إنّها صورة مقلقة حقّاً تلك التي شرعت تتبلور أمام أعين علماء وكالة «ناسا» الأميركيّة، عن المسار الكوارثي الذي أدى إلى جعل المريخ كوكباً خالياً من الحياة، بعد أزمنة يرجح أنّ الماء كان فيّاضاً في أرضه وجنباته، بل ربما مع أشكال مختلفة للحياة عليه. ما الذي حصل إذاً، وكيف؟ هل «ذلك الذي كان» في ماضي المريخ قابل للتكرار على الأرض: الآن وربما في مستقبل غير بعيد، إذا استمر التدهور المريع في البيئة والغلاف الجوي؟
ورسم موقع «الجمعية الأميركيّة للتقدّم العلمي» صورة أوليّة عن سيناريو زوال الغلاف الجوي، بتقديمه تلخيصاً مكثّفاً عن أربعة أوراق قدمتها أخيراً فرق بحثيّة في «الوكالة الوطنيّة للطيران والفضاء» الأميركيّة.
واستندت الأوراق إلى معلومات جمعتها مركبة الفضاء «مافن» التي تحلّق منذ سنة حول المريخ، حاملة أجهزة متخصّصة في تحليل أجواء «بقايا» الغلاف الجوي للمريخ، وكذلك تحليل تربته ومعطياته الجيولوجية، إضافة إلى مراقبة حقل جاذبيته الضعيفة أيضاً.
وقارنت الأوراق البحثيّة معلومات «مافن» بتلك التي ما فتئت تتراكم منذ وصول مركبة «فايكنغ» الأميركيّة في العام 1976 إلى المريخ، خصوصاً مع الإجماع على وجود ماضٍ مائي للمريخ، ما يفترض أيضاً أن جوّه كان محمّلاً بثاني أوكسيد الكربون الذي يتكفّل بـ «حبس» بعض من دفء ضوء الشمس، فلا يبدّد برد الليل كل ما أدفأه النهار. أين تبدد ثاني أوكسيد الكربون، فبات نادراً في الغلاف الجوي الصفيق للمريخ حاضراً؟ أين ذهب ماء المريخ: غاص في أعماق الكوكب الأحمر أم تبدّد بدوره في الفضاء؟
ثمة احتمالان أساسيّان: إما أن الغلاف الجوي للمريخ تخلخل في الماضي، كما يحدث مع الأرض حاضراً، ففقد قدرته على حماية نفسه أولاً والماء تالياً، وإما أن «حدثاً كونيّاً» تسبّب بذلك.
ورجحت الأوراق العلمية التي عرضها موقع «ساينس» الناطق بلسان «الجمعية الأميركيّة للتقدّم العلمي»، الاحتمال الثاني.
وأشارت إلى أن عاصفة شمسيّة عاتية تجمعت قواها ومكوّناتها الذريّة القويّة، في منطقة «الإكليل» الشمسي. وتولد العواصف الشمسيّة في قلب ذلك الفرن النووي الجبّار، لكنها «تضعف» قليلاً عندما تتّجه للخروج منه. وفي منطقة «الإكليل»، يحدث نوع من استعادة القوّة لتلك العواصف، فتنطلق مجدداً بقوة توازي، بل تزيد أحياناً، عن قوة الولادة.
ووفق «ساينس»، يبدو أن عاصفة شمسيّة عاتيّة ضربت المريخ كأنها جمع من قنابل ذريّة نوويّة، فأدّت قوّتها ونيرانها ومكوّناتها إلى خلخلة الغلاف الجوي للمريخ، وفكّكت ثاني أوكسيد الكربون (وهو ثقيل بمكوّناته الذرية)، فتبدّد في الفضاء. وحلت على المريخ برودة قاسيّة، تتناوب مع حرارة لافحة نهاراً. وتبدّدت مياه المريخ، متوزّعة بين التبخّر إلى الفضاء، والتجمّد في السطح، وربما البقاء سائلاً في أعماق غير مرصودة حتى الآن في الكوكب الأحمر.