ضمن مشروع الأبحاث والدراسات، استضاف صالون (الجولان) المنبثق من مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، يوم الجمعة 29 أيلول/ سبتمبر، حلقةً بحثية وحوارية حول مستقبل الزراعة في الجولان السوري المحتل، بمشاركة الباحثة الفلسطينية منى الدجاني التي تُجري بحثًا حول تأثير التغيرات المناخية على الزراعة والمياه والبيئة في الجولان السوري المحتل، وقدرة المزارعين على مواجهة العوامل الطبيعية والبشرية، للحفاظ على هذا القطاع المهم في حياة سكان الجولان الاقتصادية، والمهندس الزراعي شحاذه نصر الله، من بلدة مجدل شمس، ود. تيسير مرعي الناشط وعضو جمعيات المياه في الجولان، والمهندس الزراعي منصور أبو شبلي من بلدة بقعاثا، ومدير (براد حرمون) الشيخ بهجت أبو عواد، وعصام عماشة منسق لجنة (براد حرمون) في بلدة بقعاثا، ومحمد أبو صالح، المزارع خريج كلية الاقتصاد، وناصر الصفدي المزارع من قرية مسعدة، ورياض أبو زيد خريج كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وفايز الصفدي عضو لجنة جمعية المياه، والمهندس الزراعي فاضل السيد أحمد، ود. يوسف أسعد بريك، المختص بإدارة الاعمال من جامعة كلوج في رومانيا، إضافة إلى المزارعين: هايل أبو جبل، وكنج أبو صالح، ونزيه أبو جبل.
افتتح اللقاء فوزي أبو صالح مدير صالون (الجولان) بكلمة ترحيب بالحضور، منوهًا بأهمية هذه الحلقة البحثية الحوارية التي تأتي في ظل الأزمة الإنتاجية التي تواجه مزارعي الجولان المحتل، بعد أن انحسر إنتاج التفاح هذا الموسم بنسبة 20 بالمئة، عن الإنتاج السنوي، وأشار إلى أن هذا اللقاء البحثي يستعرض أبرز المشكلات التي تواجه هذ القطاع الذي لا يُعدّ المورد الاقتصادي الأساس للجولانيين السوريين وحسب، بل هو قطاع سياسي يتعلق باستمرارية تمسك الجولانيين وصمودهم في أرضهم، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
إلى ذلك، قدمت الباحثة الفلسطينية منى الدجاني مداخلتها بعرض البحث الذي تجريه، وقالت: إن المشروع الحالي “يأتي ضمن دراسة بحثية علمية، حول التغيرات المناخية في مناطق تخضع للاحتلال الإسرائيلي (الجولان المحتل، سهل البطوف في فلسطين، وغور الأردن)، ويتضمن نتائج استطلاع في مجال المياه وكيفية توزيعها من قبل الشركات الإسرائيلية الرسمية التي تحتكر السلطة على المياه، بشكل يُتيح للمستوطنين التمتع بكميات مُضاعفة عن المُزارع السوري، وعن دور المبيدات الكيماوية، وعملية تسويق المنتوجات الزراعية في الأسواق الإسرائيلية، وافتقار عوامل الصمود الجولاني في منافسة منتوجات المستوطنات الإسرائيلية، على الرغم من تميّز المنتوج المحلي الجولاني كمًا ونوعًا”.
وأشارت إلى أن البحث يتناول أيضًا جانب الهوية والثقافة وقضية الانتماء في ظل الرمزية الوطنية والثقافية التي يُجسّدها التفاح الجولاني للمواطنين السوريين، ويتناول كذلك الحلول الممكنة على المدى القريب والبعيد، وقدرة السكان المحليين على تنفيذها، كعلمنة الزراعة وإعادة استخدام المياه، وفحص نجاعة استخدام المبيدات الزراعية وكيفية انتشارها وتأثيرها في البيئة والإنسان، نظرًا إلى الكمية الهائلة المستخدمة قياسًا إلى مساحة الأراضي الزراعية، والبحث عن بدائل مُكمّلة للأمن الغذائي المحلي (قطاع الحيوانات الماعز والأغنام، صناعة وتربية النحل، تربية الدواجن، بدائل عن زراعة التفاحيات).
