قبل خمسة عقود من الزمن، بدأت حملات مكافحة التدخين، ومع ذلك ما زال التدخين يُعتبر من أخطر المشكلات الصحية في العالم.
التدخين يقتل نصف متعاطيه. وفي هذا الإطار، تفيد دراسة أميركية حديثة نشرت في مجلة «نيوإنغلاند جورنال» الطبية، بأن حوالى ٥٠٠ ألف أميركي يقضون سنوياً بسبب التدخين، وأن المدخنين يموتون في شكل أسرع من الأشخاص الذين لا يدخنون. وحتى الآن، وجد الباحثون أن للتدخين علاقة مع ٢١ مرضاً، من بينها ١٢ نوعاً من السرطان، وأنه كلما زاد عدد السجائر المدخّنة زادت احتمالات الإصابة بهذه السرطانات.
قبل نحو ٥٠ عاماً، وتحديداً في ١١ كانون الثاني (يناير) من العام ١٩٦٤، أصدر الطبيب الأميركي لوثر تيري، أول تقرير أكد فيه أن التدخين يسبّب سرطان الرئة، أما في أيامنا هذه فتشير التقارير الطبية الحديثة الى أن عدد السرطانات التي يثيرها التدخين وصل إلى 12، وهي:
١ـ سرطان الرئة، ويعتبر التدخين المتّهم الأول في أكثر من ٨٠ في المئة من الإصابات بهذا السرطان، الذي يحتل المرتبة الثانية بين السرطانات التي تصيب الرجال والنساء، كما أن عدد الوفيات التي يسبّبها هو الأكبر بين كل أمراض السرطان. ويبدأ سرطان الرئة بصمت، ولا يعطي عوارض إلا بعد وصوله إلى مراحل متقدّمة لا ينفع فيها أي دواء ولا حتى أي رجاء، ومن أبرز العوارض ضيق التنفّس، السعال، فقدان الوزن غير المبرر، آلام في الصدر، علامات التهاب القصبات أو التهابات الرئة.
٢- سرطان الحنجرة، والتدخين هو المسبّب الأول له، وعلى كل مبتلٍ بهذه العادة أن يراجع طبيبه عند حدوث أي تبديل في خامة صوته، خصوصاً عند المعاناة من البحّة المعندة، من أجل وضع النقاط على الحروف، لأن اكتشاف سرطان الحنجرة باكراً يسمح بتحقيق نتائج شفائية عالية تفوق نسبتها ٩٠ في المئة، ويتم بواسطتها الحفاظ على الحنجرة والصوت، أما إذا تأخّر التشخيص وامتدّ الورم فإن العلاج يزداد صعوبة، وبالتالي تقلّ نسبة الشفاء. وقد يحتاج الأمر إلى بتر الحنجرة وذهاب الصوت من غير رجعة.
٣- سرطان الفم واللسان، فالفم هو أول عضو يتضرر نتيجة التدخين، بسبب تعرّضه المباشر لمواده الكيماوية المدمّرة. ويعتبر سرطان الفم من أخطر عواقب التدخين، وهو يحصل بعد سنوات طويلة من الإدمان على هذه العادة، تتخلّلها شكاوى لا يعيرها المصاب الكثير من الاهتمام، مثل ظهور رقع بيض وتقرّحات صغيرة وتشققات في اللسان، وكلها مؤشرات مشبوهة.
٤- سرطان الشفة، وهناك رابط قوي بين التدخين وهذا النوع من السرطان الذي يصيب الشفة السفلى عادة نتيجة تهيّجها المستمر، كما الحال عند تدخين الغليون، وكل تقرّح في الشفة يجب أن يُنظر إليه بعين الشك حتى يثبت العكس، وكلما كشف هذا السرطان في طوره الأول زادت نسبة الشفاء، أما التأخر في رصده فنتيجته مأسوية.
٥- سرطان المريء الذي يزيد التدخين من خطر الإصابة به، وهو يصيب الرجال أكثر من النساء، ويزداد خطر الإصابة أكثر فأكثر إذا ارتبط التدخين بشرب الكحوليات. وتعتبر صعوبة البلع من أبرز العوارض المثيرة للقلق، والتي تستدعي الكشف الطبي السريع.
