الأرجح أن القرن العشرين كان عصر الإلكترونيات بامتياز، إذ شهد ثورة في عوالم الكومبيوتر والأجهزة التكنولوجية الإلكترونية المختلفة. ومن المستطاع القول إن القرن 21 هو قرن الـ «فوتونيكس» Photonics، أي الموجات الضوئية- الكهرومغناطيسية وتطبيقاتها.
ويؤرخ العام 2015، لذكرى مرور ألف عام على ظهور «كتاب المناظر» في علم البصريات، للعالم العربي ابن الهيثم الذي عرف باسم «الهازِن» غرباً. وكان من رواد الفكر العلمي، وترك تراثاً علمياً غنياً في علوم مختلفة، خصوصاً الضوء والبصريات.
وكرست منظمة الـ «يونسكو» العام 2015 «سنة عالمية للضوء» International Year of Light. وكرمت العالم العربي ابن الهيثم. واشتركت الـ «يونسكو» مع «السنة العالمية للضوء- 2015 « ومنظمة «ألف اختراع واختراع» و «مركز الملك عبد العزيز للثقافة العالمية» في حملة تربوية دولية لإحياء ذكرى ابن الهيثم، والإضاءة على أهمية إنجازاته العلمية حول الضوء. وأطلق على الحملة عنوان «ألف اختراع واختراع وعالَم ابن الهيثم».
موجة أم حبة؟
منذ بداية القرن العشرين، اقترح عالِما الفيزياء ماكس بلانك وآلبرت آنشتاين أن للضوء طبيعة موجية (أي أنه موجات) وطبيعة جسيمية (أي أنه مُكون من جسيمات) سوية. وكان ذلك أمراً متناقضاً يصعب فهمه. هل يمكن الضوء أن يتمتع بطبيعتين متناقضتين في الوقت نفسه؟
وأثبتت الاختبارات تلك الطبيعة المزدوجة للضوء، إذ كانت نظرية ماكسويل حول الضوء تصنفه كحقل موجات كهرومغناطيسي، وكتبت معادلات أساسية عنه عُرِفَت بـ «معادلات ماكسويل». وتأكدت الطبيعة الموجية للضوء في القرن الثامن عشر عبر اختبارات شملت الرنين الضوئي، والتداخل الموجي، وانكسار الضوء وانعـــكاسه وتشـــتته عبر منشور زجاج، واجتماع ألوان الضوء في قرص دوار وغيرها.
في المقابل، ظهر شك في طبيعة الضوء الموجية، قبيل ختام القرن الثامن عشر. وظهرت اختبارات أخرى أظهرت الطبيعة الجسيمية للضوء، إذ تعتمد الكهرباء على قوة الفوتون الضوئي في الدفع الميكانيكي للإلكترون، و «الريح الإشعاعية» و «ضغط الأشعة» يعتمدان كذلك على وجود جسيمات ضوئية تستطيع أن تولد دفعاً ميكانيكياً.
ولوحِظَت الظاهرة الفوتوفولطية من قبل أنطوان بيكيريل في العام 1839، ثم عرضها هنريك هرتز عام 1887، كاختبار علمي موثق ونشرها في مجلة «أنالِن دِر فيزِك» العلمية الفيزيائية. إلا أن الذي قطف ثمار ذلك الاكتشاف هو آلبرت آينشتاين، الذي أضاف عام 1905 شروحات تفصيلية على مقالة هرتز، يتفاعل بموجبها كل فوتون ضوئي بوصفه وحدة طاقة أولية (وتسمى «كوانتوم» طاقة) مع إلكترون واحد، ويؤثر عليه.
ونال آينشتاين جائزة نوبل للفيزياء على تلك الإضافة عام 1921، وحرم منها هرتز أو ماكس بلانك، الذي أطلق عام 1900 نظريته الكمومية التي يمثل بموجبها الفوتون الضوئي وحدة كمومية لطاقة الضوء.
وجرت ملاحظة «ضغط الأشعة» و «الريح الضوئية» في الأعمال النظرية لجيمس ماكسويل عام 1871 وليبيديف عام 1900، ثم في الأعمال الاختبارية لإرنست نيكول وغوردون هول ووليام كروكس في بدايات القرن العشرين، ففي اختبار كروكس مثلاً، وُضِعت مروحة خفيفة داخل وعاء كروي زجاجي مفرغ من الهواء، وأثبت كروكس أن المروحة تدور حين يُوجه إلى إحدى شفراتها ضوء مناسب .
وبقول آخر، تثبت التجربة أن الضوء يتمتع بقدرة ميكانيكية قادرة على دفع شفرة المروحة وجعلها تدور كما لو أن حزمة الأشعة الواقعة على الشفرة كانت ريحاً هوائية! وبعد تلك الاختبارات، بدأ الحديث عن الريح الشمسية والشراع الشمسي كأسلوب سفر كوني بطاقة الدفع الضوئي وحده. وفهم بعد ذلك كيف أن ذيل أي مذنب يقترب من الشمس يكون موجها بالاتجاه المعاكس للشمس نتيجة دفع الريح الشمسية للغبار الذي يشكل الذيل.
وكان على العالم انتظار أعمال العالم الفرنسي لويس دي برويلي الذي أطلق عام 1924 في أطروحته للدكتوراه، مقولة أن للإلكترونات (وهي تعتبر جسيمات ذات شحنات كهربائية) طبيعة موجية أيضاً. وطرح نظرية قوامها أن لكل جسم مادي صفات موجية. ونالت نظرية دي برويلي جائزة نوبل للفيزياء عام 1929، كانت أساس ما سمي لاحقاً بازدواجية الطبيعة المادية- الموجية، وشكلت بعد ذلك الجزء المركزي من أعمال إيرفينغ شرودنغر في نظرية الميكانيكا الكمومية.
تنتج الطاقة الشمسية عبر استخدام قوة الفوتونات الضوئية على الإلكترونات كما يكون في إنتاج الكهرباء الفوتوفولطية، أو بتوليد الكهرباء الحرارية من الحرارة الملتقطة من الشمس.
ويرتبط النقاش عن الضوء والطاقة بأمرين بارزين، إذ بات الأول يشكل قسماً من الكهرباء عالمياً وتطبيقاتها الحرارية، والمقصود هو طاقة الشمس، فيما يحتاج الثاني إلى مزيد من التطوير إذ يتمثل في اختراع أشعة لايزر تكون لها قوة كافية لخلق اندماج نووي للهيدروجين، ما يعطي طاقة هائلة، كما هي الحال في قلب الشمس.
والمعروف أن أشعة الشمس التي تغمر الأرض يمكن تحويلها إلى حرارة وكهرباء. وتعمل حكومات وباحثون على تطوير تقنيات مجدية للحصول على مزيد من الطاقة الشمسية النظيفة بيئياً.
ويتوقع أن تؤمن طاقة الشمس مصدراً لا ينضب من الطاقة المستدامة التي تتيح تقليص التلوث وتخفيض كلفة التصدي لتغير المناخ.
وحاضراً، باتت وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية الرخيصة عبر الإنترنت، التواصل بالصوت والصورة والفيديو، والمعاملات البنكية بين الفروع والدول، وحجوزات الفنادق والرحلات وغيرها، من الأمور التي يتنعم بها الجميع، بوصفها أموراً بديهية في الحياة اليومية. وربما لا يخطر في بال كثيرين أن تلك التقنيات تستند إلى الضوء، أو بتعبير أدق إلى موجاته الكهرومغناطيسية.