تضمن اتفاق «وقف العمليات العدائية» في سورية تفاهمات أميركية – روسية لم تذكر في البيان المشترك، بينها تبادل خرائط بين الخبراء لحل مشكلة «التداخل» بين التنظيمات المسلحة ومناطق «جبهة النصرة» المستثناة من العملية، والمعارضة المعتدلة، والاستعداد لتوفير غطاء جوي لتقدم القوات النظامية من جهة والمعارضة من جهة أخرى لاستعادة مناطق «داعش» شرق البلاد وشمالها. لكن دولاً غربية بقيت حذرة في التفاؤل بتنفيذ موسكو «تنازلاتها الشفوية»، وسط قلق دمشق من تكرار عبارة «استخدام القوة» في الاتفاق.
وفي الجانب «الإيجابي»، هناك أمران: الأول، إجراء مفاوضات «وقف العمليات العدائية» من مبعوثين للرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين ومتابعتهما الشخصية لجميع المراحل تعبيراً عن التزامهما العملية. والثاني، تقديم بوتين الاتفاق على أنه «انتصار شخصي» له وإلقاء خطاب متلفز إلى الرأي العام الروسي يدافع عن الاتفاق، ونيته دفع حلفائه -خصوصاً إيران والحكومة السورية- إلى تطبيقه، وتشبيه ذلك بـ «الاتفاق الكيماوي» نهاية عام 2013، وفق مسؤول غربي. وأشار لـ «الحياة» إلى وجود أمرين دفعا بوتين إلى ذلك، الأول أنه حقق ما كان يصبو إليه، وهو اعتراف من أوباما بالشراكة في إدارة ملف دولي كبير يتعلق بسورية وربما «بعض الحوافز» المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، خصوصاً أن أوباما وافق على طلب بوتين إقصاء بقية الدول الخمس دائمة العضوية والاكتفاء بشراكة تسترجع ثنائية «الحرب الباردة». والثاني، الدفع باتجاه حل سياسي خلال الأشهر المتبقية من ولاية أوباما، لأنه لا يريد تورطاً أكبر في الحل العسكري ونشر قوات برية من دون أفق سياسي، خصوصاً أن تجربة أفغانستان ماثلة في ذهنه، وأن دولاً إقليمية و «فرسان الحرب الباردة» في دول غربية يريدون إغراق روسيا بـ «المستنقع».
وبدا أن اتفاق أوباما- بوتين يتضمن عناصر أكثر مما جاء في البيان المشترك، بينها بدء الطيران الروسي والسوري فجر السبت «وقف القصف» على معظم المناطق السورية، على أن يستمر ذلك ثلاثة أسابيع قابلة للتمديد، إضافة إلى استئناف المفاوضات بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة برعاية دولية في جنيف الأسبوع المقبل. وأوضح المسؤول أن تطبيق الاتفاق سيفتح الباب أمام بدء حملة أميركية- روسية مشتركة لمحاربة «داعش»، بحيث تتقدم «القوات المسلحة في الجمهورية العربية السورية»، وفق نص الاتفاق، للسيطرة على مناطق «داعش»، وبينها الرقة عاصمة التنظيم، من دون أن تتعرض لها القاذفات الأميركية، في مقابل أن يتقدم مقاتلو المعارضة لاستعادة مناطق «داعش» شمال حلب من دون أن يتعرض الطيران الروسي لها.
«المعضلة» في الاتفاق كانت «جبهة النصرة»، إذ دفعت دول إقليمية لاستثنائها من «وقف القصف»، فيما تمسكت روسيا بتصنيف مجلس الأمن لها مع «داعش» على أنهما «تنظيمان إرهابيان». ووفق المسؤول، تبادل الخبراء الأميركيين والروس الخرائط التفصيلية لأماكن انتشار «النصرة» وبقية الفصائل، ما يعني انه في حال التداخل بين عناصر «النصرة» وفصائل أخرى فإن الروس لن يقصفوا مناطقها، لأن نطاق الغارات محصور بـ «المناطق الصافية للإرهابيين»، ما يعني شمول «وقف القصف» معظم محافظات إدلب وحلب وحماة. وكان هذا حلاً لـ «معضلة» تشكيل «جيش الفتح»، الذي يضم «النصرة» و «أحرار الشام» وينتشر عناصره في محافظة إدلب.
وتضمن الاتفاق على آليات للتنسيق عبر «خط ساخن» بين الجيشين، بحيث لا يتم القصف في شكل فوري، بل أن تجرى المراجعة خلال 24 ساعة، لإعطاء الفرصة لفصائل معتدلة للابتعاد من مناطق «النصرة» لمعالجة عدم الامتثال بوسائل غير عسكرية، مع ترك الباب مفتوحاً لاستخدام القوة في المرحلة الأخيرة. وقال مسؤول إن «استخدام القوة» ينطبق أيضاً على أنصار النظام، ما يشكل «غطاء سياسياً» لإمكان استخدام ذلك ضد ميلشيات موالية للنظام لا تلتزم الاتفاق.