استعرضت الباحثة الأسبابَ التي جعلتها تختار الجولان السوري المحتل، في جزء من دراستها، لصالح جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، معتبرة أن الجولان “يحتل مكانة في الحالة الجيوستراتيجية من حيث كونه مصدرًا غنيًا للمصادر المائية، وهو موجود في كل الدراسات والأبحاث المتعلقة بالصراع المائي بين الدول والعلاقة فيما بينها، لكنه لم يخضع لأي دراسة تُبين الحياة اليومية للمزارعين المحليين وقضاياهم وأزماتهم ومشكلاتهم في هذا الصراع، وكيف أن المجتمع الجولاني مجتمع زراعي بامتياز، لكنه مُهمش ومنسي ومتروك وحده، في أتون هذا الصراع”.
وختمت بأنها ركّزت في بحثها على تفاصيل الحياة الزراعية للمزارعين السوريين، من خلال عشرات اللقاءات معهم، والتعاون معهم في موسم التفاح، وسجلت الكثير من الفوارق المهمة التي تُفسّر كيف تصمد المجتمعات الزراعية الواقعة تحت الاحتلال، في ظل الظلم والبطش واستخدام القوة، وسلب الحقوق والاستيلاء على الأرض ومصادرتها، والصراع مع المحتل على المياه، وكيف ابتكر وأبدع الفلاح الجولاني في المقاومة الشعبية، كبناء خزانات لجمع المياه، واستصلاح الأراضي الوعرة والجبلية، وبناء مخازن التبريد، وتشكيل جمعيات مياه تطالب بالحق في الحصول على المياه، ودور الإضراب الكبير في تعزيز انتماء الإنسان إلى أرضه والدفاع عنها، وكيف تحولت المقاومة إلى ممارسة يومية لتعزيز هوية الفلاح وهوية أرضه في المعركة التي يُحدد فيها الطرف الأقوى “الاحتلال” قوانين المعركة، وأوجه الشبه بين المزارع الفلسطيني في سهل البطوف والمزارع السوري في الجولان، في المواجهة مع الاحتلال، مختتمة مداخلتها بأن الزراعة بحد ذاتها فعلٌ مقاوم يومي، يبدأ من القرار بالحفاظ على الأرض واختيار الشتلة، وتأمين المياه، وضمان التسويق الأنجح للمنتوج.
بعد ذلك، استعرض د. تيسير مرعي في مداخلته معطيات وإحصاءات حول كمية المياه التي يحصل عليها المزارع في الجولان، منذ تشكيل أول جمعية مياه (بركة رام) عام 1986 وحتى عام 2017، ومقارنة بين الحصص المائية الكبيرة التي تحصل عليها المستوطنات الإسرائيلية، والتكلفة المادية لعملية شراء المياه من قبل الشركات الإسرائيلية، وبيّن كيف تعاملت سلطة الاحتلال لفرض عملائها على السكان، من خلال منحهم التفويض بتوزيع المياه للمزارعين بكميات قليلة جدًا، وكيف ابتكر السكان أساليب مقاومة عفوية بإحساسهم العفوي، وشعورهم بوجود مخطط يُهدد بقاءهم ووجودهم، وأساليب منظمة لاحقًا لتعزيز صمودهم وتمسكهم بأرضهم، من خلال الاستمرار بعملية استصلاح الأراضي على الرغم من التكلفة الباهظة، والقبول بكميات مياه شحيحة، وتأسيس جمعيات فيما بينهم لتعزيز وحدة مواقفهم.
أشار مرعي إلى أسباب وعوامل تراجع هذا القطاع الاقتصادي المهم جدًا، بالنسبة إلى المجتمع الجولاني، في ظل منافسة غير متكافئة وغير عادلة مع المستوطنات الإسرائيلية، ومن ضمنها الفشل في إدارة المشاريع الاقتصادية والإنتاجية لأبناء الجولان، معتبرًا أن وجود هذا العدد الكبير من جمعيات المياه، والعدد الكبير من مخازن التبريد يَحول دون وضع حد لتردي وانهيار هذا القطاع الحيوي، ونبّه إلى ضرورة توحيد ودمج جمعيات المياه، لضمان تكاليف أقل، سواء من حيث الصيانة أم من حيث تكاليف العاملين والإشراف، وتوحيد ودمج مخازن التبريد لضمان تكلفة أقل.
