هناك مهندس يعمل في وكالة الفضاء والطيران الأمريكية “ناسا” ويسعى للوصول بنا إلى النجوم الواقعة على بعد سحيق باستخدام “مظلة عملاقة مكسورة”.
بالنسبة لعشاق سلسلة الخيال العلمي المعروفة باسم “ستار تريك”، سيكون الرابع من إبريل/نيسان عام 2063 يوماً عظيماً. فبحسب أحداث هذه السلسلة، سيشهد هذا اليوم قيام الشخصية الخيالية زيفرام كوكِرن، العبقري في علم الصواريخ، بأول تجربة ناجحة لاستخدام ما يُعرف بـ “محرك الالتواء” الزماني المكاني، الأسرع من الضوء، والذي ابتكره ليزود به سفن الفضاء.
ومن شأن هذه التقنية المفترضة إحداث ثورة في عالم رحلات الفضاء، إذ ستُمكن المركبات الفضائية من الحركة بما يفوق سرعة الضوء، لتقودنا بجسارة إلى حيث لم يذهب بشري من قبل. وربما ستظهر في هذه الحالة تلك المخلوقات الخيالية التي حدثتنا عنها أفلام “ستار تريك”، مثل الروبوتات المعروفة باسم “فولكانز”.
ولكن على أرض الواقع، تظل المركبات الأسرع من الضوء، ومحركات الالتواء الزماني المكاني هذه، وكذلك ما يُعرف بـ”الثقوب الدودية” – وهي ممرات يُفترض وجودها داخل الثقوب السوداء وتسمح بالانتقال بين الأكوان أو الأزمان – مجرد مفاهيم خيالية ونظرية.
ورغم أن تصورات مثل هذه قد تكون ممكنة بشكل ما، بل وربما يكون من المحتمل أيضاً أن تَصْدُقْ الفكرة الخاصة بالقدرة على إحداث ما يُعرف بـ”الالتواء” في الفضاء، أو السفر عبر طرق مختصرة فيما يعرف بـ “النسيج الزماني المكاني”؛ فإن قلةً من علماء الفيزياء على استعداد للمراهنة بجدية، على خطأ ما يجزم به ألبرت آينشتاين، من أنه لا يوجد شيءٌ قادرٌ على الانتقال بسرعة تفوق سرعة الضوء.
إذاً، ما الذي يعنيه ذلك، بالنسبة لمن يريدون استكشاف ما هو أبعد من المناطق القريبة منّا في الكون؟
على أي حال، يشكل المسبار “فوياجر1″، المركبة الفضائية الوحيدة التي بلغت بقاعاً في الكون أبعد من الكواكب والكويكبات والأقمار التي تسبح في إطار مجموعتنا الشمسية. وفي وقتنا الراهن يبعد هذا المسبار المقدام، الذي يتحرك بسرعة نحو 17 كيلومتراً في الثانية، عن الأرض مسافة تقدر بنحو 20083476000 كيلومتر.
قد يبدو ذلك مثيراً للإعجاب، حتى يتذكر المرء أن “فوياجر1” أُطلق عام 1977، وكان مزوداً بالتجهيزات العلمية التي كانت متوافرة في مطلع سبعينيات القرن العشرين، من كاميرات وأجهزة استشعار؛ وأنه يسبح في الفضاء منذ نحو 40 عاماً.
ولذا، فقبل أن يحاول البشر إرسال مسبار آخر إلى الفضاء السحيق خارج مجموعتنا الشمسية، يأمل المهندسون العاملون في هذا المجال في التعرف على طريقة أخرى أكثر سرعة للسفر الفضائي، من شأنها جعل المركبات الفضائية تصل إلى مقاصدها، قبل أن تنتهي الطاقة التي تُمكِّنُها من الحركة وإرسال بياناتها إلى الأرض.
وثمة خيارات متعددة مطروحة في هذا الشأن. فالبعض يفضل ما يُعرف بـ”الأشرعة الشمسية”، وهي عبارة عن ألواح عملاقة عاكسة للضوء مثل المرآة، تتحرك بقوة الفوتونات التي يمكن امتصاصها من أشعة الشمس.
