرى.
الوصول
إن كنت مسافرا إلى باريس جوا، فعلى الأرجح أنك ستهبط في مطار شارل ديغول الذي يقع على بعد 26 كيلومترا شمالي باريس. ويتكون من ثلاث صالات، تربطها حافلات مجانية وقطار خفيف. وتتوفر في المطار خدمة الإنترنت “واي فاي” السريعة في كافة صالات ومطاعم ومقاهي المطار.
كما أن سلسلة مخابز “بول” (Paul) تعتبر الوجهة الصحيحة لشراء الساندوتش، والمعجنات، وأنواع السلطة المختلفة. أما في الصالة الثانية، فيقدم مطعم “Miyou” الوجبات السريعة.
وتستغرق الرحلة من المطار إلى وسط باريس بالتاكسي 40 دقيقة، وتتكلف حوالي 60 يورو، أو ما يعادل 65 دولار. أما الخيار الثاني الأفضل، فهو أن تنتقل من المطار إلى باريس بواسطة خدمة حافلات “رويس-باص” التي تتكلف 11 يورو، وتقلع كل 15 دقيقة في أوقات الذروة، أو في حافلات الخطوط الجوية الفرنسية التي تتكلف 17 يورو، وتستغرق رحلة كلا الحافلتين إلى وسط باريس حوالي ساعة.
لكن هذه الحافلات غير متوفرة على مدار الساعة، وليس من السهل العثور على موقف الحافلة الصحيح.
أما شبكة قطارات “RER” المحلية فيمكن أن تنقلك مقابل نحو عشرة يورو في مدة لا تتجاوز 32 دقيقة، إلى متاهة أنفاق محطة “جير دو نورد”، حيث يتعين عليك الانتباه والحذر من النشالين. كما أن القطارات مزدحمة في الداخل، ومن الصعوبة أن تهتدي إلى وجهتك الصحيحة داخل المحطة.
والمحطة وجهة قطارات اليوروستار الأوروبية السريعة أيضا، فإذا لم يكن مترو الإنفاق مألوفاً لديك فالأفضل أن تتجنب هذا المكان، وأن تقوم بدلا من ذلك باتباع الإشارات التي ترشدك إلى موقف سيارات الأجرة.
وبينما تقوم بذلك، احذر من سائقي سيارات الأجرة بلباسهم الأنيق الذين يحاولون إغراءك لركوب سيارات غير مرخصة للعمل كسيارة أجرة. واصل المسير حتى تصل إلى الموقف الرسمي لسيارات الأجرة حتى لو تطلب منك ذلك الانتظار في طابور طويل.
أما مطار أورلي فيقع على بعد 14 كيلومترا جنوبي باريس، وهي مسافة تستغرق 30 دقيقة بالتاكسي من وسط المدينة، وتكلف الرحلة 60 يورو. والخيار التالي لذلك هو خدمة حافلات أورلي، والتي تستغرق 30 دقيقة وتكلف حوالي 8 يورو، وتتوقف جنوبي مركز المدينة.
النقود مهمة
تقبل بطاقات فيزا كارد وماستركارد على نطاق واسع، ما عدا المبالغ التي تقل عن 10 يورو. أما بطاقة أميريكان اكسبرس والشيكات السياحية فلا تقبل في كثير من الأماكن. ولذلك من الأفضل أن يكون لديك بعض النقود، لأنك تحتاجها لشراء تذكرة المترو.
لكن عليك أن تحذر من النشالين الذين يعتبرون مشكلة حقيقية في باريس. فمعظم سائقي الأجرة يقبلون النقود فقط، وليس بطاقات الائتمان، كما أنك قد تحتاج إلى خمسة يورو لشراء كوب من الكابتشينو.
معرفة الجوانب الثقافية
قد لا تحظى دعوات غداء العمل بانتشار واهتمام كبيرين، لكن طريقة الطهي وأصناف الطعام تحظى باهتمام خاص في تلك المدينة.
يقول أليستير فايف، المدير التنفيذي لشركة تكنولوجيا المعلومات “أونتوموبايل”: “بعد وصولي بوقت قصير، ارتكبت خطأ ثقافياً بعدم حضور غداء عمل دعيت له. وجبة الغداء هنا في غاية الأهمية”.
ويقيم فايف في برشلونة، لكنه عمل في عدة مدن أوروبية بما فيها باريس، ويضيف قائلاً: “من واقع تجربتي، إذا كنت في باريس مدعوا إلى الغداء للحديث عن العمل، فعليك أن تترك الحديث عن العمل إلى النهاية، أي أثناء شرب القهوة، أو أحياناً بعدما تنتهي من الغداء وتعود إلى المكتب، حيث تتحدث في موضوع العمل هناك.”