٦- سرطان المثانة، وتفيد الدراسات العلمية الحديثة بأن أكثر من نصف حالات سرطانات المثانة تحدث نتيجة التدخين، وأن سرطان المثانة هو في الواقع السرطان الثاني الأكثر شيوعاً من حيث ارتباطه بالتدخين بعد سرطان الرئة. إن أهم عارض لسرطان المثانة هو وجود الدم في البول، الذي يمكن أن يشاهد بالعين المجردة أو بعد إجراء تحليل البول. ويحقّق تشخيص هذا السرطان باكراً نسبة شفاء تزيد عن ٨٠ في المئة، في حين أن الاكتشاف المتأخر له يخفّض النسبة إلى ما دون ١٥ في المئة.
٧- سرطان الكلية، وهو يحدث عند المدخنين أكثر بمرتين من غير المدخنين، ويزيد التدخين من خطر الإصابة بسرطان الكلية المتقدّم، لأن أنسجة الكلية تعمل على تنقية الدم من المواد المسرطنة التي ينثرها التبغ في الدم، والتي يصل عددها إلى ما لا يقل عن ٨٠ مادة مسرطنة.
٨- سرطان المعدة، فقد أثبتت الدراسات، سنة بعد أخرى، أن هناك علاقة وطيدة بين سرطان المعدة والتدخين، وتزيد نسبة الإصابة بهذا السرطان طرداً مع عدد السجائر وسنوات التدخين.
٩- سرطان عنق الرحم الذي وجد العلماء رابطاً وثيقاً بينه وبين التدخين، وقد تم تفسير ذلك بأحد أمرين: إما أن التدخين يعمل على إضعاف جهاز المناعة فيصبح عاجزاً عن مواجهة فيروس الورم الحليمي البشري المثير للسرطان، وإما أن التدخين يحدث طفرة في المادة الوراثية تكون الشرارة التي تشعل فتيل السرطان.
10 – سرطان البانكرياس، وتزيد احتمالات الإصابة بهذا الورم عند المدخنين، وهو سرطان قاتل يحتل المرتبة الرابعة بين مسببات الوفاة في العالم، فتشخيصه صعب للغاية، وفي غالبية الحالات يتم رصده في شكل متأخر، لأن عوارضه لا تلوح في الأفق إلا بعد وصوله إلى مراحل متقدّمة.
١١- سرطان الكبد. إن غالبية الناس يعرفون أن التدخين يؤثر في القلب والرئة، لكنهم لا يعرفون أنه يمكن أن يضرّ بكل أعضاء الجسم الحيوية، ومن بينها الكبد، فمنتجات التبغ، في كل أشكالها، تلحق أضراراً بالغة بالكبد بسبب السموم الناتجة منه، والتي تمرّ حتماً عبر الكبد، الأمر الذي يجعله عرضة للإصابة باضطرابات شتى تهيئ الفرصة للسرطان.
١٢- سرطان القولون والمستقيم، ففي دراسة إيطالية سابقة نشرها الدكتور إدواردو بوتيري ورفاقه في مجلة الجمعية الطبية الأميركية، تبيّن أن التدخين يزيد من خطر نشوء سرطان القولون والمستقيم بنسبة ١٨ في المئة، ويزيد من خطر الوفاة بسببه بنسبة تصل الى ٢٥ في المئة بالمقارنة مع غير المدخنين.
زبدة الكلام، التدخين بجميع أنواعه، سيجارة، سيجار، نارجيلة، هو من أخطر العوامل التي تثير السرطان، فإذا كنت مدخناً عليك أن تأخذ قرارك فوراً بالتوقّف عنه، قبل أن يفتك بأعضاء جسدك الواحد تلو الآخر، فليس هناك أخطر من التدخين، سواء على صاحبه أم على المحيطين به، فإذا كنت لا ترأف بحالك فحريّ بك أن ترأف بالآخرين!