منذ عشرات السنوات تنبأ كتاب الخيال العلمي بإرسال الإنسان لمركبات فضائية نحو الكواكب والمذنبات والكويكبات القريبة من الأرض، للتنقيب عن المعادن الموجودة فيها وجلبها للأرض للاستفادة منها في كثير من الصناعات الهامة، خصوصا صناعة المعدات والأجهزة المتطورة.
هذه الأفكار الخيالية التي كانت ضمن قصص الخيال العلمي، تجد الآن من يسعى إلى تحقيقها، إذ يتطلع عدد من الشركات إلى استثمار تلك الخامات المعدنية وتحقيق ثروات طائلة، فحسبما توصل إليه الباحثون، فإن الصخور الفضائية غنية بالكثير من المعادن الهامة والثمينة، كالبلاتين والنيكل والكوبالت والذهب وعدد من العناصر النادرة.
صائدو الثروات
وعلى غرار ما كان موجودا في بلاد الغرب الأميركي حيث سعى كثير من الناس للتنقيب عن كنوز القارة الجديدة واكتشافها والبحث عن الذهب والسعي نحو الثروة والغنى، تسعى حاليا عدد من الشركات لاستثمار ملايين الدولارات لاستغلال الثروات المعدنية خصوصا المعادن الثمينة كالبلاتين والذهب والنيكل وغيرها من المعادن، وذلك في أجرام المجموعة الشمسية سواء في الكويكبات أو المذنبات أو في الصخور الهائمة في الفضاء أو حتى على سطح القمر.
وحسبما صرح به الرئيس التنفيذي لشركة “ديب سبيس إنداستريز” ديفيد غمب فإنه يمر بالقرب من الأرض أكثر من تسعمئة كويكب، وأن المعادن والخامات الموجودة فيها سوف تعمل على توسيع الصناعة الفضائية في هذا القرن، فالثروات التي سوف تجلب سوف تدعم إستراتيجية الشركة لدعم اكتشاف الكون”.
وتبين هذه الشركة أن هناك احتمالا قويا بأن تحتوي بعض صخور الفضاء على ذهب يفوق ما هو موجود على الأرض حاليا، وأن الشركة تخطط لتعدين البلاتين لاستخدامه على الأرض في كثير من الصناعات الهامة.
من جهة أخرى، كُشف النقاب عن تأسيس شركة “بلانيتري ريسورسز” planetary Resources الأميركية وبدعم من الرئيس التنفيذي لشركة غوغل لاري بيج والمخرج السينمائي جيمس كاميرون ومقرها في بلفيو بولاية واشنطن.
وتسعى الشركة لتطوير سفينة فضائية وروبوتات للتنقيب عن المعادن الثمينة والنادرة في الكويكبات القريبة من الأرض، وخلال عامين ستطلق تلك السفن التي سوف تحتوي على تليسكوب قادر على رصد أفضل الكويكبات التي تحتوي على المعادن الثمينة والمياه أيضا ويبلغ عددها نحو 1500 كويكب.
التعدين في الفضاء
وتسعى حاليا عدد من شركات التنقيب عن المعادن في الفضاء وبالتعاون مع بعض الشركات المصنعة لمعدات التعدين كشركة “كتربيلر” إلى تطوير معدات للتنقيب عن المعادن على سطح الكويكبات القريبة من الأرض.
وتتميز هذه المعدات بقدرتها على التحكم الذاتي وجلب العينات وفحصها لتقدير قيمتها، والتي تعتمد في عملها على أفضل التقنيات الحديثة المتطورة واستخدام أشعة الليزر ومعدات الاستشعار عن بعد للبحث عن الخامات المعدنية.
ويشكّل غنى بعض الكويكبات من المعادن الثمينة إغراءً للباحثين عن الثروة، فكويكب واحد بطول نصف كيلومتر قد يحتوي على كمية من معدن البلاتين تعادل كمية البلاتين التي استخرجت على سطح الأرض، حسب توقعات المهتمين بهذه الثروات.
وعليه فإنهم يسعون إلى جمع استثمارات طائلة من قبل المتحمسين لتطوير مركبات فضائية ومعدات قادرة على الوصول إلى تلك الكنوز الفضائية وجلبها إلى الأرض، وهم في ذلك يتطلعون إلى دعم وكالة الفضاء الأميركية ناسا وكذلك دعم عدد من المؤسسات الفضائية في العالم.
إن أغلب الكويكبات التي تصل إلى الأرض، تنشأ من حزام الكويكبات الواقع بين مداري المريخ والمشتري، ويعد رصدها من المهام الفضائية الصعبة، نظرا لصغر بعضها ولشبه بعضها بالنفايات الفضائية التي تدور حول الأرض، وللتعرف على تلك الكويكبات.
ويتم حاليا إنشاء تلسكوب يبلغ قطره 8.4 أمتار على جبل سيرو باشون في تشيلي، ويتوقع الانتهاء من بنائه في العام 2019، حيث سوف يعمل على مسح السماء بشكل كامل أسبوعيا للبحث عن مواقع الكويكبات الصغيرة بدقة، لإرسال مركبات فضائية إليها لاحقا لدراستها، وجلب المناسب منها للأرض للاستفادة من المعادن النفيسة الموجودة فيها.
استثمار خامات القمر
من المتوقع في نهاية العام 2016 أن ترسل شركة “مون إكسبريس” Moon Express التي تأسست في العام 2010 مركبة فضائية إلى القمر بغية استكشافه لأغراض تجارية.
وقد استفادت هذه الشركة من خبرة وكالة ناسا في هذا المجال، وتسعى “مون إكسبريس” إلى رسم خرائط مفصلة لسطح القمر للتعرف على الأماكن المناسبة للتعدين والتنقيب فيها عن مجموعة معادن البلاتين والعناصر النادرة.
كذلك سوف تسعى الشركة لاستغلال عنصر الهيليوم-3 الموجود على سطح القمر بكميات كبيرة، وهذا النظير يعد ذا أهمية بالغة لإنتاج الطاقة النظيفة في مفاعلات الاندماج النووي، ويقدر الباحثون أن الهيليوم-3 الموجود على سطح القمر سوف يوفر الطاقة لكوكبنا لعدة آلاف من السنوات.
إن استغلال هذه الثروات الطائلة سواء الموجودة على الكويكبات أو على سطح القمر، مرتبط حاليا بتقليل تكاليف الحصول عليها وتطوير مركبات فضائية قادرة على جلبها، ويتوقع في العقود الثلاثة القادمة أن تزدهر تجارة معادن الفضاء والتي سوف تستعمل لتصنيع معدات وأجهزة المستقبل فائقة الأداء في ظل سباق محموم سوف ينشأ بين دول العالم المتقدمة للفوز بتلك الثروات الكونية التي قد تفوق كل التوقعات.
* كاتب علمي متخصص في هندسة تكنولوجيا الصناعات الكيميائية