وتعقد الاجتماعات أحياناً وفق بروتوكول عفا عليه الزمن. يقول فايف: “في باريس، يكون آخر الواصلين إلى الاجتماع هو الشخص ذو المنصب الأعلى، مما يعني أن الاجتماع لا يبدأ عملياً إلا بعد وصوله. ويشعرك ذلك بالإحباط، إذ يمكن أن تنتظر في الغرفة من 15 إلى 20 دقيقة جالساً لا تفعل شيئاً سوى الانتظار.”
الفنادق
وافتتح حديثاً فندق “ميليا هوتيل” في حي المال والأعمال المعروف باسم “لا ديفينس”. وهذا الفندق من فئة أربع نجوم، ومبني على شكل حرف “L”، ويطل على نوافير مياه، ومنه ترى مناظر لمدينة باريس على امتداد البصر، خاصة من الطابق 19 حيث يقع النادي الصحي. ويقابله مباشرة محطة المترو التي تبعد عن الفندق من 5-10 دقائق بالسيارة.
ويوجد أيضاً فندق “سوفوتيل باريس” من فئة خمس نجوم، وهو فندق فاخر ومناسب لاجتماعات الأعمال، ويقع في ضاحية وسط باريس، وقريب أيضاً من ضاحية المال والأعمال “لا ديفينس”.
أما سلسلة فنادق “تيم-هوتيل” فهي مريحة أيضا، رغم كونها من فئة نجمتين أو ثلاث نجوم، وهي منتشرة في جميع أنحاء باريس، ويبلغ سعر الغرفة فيها حوالي 50 يورو لكل ليلة. وبعض هذه الفنادق في مناطق مثل “أوبرا ماديلين”، و”بيرزر باريس باليس رويال” يوجد بها قاعات مجهزة لعقد اجتماعات العمل والندوات.
العشاء
للمطبخ الفرنسي التقليدي، وخاصة في أجواء “جراند براساري” الصاخبة، يمثل مطعم “فوست” الذي افتتح حديثاً خياراً جيداً. ويقع المطعم في المنازل العائمة سابقاً للحرس الملكي، على الضفة اليسرى أسفل جسر بونت ألكساندر الثالث. وعندما يكون الطقس جميلاً، يمكنك الجلوس في الخارج لتناول طعامك وأنت تشاهد المارة على ضفة النهر.
وإذا لم يكن لديك وقت كاف للتجول ورؤية المدينة، يمكنك تناول طعامك في مطعم “بسترونوم”، وهو عبارة عن مطعم على متن حافلة مكون من طابقين.
في هذا المطعم المتجول، يمكنك الاستمتاع بعشاء من ستة أطباق مقابل 95 يورو، بينما تتأمل على مدى ساعتين ونصف أهم معالم المدينة المعروفة، بما فيها برج إيفل، وقوس النصر، ونوتردام.
في أوقات الفراغ
بعد خمس سنوات من التجديد والتحديث، افتتح متحف بيكاسو في ضاحية “مارايس”. وهنا لديك فرصة لمشاهدة 450 لوحة وصورة وعمل منحوت من أعمال الفنان بابلو بيكاسو، وهي معروضة في قصر جميل يعود للقرن السابع عشر. ويفضل حجز تذكرة الدخول عن طريق الإنترنت.
وبالإمكان أن تأخذ نزهة على طول نهر السين، حيث يوجد ممر للمشاه على طول الضفة اليسرى للنهر يبلغ طولة 2.3 كيلومتر، ويمتد من محطة موزيه دو أوسييه، إلى بون دو لالما.
ويوجد برنامج قيد التنفيذ للأنشطة في أوقات الفراغ مثل لعبة المربعات، وتسلق الجدران، لكن أفضل شيء للاسترخاء هو أن تجلس في الحدائق العائمة، وتستمتع بمناظر القوارب تمر من أمامك.
اعتبارات خاصة
ينبغي أن تتوقع حدوث إضراب في وسائل المواصلات، من العاملين في أبراج التحكم الجوي التي ينتج عنها إلغاء رحلات الطيران، إلى إضراب سائقي سيارات التاكسي الذي يؤدي إلى شلل في حركة السير.
أما عندما يضرب سائقو المترو والقطارات المحلية، فإنه لا يمكن الاعتماد على الحافلات وسيارات الأجرة كبديل. في هذه الحالة ينصح بأن تحجز وسيلة مواصلاتك عن طريق جهة موثوقة مثل القسم المسؤول عن المواصلات في الفندق، وإذا كانت رحلتك بالطائرة مهمة للغاية، فما عليك إلا أن تحجز إقامتك في فندق المطار.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.