من جهته، رأى المهندس الزراعي شحاذه نصر الله أن الزراعة في الجولان المحتل تحولت من دخل أساسي إلى مُكمّل لاحقًا، وإلى عبء كبير حاليًا، خاصة مع فتح (إسرائيل) الباب لاستيراد التفاح بشكل حر من السوق الأوروبية، وسعيها لتدمير هذا القطاع وجعله فائضًا، وقال: إن الأسرة دون مستوى الدخل المتوسط تحتاج إلى استثمار 80 دونمًا لتؤمن مستلزمات حياتها، في حين يبلغ معدل الملكية للأسرة اليوم نحو 7 إلى 8 دونمات، وهذا بحد ذاته يُشكّل عبئًا كبيرًا على المُزارع. وأشار إلى أن زيادة تكاليف الزراعة من استصلاح أرض إلى شق طرقات وتسييج ومبيدات زراعية تجعل المزارع عاجزًا عن تسديد التكاليف في ظل انهيار الأسعار، ذاكرًا مثال ارتفاع سعر مادة (القطنيون) كمبيد من 5 كيلو تفاح في الثمانينيات، إلى 40 كيلو تفاح في الوقت الراهن، دون ارتفاع سعر المنتوج.
أكد نصر الله أن إغلاق المركز الزراعي للإرشاد عام 2007 كان ضربة قاسية للزراعة؛ إذ حرمت المزارع من إمكانية الإرشاد والتوعية وفحص التربة وفحص الأوراق، واكتشاف أنواع الأمراض، مُشددًا على ضرورة إعادة تشكيل وإقامة مركز إرشادي ومخبر زراعي، لمواجهة الكارثة التي تنتظر مزارعي الجولان خلال السنوات القادمة، في ظل افتقارهم إلى مرجعية زراعية علمية، تضمن صمود الفلاح السوري في أرضه، وإيجاد لجنة مشتركة للمياه تكون هي المرجعية لكل مزارعي الجولان، وإقامة كومونات تجارية تضم كل واحدة منها 30 إلى 40 مُزارع، تكون مسؤولة عن 300 إلى 400 دونم، لتوفير الجهد المبذول وتقليل التكاليف الباهظة، وتوحيد الرشوش والمبيدات والأدوات الزراعية وتوفير الآليات العاملة في الأرض، والبحث الجاد والمسؤول لإقامة مُجمّع مائي كبير خاص بمزارعي الجولان، في المناطق المنخفضة والاستفادة من تجارب المنافسين في هذا المجال، مُنبّهًا إلى أن المجتمع يتمتع بالخبرات والمؤهلات والإمكانات والرغبة لتنفيذ هذه الأفكار.
أما فايز الصفدي، وهو عضو جمعية مياه، وصاحب محل للمواد والمبيدات الزراعية، فقد قدّم مداخلة حذر فيها من الوضع السيئ جدًا الذي ستشهده الزراعة في الجولان المحتل، خلال السنوات الخمس القادمة؛ بحكم أنها أمام منافسة خارجية غير متكافئة، وبناءً على كافة المعطيات المتوفرة؛ ستكون الزراعة في الجولان من أكثر المناطق التي ستتأثر سلبًا، بسبب عدم وجود تخطيط مُسبق، وقال: “إن جمعيات المياه وُجدت بحكم الحاجة، وبسبب عدم توفر بدائل، وكان من الضروري جدًا إقامتها، للحفاظ على الإنتاج الزراعي الذي يُعدّ الأساس الاقتصادي الأول في الجولان المحتل، وارتباطنا بالأرض كعامل من عوامل صمودنا، أمام التهديدات الجدية التي تواجهنا من المنافسين في المستوطنات الإسرائيلية الذين يتقدمون علينا بكل شيء”، واستعرض العوامل التي من شأنها خلق بدائل وتحسين الإنتاج الزراعي، قياسًا بالمستوطنات الإسرائيلية، وأضاف: “دون توحيد الجهود والعمل المشترك بين المزارعين وبين مخازن التبريد وجمعيات المياه، لا يمكن أن نتفادى الكارثة الزراعية القادمة، إننا نعمل بالزراعة من دون علم بكيفية الزراعة، بدءًا من رش المبيدات الزراعية العشوائي، وتقليم الأشجار، ونوعية الثمار، ووضع التربة، وكيفية السقاية، والقطاف ومواعيده، مع التأكيد على ضرورة مكننة الإنتاج للتقليل في التكاليف الباهظة، ففي المستوطنات الإسرائيلية يقطف العامل بين 5 و6 عبوات كاملة من التفاح بتكلفة أقل، فيما يقطف العامل لدينا 1 إلى 2 عبوة يوميًا، بتكلفة أعلى. إن عملية إنقاذ الزراعة يجب أن تنطلق بمساعدة الجميع ووضع سياسة جولانية للتسويق، واقتحام أسواق وشبكات جديدة في (إسرائيل)، واستغلال تفوقنا بنوعية ومذاق وميزة التفاح الجولاني”.