وشكل بند «استخدام القوة» عنصر قلق للحكومتين الإيرانية والسورية، الأمر الذي فسر قرب وصول نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى طهران، وسفر وفد رسمي سوري يضم المستشارة الرئاسية بثينة شعبان إلى موسكو. وتبلغت دمشق من مسؤول روسي، أن دعم بوتين النظام «لم يكن يرمي إلى تحقيق انتصار ساحق، بل تحسين الموقف التفاوضي»، لافتاً إلى أن الاتفاق مع واشنطن على عدم تشميل «الجيش الحر» و «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» في القائمة السوداء، يعني ضرورة استعداد دمشق لـ «الشراكة السياسية».
في المقابل، هناك حرص في عواصم غربية وإقليمية على عدم المبالغة في التفاؤل بإعلان «وقف العمليات العدائية» لأسباب عدة، أولها ضرورة تحويل بوتين «التنازلات الشفوية» إلى واقع على الأرض، بحيث لا يكون هدفه شراء الوقت، خصوصاً أنه لم يلتزم اتفاقات سابقة، بينها «بيان جنيف» وأربعة قرارات دولية تتعلق بالشؤون الإنسانية والقرار 2254، إضافة إلى «اختبار النفوذ الجدي» الذي يملكه على الرئيس بشار الأسد، الذي بادر إلى تحديد موعد الانتخابات البرلمانية في 13 نيسان (أبريل) بعيداً من مخرجات القرار 2254 الذي يربط الانتخابات بالعملية السياسية.
ومن العقبات الأخرى، مدى التزام دول إقليمية حليفة للمعارضة، وإن كانت موسكو وافقت على عدم إدراج «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» ضمن التنظيمات الإرهابية ووافقت على تجميد الهجمات التي بدأها المقاتلون الأكراد وعدم اشتراط إغلاق حدود تركيا إرضاء لأنقرة ودول إقليمية. لكن «التحدي الأكبر» هو التداخل الفعلي بين «جبهات القتال» والتنظيمات «الإرهابية» وتلك المعتدلة المقبولة روسياً وأميركياً، وسط توقعات بحصول «إعادة تموضع» وانشقاقات، بحيث ينتقل متشددون من فصيل معتدل إلى «النصرة» أو «داعش» أو انتقال معتدلين منهما إلى فصيل معتدل، علماً أن مجلس الأمن سيضيف تنظيمات أخرى إلى القائمة السوداء يعتقد أنها «جند الأقصى» المنضوي في «جيش الفتح» و «الجيش الإسلامي التركستاني» الحليف لـ «الفتح»، إضافة إلى «جيش النصارى والمجاهدين» التابع لـ «داعش». وأسست روسيا غرفة عمليات في قاعدتها العسكرية في اللاذقية للبحث في التنسيق مع القوات النظامية والمعارضة.
وفي واشنطن (رويترز)، قال وزير الخارجية جون كيري إن «البرهان سيظهر في الأفعال خلال أيام وسنعلم خلال شهر أو اثنين ما إذا كانت عملية انتقال (سياسي) جادة وسيتعين على (الرئيس بشار) الأسد اتخاذ بعض القرارات الحقيقية في شأن تشكيل عملية حكم انتقالي حقيقية. إذا لم يحدث هذا هناك خيارات لخطة بديلة قيد الدراسة. ومن الخطأ افتراض أن أوباما ليست لديه خيارات أخرى إذا لم يفلح الحل الديبلوماسي». وأضاف: «ربما يفوت الأوان لإبقاء سورية موحدة إذا انتظرنا فترة أطول».
في نيويورك، استعد مجلس الأمن بمبادرة من روسيا، للدعوة إلى «استئناف المفاوضات بين الأطراف السوريين برعاية الأمم المتحدة في أقرب وقت، والسماح بشكل فوري للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى كل من هم في حاجة إليها في سورية، وخصوصاً في المناطق المحاصرة». ويستمع المجلس غداً إلى إفادة من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لتحديد موعد المفاوضات. ووزعت روسيا مشروع بيان في المجلس يؤكد التزام مجلس الأمن القوي دعم «سيادة سورية واستقلالها وسلامة ووحدة وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية»، ويؤكد على ضرورة دعم مجلس الأمن جهود دي مستورا والحاجة إلى التطبيق الكامل لبيانات مجموعة الدعم الدولية لسورية وقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وبيان جنيف وإدانة تفجيرات دمشق وحمص.