تندرج العلوم ضمن أنواع المعرفة، كما جرت العادة تسميتها بالواقعيّة أو الصحيحة. ويؤدّي تبسيط العلوم دوراً فعّالاً في فهم الوقائع العلميّة، ما يساعد على انتشارها بين الجمهور العام.
يؤدي تبسيط العلوم إلى وضعها في مسار الفاعليات الإنسانية التي تعتمد على الحقيقة. ليس التبسيط عملية عشوائية، بل معرفة ملتزمة بنسق محدّد، وهو من أنواع التواصل بين العلوم والحياة.
من ناحية أخرى، يؤدّي الإعلام العلمي دور المُعرّف والمُحذّر بالنسبة للعامة، إذ يبين الفارق بين المفيد والخطير. ويعاني الإعلام العربي عموماً من مشكلة تبسيط العلوم في شكل سليم، فتراه يصورها كوقائع لا تخص سوى الخبراء، أو يتغاضى عنها. والأرجح أن حلول تلك المشكلة ليست قصراً على صفحات الجرائد. وراهناً، هناك صفحات علميّة كثيرة في الصحافة العربيّة، لكن معظمها يظهر كصفحة لأخبار مشوّشة، كما تكتظ أسطرها بمصطلحات غير مفهومة، إضافة إلى تخبّطها في مسألة ترجمة مصطلحات العلوم ونصوصها، ما يوحي بعدم التواصل مع الخبرات المتراكمة في ترجمة النصوص العلميّة.
ولا تبدو وسائط الإعلام المرئيّة – المسموعة العربية أفضل حالاً من الصحف، بل تغيب عن غالبيتها البرامج العلميّة الموجهة للجميع، بمعنى أن تجمع المفيد والمسلي سويّة.
في كثير من وسائط الإعلام العربي، تكتفي الصفحات العلميّة بأداء دور إعلاني يتّصل بالشركات ومنتجاتها، ما يبعد الإعلام عن دوره الأساسي في تثقيف المجتمع وإثراء نقاشاته العامة.
ابحث عن المُعلّم
يؤدّي التأهيل المدرسي والجامعي دوراً في بنية الخطاب العلمي وقابليته على مخاطبة الناس، ما يبدو واهن الأثر عربياً. كما يعاني العرب من مشكلة في عملية إنتاج العلوم، بمعنى ضآلة إنتاجهم العلمي حاضراً.
يفترض بالنظام التعليمي أن يساعد على الفهم والتفكير، أكثر من التلقي السلبي. كما أن للمُدرّسين دوراً مهماً في تحبيب التلامذة بطُرُق الوصول إلى المعرفة العلميّة، وحضّهم على التفتيش عن طرق حديثة في التعلّم.
ثمة دور للدولة أيضاً، خصوصاً في دعم البحوث العلميّة. كما يفترض بالدولة أن تنظر إلى عملية تبسيط النص العلمي باعتبارها جزءاً من ثقافة المجتمع، ما يعني أنها تتصل مباشرة بالشأن السياسي لأن «الجمهور الواعي» شرط أساسي في الحوكمة السليمة، بغض النظر عن نُظُمها. واستطراداً، يفترض النظر إلى الإعلام العلمي بوصفه من أشكال ديموقراطية الثقافة والمعرفة.
ويعطي تبسيط النص العلمي للناس الحق في معرفة موقعها، معرفيّاً واجتماعيّاً، بالنسبة للعلوم وبحوثها، خصوصاً أن الشعب هو مصدر تمويل البحوث، كما يظهر في تجربة الدول المتطوّرة.
ويؤثر تبسيط النص العلمي في السياسيين بصورة مباشرة، لأن أكثريتهم تتحدث عن «حقائق» العلوم وتقدمها، من دون الإحاطة بها بصورة سليمة.
كذلك يساعد فهم العلوم عبر تبسيط نصوصها، على إدراك أهميتها. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى التأثير في الموارد التي توجّه لدعم البحوث،
إذ لا تقتصر أهمية الإعلام على شرح العلوم، واستدراج الاستثمارات إليه، لكنه يساهم في صنع صورة إيجابيّة تكون مواتية لتقدّم العلوم وبحوثها، ما يساعد الدولة والمستثمريين على مساعدة تلك البحوث التي يصعب إنجازها من دون موارد مادية وبشرية مناسبة.
ومع تجميع المعطيات السابقة، يمكن القول أن تبسيط النص العلمي عملية سياسية من الدرجة الأولى!
ويعتبر التمويل من أبرز المشاكل التي تعاني منها العلوم عربيّاً، كما تفتقر البحوث العلميّة إلى موارد ماليّة مناسبة. وفي معظم دول العرب، تتدنى موازنة البحوث بحيث تصبح كسراً عشرياً في المئة (أو أقل بكثير) من الموازنة العامة. ويُردّد كثيرون من المسؤولين أن تلك البحوث لا تجدي. والأرجح أن ذلك الرأي يستند إلى رؤية ضيّقة، ما يثير ريبة البعض في أن تجهيل الناس بالعلوم ودورها في حياتهم اليومية، هو تقويض لمفهوم الحوكمة الرشيدة.