إلى ذلك، قال المهندس الزراعي فاضل السيد أحمد: “بالرغم من أن الإنسان في الجولان متميز بتقبّل وقبول العلم والمعرفة، ولديه قدرة على توظيف أمواله بأفكار إنتاجية، إلا أننا أمام واقع سيئ جدًا في المجال الزراعي، وكل عملنا الزراعي يبدأ بعشوائية وينتهي بعشوائية، مرجعيتنا هي محال بيع المبيدات الزراعية، في حين مرجعية الزراعة، لدى المنافسين الأقوياء، هي الأبحاث والدراسات المستمرة في كل شيء عن كل شيء، في السابق تعلموا من خبرات المزارع الجولاني؛ ثم تقدّموا نتيجة امتلاك العلم والمعرفة والاعتماد على الأبحاث، ونحن توقفنا، والعِلم ملك المجتهد والباحث. لدينا مئات الآليات الزراعية للاعتناء في ملكية الأرض الصغيرة التي ترفع تكاليف الإنتاج بشكل غير معقول، إن قلة تنظيم الزراعة وعدم علمنتها ومكننتها، والبحث عن محاصيل جديدة، لإنقاذ الزراعة وتفادي الكوارث القادمة ستجعلنا أمام واقع صعب جدًا سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، لا يمكن تعويضه مستقبلًا بجهود محلية.
واختتمت الحلقة بعرض جملة من التوصيات والاستنتاجات أهمها:
– ضرورة إعادة الاعتبار للتفاح الجولاني، من خلال تدخّل المزارع نفسه في عملية الحفاظ على الإنتاج.
– ضرورة إعادة الاعتبار لاسم الإنتاج الجولاني (تفاح الجولان) المميز بالطعم والنكهة والجودة والحجم.
– العمل من أجل جعل عملية البيع والتسويق من مسؤولية اللجان ومخازن التبريد، وليس من مهمات المزارع، لأن علاقة التاجر به تتعرض للمساومة.
– التحريض والدعوة لاستخدام العلم والتكنولوجيا والمعرفة في عملية الإنتاج، بدءًا من ملكية الأرض وزراعتها والعناية بها، وصولًا إلى موسم القطاف والبيع والتسويق.
– توحيد مخازن التبريد وجعلها مصلحة جولانية بالدرجة الأساسية، وليست مصلحة خاصة لكل مخزن تبريد، وتقليل أعداد المخازن ولجان المياه للتقليل من النفقات والتكاليف.
– البحث عن بدائل مدروسة عن منتوج التفاح.
– إقامة مختبر زراعي مع مركز دراسات وإرشاد زراعي.
الشكر والتقدير لكل من يسعى لما هو افضل لمستقبل الزراعة في الجولان ولكن انقاذ تسويق التفاح اصبح شبه مستحيل ما دام تجار منطقتنا يتحكمون بالسوق (الاسعار) واصبح اهماله او بترهُ اربح من ان نعتني به . نتمنى ان يتغير الحال وتقوم لجان تسويق بتصريفه بما هو معقول وهذا ما نقوله منذ سنوات ولكن : لا حياة لمن تنادي .