وهناك علماء آخرون، بينهم عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ، يرون أنه من الأفضل تسيير هذه الأشرعة بواسطة حزم شديدة التركيز من الفوتونات، التي تتولد نتيجة إطلاق إشعاع ليزر، سواء من الأرض، أو من أقمار صناعية تدور في الفضاء.
ولكن بروس ويغمان، وهو أحد مهندسي “ناسا”، يبحث حالياً إمكانية السفر إلى النجوم بواسطة نظام دفع يشبه “مظلة عملاقة مكسورة” أو “قنديل بحر” تشبه زوائده الأسلاك أو الأوتار.
ويقوم نظام الدفع هذا على أساس مفهوم يُعرف باسم “الدفع الكهربائي” أو “الدفع بالشراع المُكهرب”. ويتألف من مسبار فضائي موضوع في مركز مروحة من الأسلاك المعدنية.
وفي إطار هذه المنظومة، لا تتحرك مركبة الفضاء بفعل الفوتونات، وإنما تستفيد أشرعتها المُكهربة، من الطاقة المستمدة من الرياح الشمسية. وتتمثل هذه الرياح في تيار من الجسيمات المشحونة يتدفق باستمرار من الشمس بسرعة نحو 400 كيلومتر في الثانية.
وتشير الدراسات الأولية إلى أن سرعة أي مركبة فضائية تتحرك بفعل طاقة الرياح الشمسية هذه ستزيد بواقع ثلاثة أمثال على نظيرتها المزودة بشراع شمسي.
ويشرح ويغمان، الذي يعمل في مكتب المفاهيم المتطورة التابع لوكالة “ناسا”، والواقع بمركز مارشال لرحلات الفضاء في ولاية ألاباما الأمريكية، طريقة عمل منظومة الدفع هذه بالقول إنها تقوم على وجود “أسلاك طويلة ورفيعة وغير مغطاة ومشحونة بشحنة موجبة، تمتد خارجةً من مركبة فضاء، تدور حول نفسها ببطء”.
ويضيف بالقول: “إن هذه الأسلاك موجبة الشحنة ستدفع الأيونات ذات الشحنة الموجبة كذلك، الموجودة في الرياح الشمسية، ما يؤدي إلى دفع المركبة الفضائية إلى الأمام. الأمر يشبه ما كنا نفعله عند اللهو بقطع ممغنطة في المدرسة، حيث كانت الأقطاب المغناطيسية المتماثلة تتنافر، وهو ما يؤدي إلى ابتعاد كل منها عن الآخر”.
ويشير ويغمان إلى أن نجاح هذا الأسلوب، سيُمكّن العلماء من إطلاق مهمة ذات طبيعة مشابهة لمهمة “فوياجر1″، ولكن “خلال 10 أو 12 سنة”.
ويضيف بالقول: “يمكننا (في هذه الحالة) الوصول إلى بلوتو في غضون خمس أو ست سنوات، أي نصف المدة التي استغرقتها مهمة المركبة ‘دون’ التي أُطلقت قبل سنوات، كما سيمكننا الوصول إلى كوكب المشترى خلال عامين”.
غير أن ثمة صعوبات تكتنف تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع، أو بالأحرى “ثُلة من المشكلات” كما يقول توماس زوربيشينK أستاذ الفيزياء الفلكية بجامعة ميشيغان.
ويوضح زوربيشين قائلاً: “الجانب الأكبر من الطاقة المنبعثة من الشمس عبارة عن ضوء”. ويضيف: “إجمالي القوة التي تسري عبر شراع شمسي تعادل تقريباً قوة جاذبية لوح من الشوكولاته موضوع على أرضية ملعب لكرة قدم. أما قوة الرياح الشمسية فهي أقل من ذلك بآلاف المرات”.
