مسرحية “الملف” التي عُرضت في قاعة “الرواق” في ثانوية مجدل شمس،ضمن جولة العروض الثانية في الجولان، تعتبر أولى انتاجات فرقة “أنسامبل عالحدود” المسرحية، التي انطلقت مؤخرا في الجولان السوري المحتل، من تمثيل وتأليف الفنان الموهوب رائد شمس، وإخراج الفنان جابر ابو جبل.
“المف” – مونودراما جولانية، اختصرت ألمنا كما اختصرت فرحنا، أبكتنا، أضحكتنا، نزعت عن وجوهنا أقنعتنا، وجردتنا حتى من ثيابنا.. حتى شعرنا بقلقنا، بخوفنا، بجبننا، بحبنا، بغرائزنا البهيمية، وغرائزنا الانسانية، وعرت فينا هذه الجدلية المتناقضة بين الـ”هنا” والـ”هناك” التي أشار اليها الكاتب الجولاني معتز أبو صالح في معنى الحدود في مسرحية “قمر على باب الشام”.
قبل اثني عشر عاماً، احتضن مسرح عيون في جمعية جولان لتنمية القرى العربية في الجولان المحتل، عددا من طلاب دورة المسرح والتمثيل بإشراف الكاتب معتز أبو صالح والمخرج الفلسطيني إيهاب سلامة، وكان “فرسان المسرح الـ 18″، (وهو الاسم الذي اطلقه عليهم مدير مسرح عيون، انذاك معتز أبو صالح)، لم تتجاوز أعمارهم الـ 12 عاماً، شارك معظمهم بعدة أعمال مسرحية تحت إشراف الفنانة والمخرجة آمال قيس \أبو صالح من خلال مسرح عيون.
بين 2004 و 2017 مسافة زمنية قصيرة بمقياس الأحداث الاجتماعية والشخصية والتاريخية، ولكنها مسافة طويلة بمقياس الانجازات التي شهدتها على الصعيد الشخصي لاثنين من فرسان ذاك الزمن الصغار، الذين غدوا اليوم كباراً في قدرتهم وتمسكهم بالحلم، الذي كان مجرد لعبة في العام 2004 – “لعبة الاحلام”، وتجسدت اليوم بفخر واعتزاز لوحة فنية إبداعية في المشهد الثقافي والأكاديمي الجولاني.. من وجوه تلك اللوحة أسماء كخولة ابرهيم، نهاد رضا، أميه القيش، إباء منذر، منار أبو جبل، إيبلا مرعي، وعدد آخر من أولئك الفرسان الصغار الذين أبكونا كثيرا لكنهم حملوا أوجاعنا وحقيقتنا كما هي اليوم، عارية دون اقنعة…
مسرحية الملف التي أخرجها الشاب المبدع جابر أبو جبل، وقام بدور البطولة فيها رائد شمس، فتحت أوجاعنا الشخصية، وحاكت وجداننا الوطني، واختصرت كل الملفات التي يعيشها الجولان المحتل. لامست بواطن ضعفنا، والخراب والتخريب فينا، وبواطن القوة والتحدى في دواخلنا، التي همشتها السلطات التي تحتلنا، والسلطات التي تحتل الوطن، معاً، وشوهتها الحرب وسفك الدماء والقصف والموت والرصاص والسجن والكيماوي في الـ “هناك” ، والظلم والعنصرية والتميز والمصادرة، والخنق والتهويد وسلب الذات الثقافية في الـ “هنا”…
“الملف” – هو حالة شخصية، لكنها تشبهنا جميعاً. تحكي عنا جميعا. ليس حالة رمزية وتعبيرية واخراجية رائعه كنص مسرحي، وإنما تجسيد لحقائق ندخلها بقصد أو دون قصد في شريط النسيان. تُجبرنا أثناء المشاهدة أن نتأثر مع الحالة المسرحية الواقعية. أن نبكي ونفرح معها. أن نغوص في دواخلنا. أن نعبر معبر القنيطرة ونختنق أمام الضباط الإسرائيليين والسوريين، وجولات الاسئلة والتحقيق، ونتجول في شوارع دمشق وفي جامعتها، ونمشي في شوارعها، ونتحمل قاذوراتها، ونحتمي بجمالياتها وقداستها فينا،
رائد شمس، من خلال زهير أبو دقة، استطاع اختطافنا بخطة محكمة إلى داخله، فاكتشفنا أنه لا زال داخل لعبة الأحلام، يتلاعب فينا ويعرينا جميعا، ويقص علينا قصتنا نحن وحكايتنا نحن.. واختار لنا طريق إصلاح أنفسنا من خطايانا.. من عجزنا.. وصمتنا.. من ظلمنا لأنفسنا وأحلامنا…
من هناك، من لعبة الأحلام والألوان، من العتمة، انطلق المشروع الجنيني للمسرح في الجولان المحتل. ومن هنا من”الملف” يجب الوقوف بجرأة وشجاعة وقوة، وتقييم ونقد هذا المشروع، ورفده بكل الإمكانيات والطاقات ليتجاوز الحدود التي صنعتها ذواتنا…
مسرحية الملف
تأليف وتمثيل: رائد شمس
دراماتورجيا: معتز أبو صالح.
تأليف موسيقي: عقاب المغربي.
عزف: لبنى مداح وهيلانة خاطر.
تسجيل موسيقي: بشر أبو صالح.
سينوغرافيا: ديمة الصفدي.
تصميم إضاءة: نعمة زكنون.
إخراج: جابر أبو جبل.
انتاج: انسمبل عالحدود.