علقت صحيفة الغارديان البريطانية على كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري في منتدى الإقتصاد العالمي في دافوس الشهر الماضي، حول ضرورة إيجاد حل لعملية السلام “العسيرة” بين الفلسطينيين والإسرائيليين. حيث اعتبرت الصحيفة أن كلمة “عسيرة” هي تعبير كبير، إذ أنها تشير إلى أن المشكلة لا يمكن حلها، فيما الواقع مغاير تماماً، بحسب الصحيفة.
وتستشهد الصحيفة بما ورد في كتاب المؤلف “بيتر بينرت” في مؤلفه “أزمة الصهيونية”، بأن دعم فكرة الدولتين –دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيلية- ليست بالضرورة غير قابلة للتغير. وتتابع الصحيفة أنه بعد أوسلو، فإن الإيجابية حيال هذه القضية تراجعت نتيجة الإنتفاضة الثانية، والصراع مع غزة. واليوم يظهر التوتر الغريب بين الطرفين على العلن، فيما تقابله رغبة لدى القيادتين –الإسرائيلية والفلسطينية- في التفاوض على تسوية في مواجهة الإدانات التي يضعها كل طرف في وجه الآخر.
وتعتبر الصحيفة، أن ما يجري ليس مفاجأً إذ أن السياسة، وتحديداً فيما يتعلق بمفاوضات السلام دائماً تتأرجح بين الأمل والخيبة. وانطلاقاً من نتائج جولة المفاوضات الأخيرة، تطرح الصحيفة تساؤلاً عما إذا سيكون هناك من أمل في إعادة تنشيط حماسٍ كافٍ لدى الجانبين، خصوصاً في ضوء زيارة كيري القادمة إلى المنطقة من أجل إيجاد إطار لحل قضية السلام؟
وتقول الصحيفة، في إشارة إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن دولته تعيش الجزء الجوهري من السياسة الإسرائيلية. في الوقت الذي يمارس فيه سياسة إعاقة حل “الدولتين المستقلتين” من منطلق عقائدي ضيق، ما يجعله مصدر للتشاؤم حيال عملية السلام.
وتتابع الصحيفة أنه لو كان الأمر يقتصر على ذلك، لكان الأمر سالكاً باتجاه الأمام، فيما هو في الواقع غير ذلك. ذلك أن التشاؤم الإسرائيلي موازٍ لفريق إسرائيلي آخر يرغب بالتعامل مع القضية بشكل أكثر طبيعية، بحسب الصحيفة. فقد رأت الغارديان، أن هذا الفريق ينظر إلى هاجس الأمن والبقاء على احتلال الضفة الغربية من قبل إسرائيل هو ضارٌ بحقوقها. فإسرائيل بالنسبة لهم، يتطلعون إليها على أن تكون مفتوحة للمشاريع المختلفة.
وتشير الصحيفة إلى مئة من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين الذين ناشدوا نتنياهو في “دافوس” للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، أو مواجهة خطر العقوبات المتنامي ضده. وذكرت الصحيفة، بأنهم أدركوا بأن نتنياهو لديه الاستعداد للدعوة إلى اجتماع وزاري من أجل مناقشة الخطر المتنامي للتعرية من قبل بعض الشركات الإسرائيلية، مشابه لنموذج العقوبات في إفريقيا الجنوبية. ويأتي ذلك خصوصاً بعد تراجع سمعة إسرائيل عالمياً من ناحية التعامل الذي تقابله للمواطنين الفلسطينيين من ناحية حقوقهم المدينة. وقد تمثل ذلك مؤخراً في قرار بنك التقاعد الهولندي لقطع علاقاتها مع خمسة بنوك إسرائيلية، الأمر الذي يشير إلى حركة العقوبات التي يتم التلويح بها.
وتذهب الصحيفة بالقول، إلى أن نتنياهو اليوم هو أكثر عرضة للخطر في السياسة الإسرائيلية والعالمية في الوقت ذاته. وأن الإدانة التي تعرض لها من قبل أحد أعضاء الإئتلاف الحليف له ووزير الإقتصاد في حكومته “نفتالي بنت”، بعد أن أوحى نتنياهو في دافوس أن المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية ستكون في المستقبل أقلية تحت سيادة فلسطينية، الامر الذي وصفه نفتالي بأنه بمثابة دعوة للفلسطينيين لرفضها. وان هذا الأمر وضع نتنياهو في موقع حرج، خصوصاً في ظل الضغط الأميركي المتنامي ضده حول قضية الإستيطان.
وتشير الغارديان، بعد كل ما سبق، إلى أنه من السذاجة، وفقاً لمقتضيات السياسة التي تحيط بقضايا السلام في الشرق الأوسط، أن تتوصل القضية إلى حل ما، إلا من 10% وفقاً لدبلوماسيين من واشنطن في إمكانية التوصل إلى توافق ما حول إطار الحل مع انتهاء المهلة الزمنية للحل في حزيران (إبريل) القادم. لذا، فإن هناك بصيصاً من أمل بأن تتحرك الصفائح من جديد للوصول إلى حلٍّ ما بشأن السلام بعد توقف المفاوضات لسنوات عدة. وفي هذا الحال، فإن الرهان على تغير موقف رئيس وزراء إسرائيلي كان قد استقال من منصبه الحكومي بعد إلغاء الإستيطان في غزة، وهو ذاته الذي وعد في أن يواصل في تقدمه في الضفة الغربية، ما يجعل السؤال عن هذا الأمر أكثر صعوبة.
وتختم الصحيفة بأنه إذا كان هناك من إلحاح على هذه القضية المزمنة، فإنه يأتي نتيجة الضغط الناتج عن قضية ذات مصلحة شخصية. فالإحتلال لا يؤذي المحتَلَّ فقط، إنما يؤذي المسؤول عن هذا الإحتلال كذلك.