وهكذا، فبينما قد يصل عرض الشراع الشمسي الواحد بضع مئات من الأمتار، فإن المظلة الفضائية التي تطورها “ناسا” ستحتاج لأن تكون ذات قطر مذهل يناهز 40 كيلومتراً، أي في حجم مدينة كاملة، مع وضع الأسلاك المرتبطة بها بداخل مركبة فضاء، حتى يتسنى إطلاقها على متن صاروخ تقليدي، من قبيل صاروخ الإطلاق الجديد المستخدم حاليا من قبل الوكالة، والذي يطلق عليه اسم “منظومة الإطلاق الفضائي”.
وقد قاد زوربيشين مؤخراً فريقاً بحثياً أجرى دراسة أمريكية مهمة، وخلصت إلى أن الأقمار الصناعية صغيرة الحجم المخصصة لأغراض أبحاث الفضاء، والتي يُعرف الواحد منها باسم “كيوب سات”، قابلة للاستخدام في مجال الاستكشاف العلمي للكواكب، وأنها أقل تكلفة بكثير من مركبات الفضاء التقليدية.
لكن زوربيشين غير مقتنع بأن استخدام أنظمة الدفع التي تعتمد على “الأسلاك المشحونة”، هو السبيل الأمثل لتسيير مثل هذه الأقمار. ويقول في هذا الصدد إن خصائص المواد المستخدمة لهذا الغرض “مروعة”. ويستطرد قائلاً: “أكثر من مئة عام، ونحن نُصنّع أسلاكاً، ولا تزال هذه الأسلاك تنكسر”.
وأضاف زوربيشين بالقول: “إذا نظرت إلى الأسلاك، فستجد أنها ستبقى ثقيلة الوزن، لأنها من المعدن. كما ينبغي أن تكون ذات جودة عالية، وإلا احترقت تماماً عند تمرير الكهرباء فيها. وحتى مع ذلك، فستنكسر هذه الأسلاك إذا ما ارتطمت بحجر نيزكي صغير”.
ولتسيير رحلات المسابير التي ترمي لاستكشاف ما هو أبعد من نظامنا الشمسي في المستقبل؛ يفضل زوربيشين الاستعانة بنظم الدفع التي تعمل بالأشرعة الشمسية، أو اللجوء إلى نظم دفع نووي، أو ربما مزيج ما بين الاثنين، بدلاً من استخدام أنظمة الدفع والتحريك التي تعمل بالأشرعة المُكهربة.
ولا يعني ذلك أن عملية تحريك المسابير الفضائية باستخدام “المظلة المُكهربة” مستحيلة، لكنها قد تكون عسيرة التحقيق فحسب.
وفي الوقت الحاضر، يعكف الفريق، الذي يقوده ويغمان، على تطوير المقومات الهندسية الأساسية المتعلقة بهذه العملية، ويأمل أفراده في إجراء تجارب عليها بالاستعانة بأسلاك مربوطة ببالوناتٍ، موضوعة على ارتفاعات شاهقة.
وهنا يقول ويغمان: “نحاول أن نثبت (فاعلية) هذه التقنية”. ويضيف ويغمان، الذي يأمل في تنفيذ أول مهمة توضيحية في هذا الشأن أوائل العقد المقبل، بالقول: “ندرس كذلك التفاصيل الفيزيائية الخاصة بهذا الأمر، ليتسنى لنا التعرف على مقدار الطاقة الدافعة التي يمكن أن توّلدها الرياح الشمسية”.
ويتابع: “كل شيء ينبغي له أن يبدأ من مكان ما. وإذا استطعنا إثبات صحة الافتراضات الفيزيائية التي نعمل بها، فلن يصبح أمامنا سوى التحدي المتعلق بتنفيذ ذلك هندسياً”.
فإذا ثبتت فاعلية هذه التقنية، سيكون بالإمكان إطلاق مركبة فضائية تتحرك بشراع مُكهرب لتتولى المهمة المنوطة حاليا بـ”فوياجر1″. أو ربما سيتنحى كلاهما عن الطريق تماماً، إذا ما انتظرنا ظهور زيفرام كوكرن، تلك الشخصية الخيالية القادمة من سلسلة “ستار تريك”، ليبتكر لنا محرك الالتواء الزماني المكاني الخاص به، والأسرع من الضوء.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.