بقلم: منى أبو جبل *
بعد إعلان خبر الحجر الصحيّ أصبحنا في حالة ركود تام، حالة من التّرقب والانتظار بلهفةٍ لكل خبر صادرٍ عن الوضع الرّاهن لكل التّعليمات عبر قنوات الاتصال أو عبر مكبرات الصّوت من السّلطات المحلية، تحاول جاهدة توصيل كلّ المعلومات الصّحية اللّازمة بحذافيرها لمصلحة أبناء بلدها وسلامتهم وأعصابنا مشدودة مشدودهة للحدث المجهول.
مع تطبيق الالتزام بالبيت، شوارعنا فارغة، محلاتنا التّجارية مغلقة، سياراتنا مركونة أمام البيوت لا تتحرك. الالتزام التّام بالبيت، إغلاق مدارسنا، تعطيل مكاتبنا وورشاتنا، التّعلم المفاجيء عن بُعد تحت ضغط وإرهاق، تذمر وعدم تقبل الطّلاب مرغمين على الآداء. استعداد الأهل التّام وحرصهم على تلقي تعليمات الهيئة التّدريسية ووزارة التّربية والتعليم. معلمون مواكبون راغبون بكل صدق توصيل رسالتهم لطلابهم. جميعها أمور فُرضت علينا أن ننفذها ونطبقها بعقلنا وتفكيرنا فقط.
لقد أصبحنا مدينين للعقل بكل شيء بثقافتنا بتربيتنا وبحضارتنا، والمحزن أنّ ثقافتنا كلّها مرتبطة بالعقل ولا شيء سواه. لقد جرفنا التّقدم التّكنولوجي جرفا قوياً، نسابق الحياة ونتسابق من سيصل أولا! غافلين عن أمور تمس ّ ذاتنا، تمسّ واقعنا، تمسّ تربيتنا وقيمنا. لقد وضعنا “الكورونا” ضمن إطار حاصر كل شخص لينبه وليحذّر كلّ منّا: على ماذا تتصارعون وتتسابقون و إلى أين تركضون؟
لقد تناسينا القلب. نعم تناسيناه كلّيا. لا أحد يتكلم لغته أبداً. لا أحد يذكره بتاتاً. نتعاطى مع المنطق والفكر وننسى الحبّ، ننسى المشاعر، ننسى الإحساس، ننسى الإنسانية وننسى أنفسنا.
لقد ضيّقت “الكورونا” علينا ووضعتنا ضمن حلقات كنا قد فقدناها، والتي كنا نحاول جاهدين البحث عنها. حلقات كانت مبعثرة وحان الوقت للملمتها بإطار واحد، لنكتشف ذواتنا، لنجد أنفسنا مع وطننا المصغر -عائلتنا الكريمة- التي نقضي معها الآن أسعد وأجمل أوقاتنا مع أبنائنا وبناتنا ونسمع أصوات بعضنا ونشعر بوجودنا مع بعضنا. جعلتنا نعبّر ونُفصح عمّا بدواخلنا ونكتشف ذاتنا. نكتشف أولادنا. نتعرف عليهم. نسمع لهم. نؤمن بهم. نشاركهم همومهم، مشاكلهم، فرحتهم وأحزانهم. نكتشف إبداعاتهم. نرى صورة حقيقية لكلّ فرد في عائلتنا. أبٌ لطاما تمنى الطّفل وشعر بوجوده بالبيت. أم ٌ لطالما افتقدت لكلمة حب وحنان وتقدير، واكتشاف صعوبة عملها ومدى تحملها. طفل لطالما افتقد الحضن والحب والإيمان به واللّعب معه.
لقد وضعتنا الكورونا تحت إطار فكري واحد: المساواة الاجتماعية، الطّبقية، المسؤولية الشّخصية، الهدوء، هدوء الوعي والتّقبل والتّعبير عما يجري حولهم، الانضباط الذّاتي والالتزام بعادات سلوكية تربوية قيّمة وعادات صحيّة سليمة.
من قال أنّنا نموت من الوحدة؟ ففي الوحدة سلام داخليّ. العودة إلى الذّات الحقيقية لنرى من حولنا
وضوحاً تاما.
صحتنا النفسية والعقلية هي الأثمن والأغلى في الوقت الحاضر والمستقبل القادم. ففي قلب كلّ شتاء نابض ووراء كل فجر باسم ستشرق الشّمس علينا في كل يوم، بعودتنا لحياتنا الّطبيعية بكل خير وصحة وهداوة بال.
صحتنا النفسية والعقلية هي الأثمن والأغلى في الوقت الحاضر والمستقبل القادم.
____________________________________
• منى أبو جبل: مدرسة في إعدادية مجدل شمس.
سلم الله ملافضك يا أخت منى . في الحقيقة أن الاعتراف بالواقع فضيلة وعودة المرء الى ذاته واجب صحي وانساني في نفس الوقت . لقد صدقت في كل ماذكرته تقريبا وهذه العودة وليدة الخوف من الشدائد والمجهول . نحن يا منى في امتحان وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان . نسأل الله لطفا بعباده وبعد الشدة نأمل الفرج .
شكرا لك أخي أسعدني تعقيبك